in

من هم الشركس؟ وهل سمعت بالإبادة التي تعرضوا لها؟

صورة: Wikimedia Commons/ Sedat Suna / EPA

الشركس هم إحدى الشعوب التي تستوطن شمال القوقاز، وعلى الرغم من أن الاسم الذي عُرف به هؤلاء في معظم اللغات هو الشركس، لكن الشركس أنفسهم لم يحملوا هذا الاسم سابقاً، بل كانوا يشيرون إلى أنفسهم باسم الأديغة، وهو الاسم المحلي الذي عُرفوا به إلى جانب قبائل أخرى كالوبَخ، فالأديغة هم شعب مؤلف من عدة قبائل استوطن شمال القوقاز، ويُشتق اسمهم من الأماكن الجغرافية التي استوطنوها، أي بين المرتفعات الجبلية وساحل البحر الأسود.

عقب احتلال الروس للقوقاز، هاجر الكثير من الشركس إلى الإمبراطورية العثمانية، واستوطنوا أماكن مثل تركيا وسوريا والأردن وإسرائيل اليوم، وكذلك في دول يوغوسلافيا سابقاً، وهناك أيضاً بعض الشتات في أوروبا وأمريكا الشمالية (تحديداً ولايات نيوجرسي ونيويورك وكاليفورنيا الأمريكية)، لكن الكثير منهم لم يتخلوا عن موطنهم الأصلي، وعاشوا تحت ظل الحكومات السوفيتية المتعاقبة حتى تأسست جمهوريات أديغيا وقبردينو–بلقاريا وقرتشاي–تشيركيسيا، جميعها جمهوريات ضمن روسيا الاتحادية اليوم. وسابقاً، خلال القرن الثالث عشر، استطاع الشركس الوصول إلى مراكز رفيعة في الشرق الأوسط، تحديداً السلالة المملوكية في مصر، والتي حكمت المسلمين لأكثر من 300 عام.

يمتاز بعض الشركس بعيونهم الزرقاء وشعرهم الأشقر أو المائل للحمرة، بينما يمتاز بعض الشركس الآخرين بشعرهم الأسود وطباعهم البسيطة. إذاً من هؤلاء القوم؟ وكيف وصلوا إلى بلادنا العربية؟ وما هي العادات والتقاليد والأمور الأخرى التي تميزهم عن باقي شعوب الأرض؟ تابعوا معنا:

التسمية والتاريخ

مجموعة من الشركس بأزيائهم التقليدية في إسرائيل. صورة: Wikipedia

يُطلق محلياً اسم أديغة على مجموعة من الشعوب من بينها الشركس، بينما ”الشركس“ هو الاسم الذي أطلقه الآخرون، وتحديداً الإغريق، على هؤلاء. اليوم، هناك 3 فروعٍ من الأديغة تعيش ضمن روسيا الاتحادية، وهم القبردينو والشركس والأديغة. بالمناسبة، هناك مجموعات عرقية أقدم من الأديغة عاش أسلافها في المنطقة ذاتها الواقعة شمال القوقاز، يعود تاريخ استيطان تلك المجموعات إلى 6000 أو 7000 سنة، أي منذ تعرّف الإنسان على الزراعة وبدء استخدام الأدوات المعدنية.

على مر تاريخهم، كان الشركس يعيشون بشكل مستقل، فلم يكن لهم دول رسمية أو مدن كبرى، بينما كان الجهاز السياسي الرئيس هو القبائل والمجتمعات التي تعيش بشكل مستقل، أي أشبه بمدن الإغريق والرومان القديمة والمستقلة أو قبائل الإيروكواس مثلاً.

قُسمت مجتمعات الأديغة أيضاً إلى رتب متفاوتة، فهناك طبقة الأمر وطبقة النبلاء المكونة من 4 مراتب، وأخيراً عامة الشعب الأحرار، بالإضافة إلى 5 درجات مختلفة من الخدم أو العبيد، والتي يندرج ضمنها الأسرى والأجانب والمدينين غير القادرين على إيفاء ديونهم والشعوب الأخرى التي غُلبت على يدهم.

حكم الأمر تلك الشعوب الشركسية المختلفة، لكن منذ القرن السابع عشر وحتى القرن التاسع عشر، تمردت قبيلتا الشابسوغ وناتوخاي، اللتان استوطنتا سواحل البحر الأسود، على الأمراء الشركس وطردتا كل الأرستقراطيين إبان سلسلة من التمردات.

حُكم هؤلاء الشركس المتمردون بواسطة اجتماعات يحضرها جميع المواطنين جرت عادة في بساتين مقدسة، وكانت تلك الاجتماعات تحدد الشؤون اليومية للمواطنين. أما خلال أوقات الحرب، فكان هؤلاء الشركس ينتخبون أمراء حرب مؤقتين ويشكلون فرقاً منضبطة مؤلفة من الشباب الذكور.

في ثمانينيات القرن الثامن عشر، وصل الروس إلى حوض البحر الأسود الذي كانت الإمبراطورية العثمانية تسيطر عليه، لكن الروس والعثمانيون لم يأبهوا كثيراً بسكان المرتفعات الجبلية وظروف معيشتهم، وإنما اهتموا بالطرق التي تصلهم بجورجيا وأرمينيا والتي تمر عبر تلك الجبال. أدى تعجرف الحكام الروس للمستعمرات وجلب المستوطنين القوزاق للعيش في المنطقة إلى إثارة سخط الشركس، فاندلعت حرب طويلة ومدمرة استمرت أكثر من 100 سنة وانتهت عام 1864، وأدت إلى إبادة الشركس وطرد الكثيرين من ديارهم، كما أدت إلى زوال وانقراض لغة قبائل الوبخ الذين حاربوا بشدة.

بقي بعض الشركس في مناطقهم الأصلية وخضعوا لسلطة الروس ولاحقاً الاتحاد السوفياتي، لكن الكثيرين هاجروا واستقروا في الإمبراطورية العثمانية، ويعيش أغلبهم اليوم تركيا، حيث يشكل الشركس الذين بقوا في منطقتهم الأصلية نحو 3% فقط من تعداد الشركس عالمياً، بينما يعيش 97% من الشركس في الشتات. بالنسبة للكثير من المؤرخين الحديثين، يُعتبر ما تعرض له الشركس على مر تاريخهم إبادةً جماعية أو مذبحة.

موطنهم الأصلي

جمهوريات شمال القوقاز. صورة: Wikipedia

عاش الشركس، وأقربائهم الوبخ والأبخاز، في المثلث الممتد من الساحل الشرقي للبحر الأسود وشمال بحر أزوف، وصولاً إلى الشرق على طول الساحل الجنوبي لنهر الكوبان الواقع في منتصف شمال القوقاز، وأخيراً إلى الجنوب عند نجد القوقاز (نجد أرابيكا أو كتلة أرابيكا الصخرية)، ليشمل المثلث في النهاية موطن الأبخاز الأصلي. تحوي تلك المنطقة سهوباً وتلالاً شديدة الانحدار، والتي تمتد لتصل إلى جبال القوقاز المغطاة بالثلوج.

وهكذا، كانت طبيعة المنطقة والمجتمع المسلح إحدى الأمور التي حمت الشركس من التعرض للغزو والاحتلال لآلاف السنوات. إلى الغرب، كانت أمواج البحر الأسود تلطم أراضي الشركس، ما جعل النهر غير صالحٍ للملاحة إلا في بعضة أشهر من السنة. اهتم الإغريق فقط في بناء مستعمرات وحصونٍ لهم في تلك المنطقة الساحلية، وشكلت الجبال القريبة جداً من الساحل، والممتدة إلى مسافات طويلة في الشرق حتى بحر قزوين تقريباً، ملاذاً آمناً من الغزوات البربرية القادمة من سهوب أوراسيا، كالسكوثيين أو المغول لاحقاً.

لم يتغيّر وضع الشركس حتى جاءت التقنيات الجديدة وتطورت الأسلحة، فبدأ الروس التوغل في المنطقة اعتماداً على جنود المشاة والبحرية، ثم جاء المستوطنون الأوروبيون (أغلبهم من أصول سلافية)، وبعدما حصل تطهير عرقي، انخفض عدد الشركس بشدة حتى أصبحوا أقلية في أرضهم.

يملك الشركس اليوم استقلالاً ذاتياً، حيث يقطنون 3 جمهوريات مستقلة داخل الاتحاد الروسي، وهي جمهوريات أديغيا وقبردينو–بلقاريا وقرتشاي–تشيركيسيا. يشكل القبردينو نحو 500 ألف شخص، بينما يبلغ عدد الشركس نحو 49 ألف نسمة، والأديغة 116 ألف نسمة. على الرغم من ذلك، يعيش عدد أكبر بكثير من الشركس أو المتحدرين منهم في مناطق أخرى، ففي تركيا، يبلغ عددهم 4.5 مليون نسمة (تختلف الأرقام باختلاف الإحصائيات)، بينما يعيش في سوريا نحو 35 ألف شركسي، وهناك مجموعات أخرى من الشركس تعيش في الأردن وإسرائيل، وآخرون يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية (نحو 8000 شخص في أو حول مدينة باترسون في ولاية نيوجيرسي.

لغتهم

رجلان شركسيان يرتديان أزياء تقليدية في إحدى حقول الشاي في سوتشي، روسيا. صورة: THOMAS PETER / Reuters

تشكل اللهجتان الشركسيتان (الغربية والشرقية)، بالإضافة إلى الأبخازية والأباظة والوبخ شبه المنقرضة، عائلة لغوية منفصلة يُطلق عليها القوقازية الشمالية الغربية. تمتاز تلك اللغات بمستواها المعقد، فبعض اللهجات تحوي 70 حرفاً ساكناً و3 أحرف صوتية فقط. وهناك لفظان لحرف الكاف، أحدهما كاف والآخر قاف.

تُشكل الأسماء من نحو 200 جذر عبر عملية تركيب، فكلمة وجه مثلاً تتألف من مزيج جذرين هما «نا–با»، والتي تعني حرفياً «عين–أنف»، يأتي الفعل أيضاً في نهاية الجملة. ترتبط اللغات القوقازية الشمالية الغربية ولو من بعيد باللغة الحتية، وهي لغة قديمة تحدث بها سكان الأناضول قديماً. في أوائل القرن السابع عشر، أرسل السلطان العثماني العالم (أوليا جلبي) ليوثق ويسجل لغات القوقاز. بقيت بعض سجلاته محفوظة حتى يومنا، واحتوت قصصاً خيالية عن عودته إلى بلده. فبعدما عاد (جلبي) إلى بلاط السلطان عقب رحلة طويلة ومتعبة، سأله السلطان عن لغات الشركس، فأخرج (جلبي) كيساً من الحصى وألقاه على الأرض، وقال للسلطان: ”أيها السلطان، هذا الصوت مشابه لنطق الشركسية“.

بماذا يؤمن الشركس؟ وهل سمعت بأساطيرهم المتداولة؟

مسجد أبو درويش في عمان، الأردن. بناه المهندس الشركسي الحاج حسن مصطفى (لقبه أبو درويش) ويجمع بين أسلوبي العمارة المملوكي والتركي. صورة: Wikipedia

يعتبر أغلب الشركس اليوم أنفسهم من المسلمين، على الرغم من أن قلة منهم تمارس العبادات والطقوس الدينية يومياً. لكن لو عدنا إلى التاريخ القديم، لوجدنا أن أسلاف شركس اليوم كانوا مسيحيين، بينما كان أسلافهم الأوائل وثنيين يعبدون مجموعة من الآلهة، مثل (لِبش)، إله الحدادة (مشابهٍ للإله الإغريقي هيفيستوس)، ويقدسون أيضاً أرواح الجبال المقدسة أو البساتين أو الجداول.

في الفولكلور الشعبي، هناك الأسطورة النارتية، وهي عبارة عن قصائد شعرية تحكي ظهور وسطوة مجموعة من الأبطال الخارقين اسمهم النارتيون. هناك شخصيات أسطورية رئيسة، مثل (ساوسروقة) الشجاع و(سنتاي) أم النارتيين.

كان أسلاف الشركس القدامى، أي منذ نحو آلاف الأعوام، يشيدون مبانٍ حجرية عملاقة ومذهلة، مشابهة لتلك التي وُجدت في أوروبا الكلتية. في الشمال الغربي من القوقاز، بُنيت تلك المباني على هيئة منازل مزودة بسقوف حجرية عملاقة تغطي المدخل الدائري. يشكك المؤرخون في أصل «منازل العمالقة» تلك أو الهدف منها، إذ يُعتقد أنها كانت تحبس الأرواح.

لاحقاً، عندما نشر الإغريق البيزنطيون المسيحية بين الشركس، كان التحوّل إلى المسيحية ضعيفاً ورمزياً فقط. بدأ الشركس بالتحوّل إلى الإسلام بعدما سقطت بيزنطة بيد العثمانيين المسلمين في القرن الخامس عشر. أصبح الإسلام الديانة السائدة في شمال غربب القوقاز، خاصة أن سكان المنطقة أرادوا مقاومة الزحف والتقدم الروسي.

عندما استولى السوفييت على المنطقة، بدأ الدين يتنحى جانباً بسبب طبيعة الحياة، لكن مؤخراً، ظهر نوع من الإحياء الديني جراء التجارب المريرة التي خاضها الشعب الشركسي أثناء الانتقال من النظام السوفياتي إلى النظام الحديث، كما تشكلت الجمعيات والمجتعمات الإسلامية أيضاً بعد أن كانت محظورة.

حياة الشركس وثقافتهم

منزل شركسي تقليدي، يُظهر أين كان الشركس يعيشون. صورة: Wikipedia

الشركس شعب فخور بنفسه، لكنه فقير للأسف. عاش الشركس سابقاً في منازل مغطاة بالقش يسهل توسيعها إن أراد أحد الأبناء الزواج وتأسيس عائلة. كانت وسائل النقل إما السير على الأقدام أو ركوب الخيول، وهناك أيضاً عربات تجرها الثيران استخدمها الشركس للسير في الممرات الجبلية والطرق الوعرة. زرع الشركس الذرة والدُخن والفواكه، وربوا الأغنام والخيول.

لكن أسلوب الحياة القديم هذا تغيّر خلال القرن العشرين، فاليوم، يعيش الشركس في منازل مسقوفة بالقرميد أو شقق سكنية في المدن. منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى السبعينيات، شهد الاقتصاد السوفياتي نمواً سريعاً، وانعكس الأمر إيجابياً على الشركس، فاستغل الكثيرون الفرصة للحصول على شهادات تعليمية في الجامعات ثم التدرب للحصول على وظيفة أو عن طريق بيع المحاصيل في روسيا. خلال تلك الفترة، بنى الكثير من الشركس منازل عصرية واشتروا السيارات أو الدراجات النارية، وبدأ الشباب الشركسي يهتم بالحضارة الأوروبية، كالملابس والأحذية وبناطيل الجينز والالكترونيات وأقراص الـ دي في دي. ومع اقتراب انهيار الاتحاد السوفياتي اقتصادياً، شهد الششركس صعوبات شديدة في الفترة ما بعد السوفيات.

في السابق، وتحديداً لدى فقراء الشركس، جرت عادة تتمثل ببيع الأطفال مقابل الأحصنة، أو بيعهم كعبيد مقابل المال. وكان للنساء وقتها قدر كبير في هذه العملية، حيث كانت النساء الشركسيات يمثلن القسم الأكبر من حريم السلطان التركيات والعربيات، بل أن بعض المحظيات الشركسيات وُلدن سلاطيناً عثمانيين جلسوا على عرش الخلافة الإسلامية. في المقابل، كان للرجال أيضاً دور في المجتمع التركي، حيث كانوا ينخرطون في صفوف الجيوش الانكشارية، وحكموا مصر لقرنين من الزمن تحت اسم مماليك الشركس، أو ما يُعرف بالمماليك البرجية.

ملابسهم وطعامهم

خبز تقليدي (مصّة) على اليمين، وعلى اليسار عجينة مقلية محشية بالجبن الشركسي. صورة: Wikipedia

يفاخر الرجال الشركس بخناجرهم، وهي أغلى ممتلكاتهم المزخرفة، ويتباهون أيضاً ببدلاتهم المعروفة باسم (فاشا) ومعطف الـ (جوخا) الصوفي، وهو عبارة عن معطف طويل يحوي أحزمة رصاص بالإضافة إلى قبعة من الفرو. أما النساء، فغالباً ما ترتدين ملابس مزينة بالحلي كالأحزمة والقلائد الذهبية أو الفضية. ومع أن الشركس مسلمين، لكن الحجاب لم يكن يوماً من الملابس التقليدية لنساء الشركس والأديغة، بل عادة ما يرتدي الرجال قبعات تغطي الرأس تُدعى (باشليق).

على أي حال، لم تعد تلك الأزياء موجودة إلا لدى الكبار في السن أو أثناء المناسبات، بينما يرتدي الشركس اليوم ملابس مشابهة لتلك التي يرتديها الرجال في الغرب. بالتالي أصبحت تلك الملابس مجرد أزياء للتعبير عن الانتماء والفخر بالهوية الشركسية.

أما الطعام الشركسي التقليدي، فغالباً ما يتألف من الذرة وجبن الغنم والجوز المطحون والفواكه واللحم المجفف أو المدخن. مع تحسّن ظروف الحياة في النصف الأخير من القرن العشرين، شمل النظام الغذائي للأديغة أنواعاً مختلفاً من الأطعمة.

هناك طبقٌ رئيسي ذو شعبية كبيرة يُدعى (شبسيرا باستيرا أو معكرونة المرق)، ويحضر عن طريق تسخين الطحين في مقلاة حتى يصبح لونه بنياً، ثم يُضاف إليه حساء الدجاج أو الديك الرومي حتى يصبح كثيفاً كالقشدة، ثم يُضاف إليه أحياناً الخضار أو البصل. يفضل الشركس إضافة الكثير من الفلفل الأحمر لأطباقهم، تحديداً الطبق السابق، كما يستخدمون الثوم بشكل خاص في أطباقهم الرئيسة.

هناك أيضاً رقصة شهيرة لدى الشركس، تُدعى (أديغا كافا)، وتعتمد على إيقاع الطبول وآلتي الكمان والناي لإنتاج الألحان، وقد يستخدمون الكمنجة الشركسية أو الأكورديون. هناك رقصات سريعة وأخرى بطيئة، وتحوي الرقصات الكثير من الحركات الصعبة التي يؤديها الرجال أغلب الأحيان، كأن يحمل الرجل خناجراً بين أسنانه ويرمي كل خنجر منها أثناء أداء الرقصة، أو يرقص الرجل أحياناً بوضعية منتصبة واقفاً على أصابع قدميه فقط ومبسطاً ذراعيه إلى الجانبين. هناك رقصة أخرى يدور فيها الرجال حول نفسهم بينما تصنع النساء دوائراً بأيديهم. في السابق، كانت الرقصة الأخيرة تُؤدى على ظهر حصان، ما يظهر براعة الرجل في امتطاء الأحصنة.

الفنون

أطفال شركسيون يؤدون رقصات تقليدية.

لم ينشأ الأدب والمسرح الشركسي، باللغة الشركسية، حتى عام 1917 عندما دخل في سياسات السوفيات الداعية إلى الترويج للثقافات الإثنية وتحديثها. في الحقيقة، هناك عدد لا بأس به من الروايات والأشعار الشركسية التي كُتبت وطبعت خلال التاريخ.

لحسن الحظ، لا تزال الدولة تدعم مجموعات الرقص الفولكلورية أو الموسيقيين والحرفيين التقليديين، ما ساهم في إبقاء الإرث الشركسي قائماً حتى اليوم. بل أن الشعب الشركسي متمسك بهذه التقاليد، ويرى فيها دواءً للقضايا التي رافقت ظهور الحداثة في البلاد.

تحصل المرأة الشركسية أيضاً على فرصٍ مساوية للرجال في مجال العمل، وكذلك الأجور. لكن في مجال السياسة، فنسبة تمثيل النساء لا تزال منخفضة، سواء في روسيا أو خارجها. على أي حال، كان للمرأة الشركسية مكانة فخرية في المجتمع، واليوم، لا يزال بإمكان المرأة اختيار زوجها، بل برزت تقاليد مستمدة من الغرب الأوروبي أيضاً، حيث ازدادت معدلات الطلاق وانخفضت معدلات الإنجاب في البلاد نتيجة دخول الحداثة إلى المجتمع. يحق للمرأة أن تمتهن كافة المهن التي يحتلها الرجال، وبالفعل، نجد فنانات شركسيات ومحاميات وعالمات وسيدات أعمال أيضاً.

الأعياد التي يحتفلون بها

يحتفل الشركس، بشكل رئيس، بعيد النوروز أو الانقلاب الربيعي، والذي تحتفل به شعوب أخرى كالأكراد والترك والفرس وغيرهم، ويولون الرقص في تلك الأعياد اهتماماً خاصاً. هناك أيضاً عيد الفصح الذي تعود أصول الاحتفال به إلى ما قبل الديانات الابراهيمية، لكنه اليوم أصبح شبه منسيّ، وهو أيضاً يُقام في فصل الربيع، وتشمل طقوس الاحتفال رقصة رمزية تجمع الشباب والشابات بشكل دائري، ويترافق الرقص مع غناء، حتى يبدأ إعداد الطعام وتجهيز اللحوم، إذ من المتعارف عليه أن يصوم المرء مدة 48 يوماً قبل العيد.

حقائق عن الإبادة الجماعية للشركس

في 21 مايو من كل عام، يحي الشركس ذكرى المذبحة التي تعرّض لها أسلافهم في ستينيات القرن التاسع عشر، والتي أدت إلى تهجيرهم نحو جميع أصقاع العالم. صورة: Shan Kadkoy

كان موقع أراضي الشركس مغرياً استراتيجياً، فتصارعت عليه اثنتان من أقوى إمبراطوريات العالم القديم، الروسية والعثمانية. بالتالي، تأثر الشركس سياسياً بالعثمانيين المسلمين، وكذلك أتباعهم من تتر القرم. وهذا ما دفع بالروس إلى غزو أراضي الشركس في القرن التاسع عشر.

لكن الحروب بين الشركس والروس لم تكن جديدة، فبين عامي 1763 و1864، اندلعت عدة معارك بين الجيش الروسي والمقاومين الشركس في جبال القوقاز، حيث لجأ الأخيرون إلى حرب العصابات لمواجهة الجيش الإمبراطوري.

لكن مع بروز خلاف وتنازع على السلطة بين القبائل الشركسية، بالإضافة إلى غياب التوافق بين الزعماء الشركس، بدأت المقاومة الشركسية تضعف في وجه الروس، خاصة أن الشركس لم يتمكنوا من إبرام تحالفات مع كافة الشعوب الشركسية، ما سهّل على الروس غزوهم في نهاية المطاف، ولو بعد معارك طاحنة.

تغيّر الوضع في أوائل القرن التاسع عشر، إذ اعتمد الروس سياسة انتقامية جديدة ضد الغارات الشركسية التي يشنها المسلحون، فطُلب من الجيش الروسي مهاجمة القرى، تحديداً تلك التي تقطنها عائلات المحاربين الشركس.

بالتالي أقدم الروس على اغتيال أو اختطاف هؤلاء بهدف القضاء على الدعم الذي يوفره سكان القرى للمحاربين الشركس، تحديداً في القرى المقامة على المرتفعات، كما عمل الروس على إعدام الماشية وإتلاف المحاصيل كي لا يتركوا للشركس سبيلاً من أجل البقاء أحياء. وهكذا، استسلم الكثير من الشركس للحكم الروسي، بينما طُرد كثيرون أيضاً خارج قراهم.

ومع ذلك، لم تكن الحرب قد انتهت، حيث وجد الجنرال الروسي (دميتري ميليوتين) طريقة للتخلص من المشكلة الشركسية باكملها، فطالب بطرد الشركس من موطنهم الأصلي، مدعياً أن هذه الخطة ”ضرورة عامة“. ووصل الأمر بـ (ميليوتين) إلى نشر أفكاره في إحدى الصحف عام 1857 قائلاً: ”إقصاء الشركس هو حلّ ينهي المشكلة – عن طريق تطهير البلاد من العناصر المعادية“.

وافق القيصر (ألكسندر الثاني) على مقترحات (ميليوتين)، بل عيّنه في منصب وزير الحرب عام 1861. وبعد فترة قصيرة، اقترح الضابط (نيقولاي يفدوكيموف) طرد الشركس نهائياً وترحيلهم إلى الإمبراطورية العثمانية، قائلاً: “على الشركس اختيار واحدٍ من خيارين: الموت أو الولاء للإمبراطورية الروسية”.

سنة 1864: بداية التطهير

بين 6 مارس وحتى 21 مايو عام 1864، طُرد كامل سكان الوبخ ورُحلوا إلى الأناضول في الإمبراطورية العثمانية. كانت عمليات الترحيل ضخمة جداً لدرجة أن الإمبراطورية الروسية خلت من المزارعين الذين يحصدون عادة خيرات ومحاصيل الأراضي الزراعية في غرب القوقاز.

يحي الشركس في جميع أنحاء العالم ذكرى الحادي والعشرين من مايو، فهو اليوم الذي تعرض فيه أسلافهم إلى ترحيل قسري من موطنهم الأصلي. ووفقاً للناشطين الشركس، فقد طُرد نحو 90% من الشركس –ما يعادل 3 مليون شخص– من موطنهم الأصلي في القوقاز جراء عمليات الترحيل الروسية.

المصيبة أن هذا اليوم بالذات تحوّل إلى يومٍ نصر واحتفال في الإمبراطورية الروسية، احتفال علني بعمليات تطهير عرقية وإحلال المسيحيين الروس مكانهم. فوفقاً لسجلات الإمبراطورية الروسية، فقد قُتل نحو 400 ألف شركسي وهُجر نحو 497 ألف شركسي آخر إلى تركيا (أو هربوا إلى هناك وفقاً للسجلات). بينما بقي نحو 80 ألف شركسي فقط في موطنهم الأصلي.

أرسلت الإمبراطورية العثمانية سفناً لإجلاء النازحين، وتوفي الكثير منهم في البحر الأسود، وهكذا ابتلع البحر جثث الكثيرين خلال تلك الرحلة الصعبة. في المقابل، اعتمدت الإمبراطورية العثمانية سياسة توطين الشركس، والتي كانت جيدة بالنسبة لهم، لكنها جاءت على حساب الجماعات المسيحية الأخرى التي تعيش في الإمبراطورية، تحديداً بسبب سوء التخطيط والتنفيذ.

مقالات إعلانية