in

عن ”الأغوال“ التي سجلت فينا

الاغوال
صورة لـJoe BouGhazaly على يوتيوب

أضخم سوق عُرفت على مدار التاريخ العربي كانت سوق عكاظ، وهي سوق مُخصصة للشعر والشعراء كما تعلمون جميعاً. فإن أردنا أن نستنتج شيئاً ما من هذا الكلام، سيكون حتماً أننا منذ القدم امتهنا حرفة اللسان، فكنا – مع تقدير امتياز – تجّار كلام فقط.

لكن دعنا في هذا المقال المُوجز نكسر الطوق قليلاً، لنتاجر بشيء آخر غير الكلام، ولتكن هي ”الأغوال“. لن أفصّل كثيراً، فجميعنا قد سمع وعرف ورأى وربما خاض نقاشات مطولة عن غول كلينك الأخير، لذلك لا داعي للكلام عنه هنا، بل سنسلط الضوء على أغوال أخرى يجب أن تُعرف ويجب أن تُسلط تجاهها الأنوار والكاميرات.

دعنا نُبعد العدسة عن غول كلينك، ولنقربها إلى أرض الملعب، لنشاهد أغوال أخرى عنيفة قد هزت شباكنا ولا تزال، إلا أنها لا تحظَ باهتمام كبير لدى الناس، هذه الأغوال مظلومة بحق لذلك سننتصر لها الآن بالحديث عنها وتعريفكم إياها. دعك من المقدمات، ولنرى هذه الأغوال ومن هم اللاعبين الذين سجلوها فينا أيضاً.

غول البحث العلمي: إسرائيل تُمزّق الشباك

بحث علمي
مع عدد مراكز بحثية أكثر من دول الشرق الأوسط الأخرى مجتمعة فالهدف مؤلم للغاية.

هذا الغول عنيف، كون أن اللاعب الذي سجّله ما زال فتيا، إذ لا يزيد عمره عن حوالي 70 عاما! فمجرد مقارنته مع لاعبينا الذين لطالما كنا نُطبّل ونزمّر لهم ولتاريخهم أمر صعب علينا جداً. إلا أن الواقع قد حدث وتغيّر كل شيء، وركل اللاعب الجديد ركلة قوية إلى مرمانا مُسجلاً هدفاً يصعب التصدي له في موضوع البحث العلمي.

فوصول إسرائيل إلى أوائل الدول في هذا المجال، هو بدون شك ”غول“ في قلب شباكنا، لربما صحيح أنها تفوّقت على جميع دول العالم بوصولها هذا إلا أننا الوحيدين الذين تلقينا الهدف، لأننا الوحيدين الذين نُعتبر خصوم لها؛ وبالتالي الهدف بدون شك قد وقع علينا!

لذلك؛ إلتفت قليلاً عن شاشة اليوتيوب وأنت تشاهد غول كلينك، وانظر إلى هذا الغول المؤلم الذي مزق شباكنا، وحاول أن تجد طريقة ما لتغير بها الواقع العربي العلمي الرديء أو على الأقل أن تفكر بطريقة ما.

غول تدمير كل شيء: داعش تُسجّل

تفجير تدمر داعش
من صالات السينما حتى المسارح الأثرية… ”أغوال“ لا تكاد تعد.

هذا الغول فريد من نوعه، ويعود ذلك لكون اللاعب الذي سجّله هو من نفس الفريق، لذلك يُعتبر هدف على أنفسنا!

مُعظم النقاشات التي تدور حول داعش تتركّز على عناوين مثل ”هل داعش تمثّل الإسلام؟“ أو ”من الذي يقف وراء داعش؟“ وغيرها، لكن صدقني هذا غير مُهم كثيراً لأن البلاء كله ينزل علينا وعلى هذه البقعة البائسة من العالم.

أياً كان الأمر إلا أن منطقتنا هي الضحيّة، ونحن المتضرر الأكبر من كل ما حدث وسيحدث، سواء اتفقت مع هؤلاء القوم الهمج أصحاب الرايات السود أم اختلفت. إلا أنهم استطاعوا أن يُسجلوا هدفاً عنيفاً علينا، هدفاً جعل من منطقتنا أشبه بمكان مُصاب بفيروس خطير ينقل العدوى إلى كل من حوله.

الكهرباء أصبحت رفاهية، الماء في أفضل حالاته يكون ملوثاً بالملاريا، وإن كنت من أصحاب المعالي يكون مُلوثاً بالإيدز لكي يقضي عليك بشكل فوري ويُريحك من مشقة أن تعيش. شبكة الإنترنت خسرت في سباقها مع الأرنب الشهير الذي سبقته السلحفاة! وهلم جرّاً.

هذا الهدف مؤلم، كون أن اللاعب الذي سجّله يتكلم بلغتنا ويمشي بين ظهورنا، ويتعبد بنفس ديننا أيضاً. داعش تُسجل، والحارس يسقط من جديد.

الفساد الإداري: الموظف اللئيم يُسدد ويسجل ”غولا“ طبعا!

بيروقراطية
أيام أو أسابيع هي ضريبة ”عدم الرشوة“ عند تجربة الحصول على أي معاملات.

من وسائل التعذيب التي نسيَ النازيون أن يضعوها في قائمتهم المرعبة كان الدخول إلى دوائر الدولة ومحاولة تسيّر المعاملات فيها. صدقني إن عمليّة تسيّر مجاري المنزل بعد طبخ وجبة دسمة أسهل بألف مرة من تسيّر مُعاملة في دائرة حكومية في دولة عربيّة.

السبب الرئيس في هذا يعود إلى الموظف العربي اللئيم الذي يعتبر نفسه أحد آلهة الإغريق. على الرغم من أنه مُرتشي، مُستبد، بطيء، إلا أنه وفوق كل هذا لا يُيسّر لك أمورك، بل يزيدها عسر فوق عسرها الأصلي!

رجاءً أمسك تلك الكاميرا ووجّه عدستها نحوَ هذا الغول الذي سدده وسجله الموظف العربي اللئيم صاحب الشوارب الكثّة فينا، الموظف الذي لا يعمل بقدر ما ينعس ويأكل ويشرب ويتخامل! رجاءً اجلب الكاميرا وصوّر لنا هذا الموظف وهو يُسدد الهدف، وحاول أن توضّح صورة الفساد الذي هز شباكنا والذي نخر في أرضيّة ملاعبنا على اختلاف المؤسسات وتنوّعها.

مريم كلينك: لم تُسجل شيئا

ميريام كلينك جاد خليفة فوتت الغول
”غول“ كلينك يبدو أنه كان تسلل.

الآن حاول أن تركّز نظرك على جميع هذه الأغوال معاً، اجلب جميع الكاميرات لجميع الأهداف السابقة وضعها بجانب بعضها، وانظر إليها من منظور علوي على نطاق عالي ليسَ نطاق صغير كالسابق لا ترَ من خلاله إلى غول واحد وهو الأشهر!

ستجد الآن أن هناك لاعب شاب فتي يُسجل هدفاً عنيفاً على ذلك الحارس المُتهالك، الهدف كان يحمل طابع البحث العلمي الذي لا يدري عنه الحارس شيئاً سوى أن أصل الإنسان ليسَ قرد، وكالعادة يسقط هذه الحارس على وقع تمزيق الشباك.

التفت للعدسة الثانية وستجد أن هناك لاعب آخر لئيم يحمل منظار خشبي وشارب كثّ، ستجده يسدد ركلة بطيئة ومتراخية مثله، إلا أنها تدخل في الهدف لإن الحارس كعادته مشغول في أمر آخر لا يسمن ولا يغني من جوع، لربما أمر يتحدث عن أشخاص ماتوا ودُفنوا وتحللت عظامهم قبل حوالي 1000 عام إلا أنه لا يلبث إلا أن يتكلم بهم حتى لو سُجل به ألف هدف وهدف!

سترى أيضاً على الكاميرا الثالثة رجال يلبسون السواد ويغطون وجوههم به كذلك. ستراهم يوجهون ضربة قوية نحو الهدف ويسجلون أيضاً، مُحطمين بذلك الحارس الذي لم يحاول التصدي لهم لأنه كان يعتقد أنهم معه وأنهم ”منا وفينا“ لكن ظنه قد خاب، وفكره قد أخطئ.

الآن دعنا نترك كل هذه الأهداف التي سحقتنا من الناحية العلميّة كما فعل اللاعب الأول الفتي، والتاريخيّة كما يفعل أصحاب الرايات السود، واليوميّة كما يفعل أولئك الخاملون العاطلون. ولنتجه إلى العدسة الأخيرة!

ستجد أن فيها ”غول“ يُسجل على اليوتيوب لاستعراضيّة تُدعي كلينك. وللأسف الجميع رأى أن هذا الهدف هو الأهم وبدأ يركّز عليه كلاماً وسماعاً ونقداً!

صديقي العزيز، الأهداف الحقيقيّة مزقت شباكنا على أرض الواقع، لا تُعطِ اهتماماً كبيراً لهدف سجّل بكاميرا استيديو ومثّله بعض الاستعراضيين بينما خرقتنا الأهداف الحقيقية كل يوم في كاميرا الحياة الواقعيّة! حارسنا قد سقط يا صديق وتمزّقت مرماه بعنف وخُرقت شباكه كلها، لكنه مع كل هذا ينهض ليقول لك أنه أفضل حارس في العالم!

على الرغم من الجميع يرى أنه فاشل ولم يعد يصلح لشيء، إلا أنه ما زال يُردد قائلاً أنّه الأفضل والأجود. وهذا بحد ذاته ”غول“ آخر يهز شباكنا من جديد. غول حقيقي غالباً لن تلتفت إليه بقدر ما ستلتفت إلى ذلك الغول الذي سُجّل في الاستديو!

  • الصورة البارزة في هذا المقال لـ: Joe BouGhazaly على يوتيوب

اقرا أيضا: الرجل العربي والمرأة المتحررة جنسياً التي تحب ”أكل الأغوال“… قصة عشق وغضب

مقالات إعلانية