in

في عينيها دمار

في عينيها دمار

استيقظت في الصباح كعادتي متأخرًا، رأيت عينيها ترمقني منتظرةً اقترابي نحوها، تململت منها صامتاً، لكنني لم أرَ في النهاية أيّ مهرب، أطلقتُ الموسيقى بشكل عشوائي، فلم أكن يوماً منظماً في موسيقى الصباح ولا في كوب قهوتي الصباحية، تمعّنت في نفسي وفي وحدتي، رأيتُ عينيها لا زالت تحدّق بي، تجاهلتها متمتماً سطورأً لأغاني ”توباك“، الثورة السوداء.. ثورة الفقراء.. ثورة كسر العبودية، تحدثتُ معه قليلاً عن أغانيه، أرسلتُ لروحه التحية والسلام وأكملت يومي وحيداً دون كلام.

آثار الثورة السورية محفورة في كل زقاق؛ مع أني لم أساندها يوماً، إلا أنها أبت أن تتركني وشأني، حيث سرقت منّي أصدقائي وشبابي كما فعلت مع غيري، حقدتُ أكثر على الثورة وعلى غيرها، عزفتُ عن مساندة أيّ فريق، فكل واحدٍ منهم سلبني شيئاً، لوني الرمادي لا يُعيبني، فمعظم خزانتي تملؤها ثياب رمادية كلون رماد سيجارتي المحترقة، دخلتُ حلقة يومي المفرغة نفسها، مررتُ على كل محطة قد اعتدت أرتيادها يومياً لساعات مكررة دون أدنى تغيير، وأنا حبيس تفكيري عمّا حصل؟! ولمَ حصل؟! وحين عودتي إلى المنزل رأيت عينيها تحدق بي مجدداً.

مللتُ النظرات، فسلكت طريق الحوار: أنا شابٌ وحيد، لا أملك شيئاً في هذه الحياة، فلمَ وكيف اخترتِني أنا؟

ابتسمت بصمت، ثمّ قامت بكسر صمتها الدائم: ومن قال أنني اخترتك وحيداً؟ لكن لديّ نمطاً محدداً من الشبان. بتعجّب سألتها: وكم من شابٍ عرفتي قبلي؟ أجابت مبتسمة: أنت الشاب المئة بعد الألف أو لعلك تكون الألف بعد المليون، لمَ العدد؟ فلم أزرهم يوماً بهدف المتعة، بل من أجل التغيير، أنا الثورة، ثورة التحرير، أنا المحررة ما قبل التدمير، لا تطلقني على نظام أو دولة ما لم ترد أنت القيام بأيّ تغيير، في تلك الحياة التي تقتل نفسك بعيشها، وتلك الجريمة التي بنفسك اقترفتها، أنا ثورة على الواقع، اقترب منّي وقبلني، فالثورة لا تُبنى بالحرير.

مقالات إعلانية