in

مجسمات قماشية استخدمتها القابلة (أنجيليك دو كودري) في القرن 18 للمساعدة على شرح عملية التوليد للمتدربين

كانت هذه الدمية القماشية، التي تجسد طفلا صغيراً خرج لتوه من رحم مصنوع من النسيج، واحدة من أول مجسمات التوليد ذات الحجم الطبيعي المستخدمة من قبل السيدة (أنجيليك مارجريت لو بورسي دو كودري)، وهي قابلة فرنسية رائدة في القرن الثامن عشر، لتعليم وشرح عملية الولادة والقبالة للمرأة الريفية.

ولدت (أنجليك دو كودري) في عام 1715 وانحدرت من عائلة طبية فرنسية بارزة في منطقة (كليرمون فيران). لم تؤرخ معلومات كثيرة عن سنوات حياتها الأولى، إلا أنه معروف عنها أنها تأثرت بمسار عائلتها في الطب، وأنها حين بلغت سن الخامسة والعشرين أكملت تدريبها الذي دام ثلاث سنوات، ثم تخرجت بعدها من كلية الجراحة في باريس.

وفي ذلك الوقت تقريباً كان الخلاف بين أطباء التوليد الذكور –الذين كانوا يطلقون على أنفسهم اسم الجراحين– والقابلات في أوجّه، حيث بدأ الأطباء الذكور بتأكيد أدوارهم في جميع المجالات المتعلقة بالطب والصحة، بما في ذلك مجال التوليد الذي اعتادت القابلات من النساء على العمل فيه، وجادل الجراحون القابلات وباقي رواد الطب بأن تقنياتهم العلمية الحديثة كانت أفضل للأمهات والرضع من الطب الشعبي الذي كانت تمارسه القابلات.

مجسم قماشي يظهر وضعية الجنين في الرحم وتفاصيل مختلفة مثل الحبل السري والمشيمة.
مجسم قماشي يظهر وضعية الجنين في الرحم وتفاصيل مختلفة مثل الحبل السري والمشيمة.

بعد وقت قصير من تخرج (كودري)، بدأت المدارس تمنع النساء من الحصول على التعليم في مجال القبالة، وبسبب الانزعاج من هذا القرار؛ بدأت النساء في الاحتجاج وطالبن بحقهن في الحصول على تعليم مناسب وأفضل ليصبحن قابلات.

كانت (دو كودري) من بين أولئك الذين دعموا حصول القابلات الإناث على تعليم طبي لممارسة مهنتهن، وجادلت المجتمع الطبي بأن الأمر سيصبح أكثر سوءاً إذا لم يتم توفير التدريب المناسب للقابلات، لأن ممارسة القبالة على الطريقة الشعبية ستستمر لا محالة، وقد يتسبب ذلك في أضرار عديدة لكل من الأمهات والمواليد، وعلاوة على ذلك أعلنت أنه بدون تدريب النساء على القبالة؛ سيكون هناك نقص شديد في المختصين في مجال التوليد.

استجاب المجتمع الطبي لذلك الطلب، وبدأت القابلات من جديد في تلقي تعليم خاص بتقنيات الولادة، وبسبب دور (أنجيليك كودري) في مساعدة النساء على أن يصبحن قابلات معتمدات، تم تعيينها كرئيسة القابلات في مستشفى (أوتال دو ديو) الشهير.

السيدة (أنجيليك مارجريت لو بورسي دو كودري)
السيدة (أنجيليك مارجريت لو بورسي دو كودري).

في عام 1759؛ التقت (دو كودري) بالملك (لويس الخامس عشر)، الذي طلب منها تعليم القبالة للنساء الفلاحات في المناطق الريفية، في محاولة للحد من وفيات الرضع. وبين 1760 و83 سافرت في جميع أنحاء فرنسا الريفية، وأخذت تتشاطر معرفتها الواسعة مع النساء الريفيات، وخلال هذا الوقت يقدر أنها قامت بتدريس القبالة في أكثر من أربعين مدينة وبلدة ريفية فرنسية، وأن عدد الطلاب –من الجنسين– الذين استفادوا من خبرتها وتلقوا الدروس مباشرة منها بـ4000 طالب، وأكثر من 500 جراح وطبيب معالج.

رغبت (دو كودري) في المساعدة على تبسيط طريقة تعليمها للقابلات في المناطق الريفية، فقامت بصنع مجسم تمثيلي ذو حجم نسبي أطلقت عليه اسم ”الآلة“. كان المجسم عبارة عن نموذجٍ للمنطقة السفلية من جسم الأنثى مصنوع من النسيج والجلد والحشو، وفي بعض الأحيان كان يحتوي على عظام بشرية حقيقية لتشكيل الجذع، وسلاسل وأحزمة مختلفة تعمل على محاكاة تمدد قناة الولادة والعجان، وكل ذلك كان بهدف الوصول إلى تقريب يحاكي عملية الولادة الحقيقية.

”آلة“ السيدة (دو كودري) المعروضة في متحف (فلوبرت) لتاريخ الطب في (روان).
”آلة“ السيدة (دو كودري) المعروضة في متحف (فلوبرت) لتاريخ الطب في (روان). صورة: zigazou76/Flickr

كان رأس الدمية التي تمثل المولود الرضيع يحتوي على تفاصيل عديدة، مثل الأنف البارز والأذنان المثنيتان والشعر المرسوم بالحبر والفم المفتوح، وحتى اللسان كان موجودا داخل الفم. كانت ”الآلة“ مفصلة ودقيقة لدرجة أن أكاديمية الجراحة وافقت عليها كنموذج مناسب لممارسة تعليم طريقة الولادة الصحيحة.

خلفت (أنجليك دو كودري) أيضًا وراءها كتابًا بعنوان «ملخص فن التوليد» Abrégé de l’Art des Accouchemens، يحتوي الكتاب على كل محاضراتها التي قدمتها للقابلات عندما سافرت عبر فرنسا، وغطى هذا الكتاب المكون من 38 فصلاً مواضيع عديدة في ذلك المجال، مثل الأعضاء التناسلية الأنثوية والرعاية السابقة للولادة التي يجب أن تحضى بها الأم وجنينها، والتوليد والمشاكل المختلفة التي تحدث أثناء الولادة، وتطرق أيضا إلى حالات نادرة مختلفة حدثت من قبل مثل تلك المرأة التي اعتقدوا بأنها حملت لمدة 22 شهرًا!

توفيت (دو كودري) في (بوردو) جنوب غرب فرنسا في 17 أبريل 1794، ولف الغموض طريقة وفاتها لأنها فارقت الحياة خلال فترة عرفت باسم «عهد الترهيب» خلال الثورة الفرنسية، عندما كانت فرنسا ”تطهر نفسها“ من أعدائها وتحاول التخلص من الإمتيازات الواسعة التي حضي بها رجال الدين والطبقة الأرسطقراطية، حيث يعتقد العديد من العلماء بأنه تم التخلص عمدا من (دو كودري) بطريقة سرية لأنها كانت قد حضيت سابقاً بتأييد الملك (لويس الخامس عشر)، بينما يعتقد آخرون أنها ماتت ببساطة بسبب الشيخوخة حيث كانت تناهز الـ82 سنة من عمرها في وقت وفاتها.

يقبع مجسمين تمثيليين من صنع (أنجيليك دو كودري) في متحف (فلوبرت) Flaubert الخاص بتاريخ الطب في مدينة (روان) الفرنسية.

صورة لمجسم الولادة الخاص بالسيدة (دو كودري) تظهر خروج المولود الجديد بوضعية يكون فيها وجهه متجه إلى الأعلى.
صورة لمجسم الولادة الخاص بالسيدة (دو كودري) تظهر خروج المولود الجديد بوضعية يكون فيها وجهه متجه إلى الأعلى. صورة: Ji-Elle/Wikimedia
صورة لمجسم الولادة الخاص بالسيدة (دو كودري) تظهر شكل الجنين في بطن أمه يبلغ من العمر سبعة أشهر، رصيد الصورة: مدونة متحف DITTRICK
صورة لمجسم الولادة الخاص بالسيدة (دو كودري) تظهر شكل الجنين في بطن أمه يبلغ من العمر سبعة أشهر. صورة: مدونة متحف Dittrick
صورة لمجسم الولادة الخاص بالسيدة (دو كودري) تظهر انتهاء عملية اخراج المولود من بطن أمه دون اخراج المشيمة التي لاتزال ملتصقة بالمولود عبر الحبل السري.
صورة لمجسم الولادة الخاص بالسيدة (دو كودري) تظهر انتهاء عملية اخراج المولود من بطن أمه دون اخراج المشيمة التي لاتزال ملتصقة بالمولود عبر الحبل السري. صورة: مدونة متحف Dittrick
مجسم يظهر وضعية الجنين في بطن امه.
مجسم يظهر وضعية الجنين في بطن أمه. صورة: Joconde
صورة لمجسم الولادة الخاص بالسيدة (دو كودري) تظهر خروج المولود ووجهه متجه إلى الأسفل. Photo credit: www.culture.gouv.fr
صورة لمجسم الولادة الخاص بالسيدة (دو كودري) تظهر خروج توأمين. صورة: Joconde

مقالات إعلانية