in

تعرّف على البازار الكبير في إسطنبول، أقدم وأكبر مركز تسوق في العالم

وجود الأسواق مرتبط بوجود الإنسان، فهي المكان الذي يعقد فيه البشر صفقاتهم فيشترون ويبيعون ويقايضون. يُعتبر البازار الكبير الموجود في مدينة إسطنبول التركية أقدم سوق لا يزال قائماً حتى اليوم. وحتى هذه اللحظة، لا يزال السوق يشهد حركة البشر القادمين للشراء أو المبيع، ففيه كلّ شيء، من الهدايا والأغراض التقليدية إلى التوابل النادرة وصولاً إلى أفضل أنواع السجاد اليدوي.

تاريخ البازار الكبير

البوابة الرئيسة للبازار.

وُجد البازار الكبير في القرن الخامس عشر ميلادي، وتحديداً في أواخر العام 1455 بعد فترة قصيرة من استيلاء العثمانيين على إسطنبول، عندها أمر السلطان محمد الثاني الفاتح ببناء بازارستانين (البازرارستان هو سوق القماش بالتركية) ليتمكن التجار من بيع بضائعهم لزيادة مدخولات جامع آية صوفيا. وأنشأ السلطان محمد الثاني عمارة مخصصة لتجارة النسيج والمجوهرات قرب قصره في إسطنبول، ودُعيته حينها تلك العمارة بـ«بازارستان المجوهرات». انتهى بناء البازار في عام 1460، وأصبح وقفاً لمسجد آية صوفيا.

سوق التوابل المصرية في البازار، والذي بُني عام 1661. لاحظوا السقف المزخرف بأسلوب العمارة الإسلامية. صورة: Travel Feed

أصبح البازارستانان بمثابة شريان رئيسي لنشاطات إسطنبول التجارية. وعندما بدأت المحال والأكشاك الأخرى بالظهور في المنطقة، أصبح السوق مسقوفًا، وعلى مر الأعوام الـ 250 اللاحقة، تحوّل البازار إلى ما نعرفه اليوم، متحدياً عدة كوارث لحقت به كالحرائق والزلازل، آخرها حريق عام 1954.

أول مركز تسوق

البازار في صورة ملتقطة من خرائط غوغل. لاحظوا المساحة الكبيرة التي يغطيها البازار المسقوف بالطوب.

البازار الأكبر هو سوق مسقوف أشبه بالمتاهة، يمتد ليشمل 61 شارعاً. ساهمت تلك الشبكة الواسعة من الأبنية في بناء المحال والأكشاك داخل الممرات المقوسة والجدران. وهكذا، تختلف بنية البازار الأكبر عن الأسواق التقليدية حيث يضطر الباعة إلى جلب بضائعهم معهم وبيعها في أكشاكهم المتنقلة، ولهذا السبب حصل البازار الكبير على لقب «أقدم مركز تسوق في العالم».

يوجد في البازار نحو أربعة آلاف متجر، تنتشر جميعها على مساحة 30 ألف و700 كلم مربع. كما أوضحنا سابقاً، بدأ العثمانيون ببناء هذا البازار في شتاء العام 1455، واستغرق بناؤه 5 سنوات. كانت خطة بناء البازار إحدى الخطط التي عمل بها العثمانيون لإنعاش التجارة والاقتصاد بعد احتلال القسطنطينية، وتزامناً مع نمو وتعاظم الإمبراطورية العثمانية، انتعش البازار وازدهر هو الآخر وتحوّل إلى مركز للتجارة.

البوابة في الصورة تُعرف باسم “بوابة محمد باشا”. صورة: Monica Fritz

أصبحت المدينة محطة وقوف رئيسة في طرق التجارة التي تربط آسيا بأوروبا، ونال البازار استحسان وإعجاب جميع تجارة ورحالة العالم، الذين اعترفوا بمكانة البازار التي لا تُقارن بغيرها من ناحية تنوّع البضائع التي يقدّمها وجودتها. وعلى مر الزمان، اتخذت شوارع البازار أسماءها بناءً على البضائع التي تُباع فيها، ولم يكن البازار بأكمله مسقوفاً.

تعرّض البازار لعددٍ من الحرائق المدمرة منذ بنائه، وبالإضافة إلى بعض الزلازل الكبيرة، اتخذ البازار الشكل الذي نعرفه اليوم. شهد البازار أيضاً كساداً كبيراً وقلة في الأرباح بفضل تقنيات التصنيع الحديثة التي برزت في الغرب. وفوق كل ما سبق، أدى انهيار الإمبراطورية العثمانية إلى انخفاض شعبية البازار بشدة.

نهوض البازار وتحوله إلى معلمٍ سياحي

يعد البازار مركزاً مثالياً للتسوق، فهناك تُباع التوابل والأشغال اليدوية الرائعة والسجاد وغيرها من الأغراض التقليدية، ناهيك عن أكشاك بيع الأطعمة. صورة: Earth Trekkers

لم يكن الغرض من البازار جعله معلماً سياحياً، بل بُني ليصبح سوقاً رسمياً لإجراء الأعمال ومركزاً لحصول على الناس على الأغراض التي يرغبون بها. لكن بفضل الكوارث التي لحقت به، أُعيد تشييد بعض أجزاء المباني بعد كل حريق أو زلزال، وهكذا بدأ السوق يأخذ شكله الأشبه بالمتاهة المعمارية المذهلة. وجراء ذلك أيضاً، نشأ تنافس بين أصحاب المحلات، أي لم يعتمد التجار حينها على بيع أغراضٍ معينة في سوق واحد، بل أصبح كلّ بائع يبني تجارته بشكل مختلف، وهكذا أصبح مظهر المحال والأكشاك خلاباً ومتنوعاً.

إحدى بوابات البازار.

قام السلطان سليمان الأول القانوني بتوسيع هذا البازار بعد بنائه، وحُفظت فيه حصة كبيرة من خزينة الإمبراطورية العثمانية بالإضافة إلى الأغراض الثمينة التي تملكها العائلات الثرية، كالمجوهرات والمعادن النفيسة والفراء والأسلحة. إن سقفه مغطى بالأسطح والقبب المصنوعة من الطوب، وله 22 بوابة ويحوي نحو 29 فندقًا صغيراً. يُعتبر البازار اليوم متحفاً حياً بما يحويه من متاجر وتراث، وهو مزيج من الماضي والمستقبل.

شهد البازار الكثير من عمليات الترميم في مختلف الأزمنة، آخرها عام 2005 وفقاً للقانون 5366 المتعلق بحماية المواقع الأثرية التراثية والتاريخي، حيث أُعيد بناء سقف البازار وإصلاحه بتكلفة تُقد بـ 4.49 مليون دولار أمريكي. كما قامت إدارة المياه والمصارف الصحية في اسطنبول بتنصيب دعامات أسفل البازار بتقنيات خاصة بتكلفة بلغت نحو 10 ملايين ليرة تركية لصيانة نظام الصرف الصحي، فسابقاً، كانت الشوارع تطوف في الأيام الماطرة. اكتملت عمليات الإصلاح جميعها في بداية العام 2019.

سيعثر السائح على الكثير من المحال ليشتري منها هدايا تذكارية.

بالنسبة للتجار، فالبازار هو بيتهم الثاني. قضى بعض التجار معظم سنوات حياته في دكانه الخاص ضمن البازار، وهذا ما أدلى به السيد (شنغور) الذي يدير متجراً أسسه جده من عام 1918، وهو الآن يبلغ 90 عاماً، قضى حياته في المتجر منذ أن كان في السادسة من عمره.

في متجره مختلف أشكال السجاد والحصر المنسوجة في مختلف أنحاء تركيا، لكنها تباع حصراً في متجره. يقول (شنغور): “لا أريد أبداً مغادرة هذا المكان، ففيه منسوجات ساحرة. عندما أدخل متجري كل صباح، أشعر أنني دخلت الجنة”. يبيع التاجر سجاداً يدوياً، ويتحدث عن ذلك قائلاً: ”لا أسمح ببيع السجاد المنسوج آلياً في متجري. ولا يوجد بنظري شيء اسمه «أفضل سجاد»، هناك مئات الأنواع المختلفة من السجاد، فالسجاد الراقي هو السجاد القادم من إسبرطة وقيصرية وأوشاك وسيواس وقونية“.

هذه المصابيح أيضاً من الأغراض المصنوعة يديوياً، والتي تجذب اهتمام السياح والسكان المحليين على حد سواء.

هناك أيضاً (محمد أوزتِكن)، البالغ من العمر 75 عاماً، يعمل في إصلاح الغرامافون ومعروف في المنطقة باسم «بابا غرامافون» –الفونوغراف أو الغرامافون هو أول جهاز استخدم لتسجيل واستعادة الصوت. و(أوزتكن) هو الآخر من المخضرمين في البازار، وأيضاً عمل في المتجر متدرباً منذ أن كان في السادسة من عمره.

يحاول (أوزتكن) إبقاء صنعته على قيد الحياة عن طريق تعليم اثنين من تلاميذه كيفية إصلاح آلات الغرامافون وتشجيع الناس على جمع هذه التحفة. ويقول التاجر أن الشباب باتوا مهتمين بهذه الآلات الأثرية أكثر من الكبار، وأوضح ”قد يعتقد المرء أن جيلنا، الذي نشأ في زمن الغرامافون، هم من يشتري هذه الآلة، لكن الوضع معاكس تماماً. إن الشباب هم من حافظوا على عملي في البازار. عملت لأكثر من 50 عاماً، وأنا من أكبر أصحاب المتاجر هنا. لا أحب المتاجر المزدحمة، بل أفضل الجوّ في متجري. فكما تستطيع استنشاق الأكسجين في الغابات، أنا أيضاً أحصل على الأكسجين من متجري“.

تختلف الأساليب المعمارية في البازار من شارع لآخر، وهو ما يكسبه جمالاً وسحراً خاصاً. صورة: LWYang / Flickr

يزور البازار أكثر من 250 ألف شخص بشكل يومي، وهو بالتالي أكثر المعالم زيارةً في العالم. لكن بسبب تفشي جائحة كورونا عام 2020، أُغلق البازار لعدة أسابيع.

مقالات إعلانية