in

إليك كيف اكتشف الإغريق القدامى وأثبتوا أن الأرض كروية منذ قديم الزمان، دون الاستعانة بالمعدات الحديثة

تمثال اطلس

حتى في زمن أصبحنا فيه نستطيع جعل حمل كامل ينمو في أكياس، وأصبحنا قادرين على رصد الأمواج الجاذبية وهي تتردد وتصدح في نسيج الزمكان، ما زال هناك العديد من الناس هناك يعانون الأمرين مع فكرة أن الأرض هي عبارة عن كرة (كرة غير سوية قليلا)، هذه الفكرة التي تبدو وكأنها استعصت كثيرا على هؤلاء.

لحسن الحظ، حسمت مجموعة من الرجال ”الملتحين“ الإغريق هذا الجدال منذ زمن طويل جدا، منذ آلاف السنين قبل اختراع وصناعة الأقمار الصناعية والصواريخ.

قبل ما ينوف عن 2300 سنة مضت، كان هناك مفكر عظيم يدعى (أرسطو)، الذي لربما اشتهر أكثر وعرف عنه تأملاته واستنتاجاته الفلسفية مع (أفلاطون)، إلى جانب كونه ضليعا ومتمرسا في عالم السياسة، والشعر، والمسرح، والموسيقى، والعلوم الطبيعية، والفلسفة، كان (أرسطو) واحدا من العقول النيرة والنوابغ في علم الفلك.

كان بعض العلماء الإغريق القدامى قد لمحوا إلى فكرة كون الأرض الكروية من خلال بعض الأبيات الشعرية والقصائد التي لم تكن واضحة جدا، بما في ذلك (أفلاطون) و(فيثاغورث)، لكن (أرسطو) كان أول مفكر من بينهم ليعبر عن ذلك بشكل صريح وواضح جدا بكلمات ملموسة.

الإله أطلس في الميثولوجيا الإغريقية، يشتهر بحمله قبة السماء على كتفيه
الإله أطلس في الميثولوجيا الإغريقية، يشتهر بحمله قبة السماء على كتفيه

في مقالة له بعنوان ”ما يتعلق بالسماء“، التي ألفها قديما في سنة 350 قبل الميلاد، يشرح (أرسطو):

”مرة أخرى، تجعل ملاحظتنا للنجوم من الأمر واضحا وجليا، ذلك أن الأرض ليست فقط دائرية الشكل، بل كونها أيضا عبارة عن دائرة ليست بعظيمة الحجم، مع تغيرات طفيفة في موقعها إلى الجنوب أو الشمال التي تتسبب في تغييرات واضحة في الأفق“.

ويضيف:

”بالتأكيد هناك بعض النجوم التي تشاهد في مصر، وفي نواحي منطقة (سيبروس) والتي لا يمكن رؤيتها أو مشاهدتها في المناطق الشمالية؛ والنجوم التي توجد في الشمال لا تكون أبدا فوق مدى الملاحظة، في هذه المناطق ذاتها، وهو الأمر الذي لا يظهر فقط بأن الأرض دائرية الشكل، بل لكونها كذلك عبارة عن كرة ليست ضخمة الحجم كذلك“.

كيف قدر العالم الإغريقي (إراتوستينيس) Eratosthenes حجم الكرة الأرضية:

كيف قدر إراتوستينيس حجم الكرة الأرضية
كيف قدر إراتوستينيس حجم الكرة الأرضية

هنا، أصبحت لدينا فكرة حول الطريقة التي تبلورت بها فكرة الأرض الكروية، لكننا ندين بالشكر للمفكر (إراتوستينس) حول قيامه بالتأسيس للنظرية بشكل حاسم.

كان (إراتوستينس)، وهو شخص ملتحي آخر من اليونان القديمة، مكتبيا، ورياضياتيا، وشاعرا، ومؤرخا، وعالم فلك، و”أب الجغرافيا“.

حوالي سنة 250 قبل الميلاد، نوّه (إراتوستينس) إلى أن ينابيع المياه وكذا أعمدة مدينة (سيان) -التي تعرف حاليا باسم مدينة (أسوان) في مصر- لم تكن لها ظلال في وقت الظهيرة لدى حلول الانقلاب الصيفي، ذلك أن الشمس كانت مباشرة فوقها، لكن، وفي نفس الوقت والتاريخ، كانت الظلال طويلة في مدينة (الإسكندرية)، التي تبعد حوالي 800 كيلومتر عن مدينة (أسوان).

كان (إراتوستينيس) يعلم جيدا أن حجم الشمس كان هائلا وأن أشعتها كانت متوازية نسبيا عندما تصل إلى الأرض، لذا لماذا كانت الظلال مختلفة إلى هذا الحد بين المدينتين؟ كانت التفسيرات التي استنتجها تحوم حول أن الأرض لابد أن تكون متقوسة الشكل، ومنه عبارة عن كرة.

في الواقع، تمكن بطريقة ما من اكتشاف بأن زاوية أشعة الشمس كانت حوالي سبعة درجات (أو كما وضعها هو: 1/50 من الدائرة)، ومن هنا، كان قادرا على اكتشاف تقدير دقيق للغاية حول حجم كرتنا الأرضية.

لا حاجة للقول، فإن رفض هذه الفكرة لا يعتبر أمرا جديدا في حقبة وسائل التواصل الاجتماعي ومشاهير الإنترنيت، فخلال كل حقبة تقريبا في تاريخ البشرية، من العلماء العرب اللامعين وصولا إلى القرن التاسع عشر والعلم الزائف الذي راج فيه، كان تقبل فكرة كون الأرض كروية الشكل متذبذا، ومثّل مشكلة متواصلة لا تزال مستمرة إلى يومنا هذا.

إذا كان الأمر ليشكل أي عزاء، على الأقل كانت مجموعة من الإغريق القدماء ”الملتحين“ قد اكتشفت ببساطة بأن الأرض كروية منذ 2000 سنة مضت.

فقط تخيل عزيزي القارئ حجم الاستغراب الذي سيخيم عليهم لو أنهم أحضروا في هذا الزمن ورأوا درجة التطور التكنولوجي التي وصلت إليها البشرية، وعلموا أنه مازال هناك أشخاص يعتقدون بأن الأرض مسطحة الشكل؟

اقرأ أيضا:

مقالات إعلانية