in

لماذا توقف هؤلاء المسلمون عن صيام شهر رمضان؟

العبادات، والطقوس، والعادات والتقاليد، أشياء رافقت الإنسان منذ نشأة الحضارة وحتى يومنا هذا، وتعددت الأهداف منها، سواء كانت طقوساً دينياً أو شعائر تفرضها السلطة والمجتمع. ومن بين الشعائر الأكثر شهرة بين الحضارات من قديم الزمان وحتى الآن، ومن أكثرها شيوعاً وممارسةً، الصيام، حيث يذكر المؤرخون أن المصريين القدماء كانوا يصومون للتقرب من الإله أو لمناسبات أخرى، كذلك اليونانيون والصينيون القدماء، ووجد كذلك في الهندوسية والبوذية واليانية والسيخية.

أما في الأديان الإبراهيمية يتخذ الصوم أشكالاً مختلفة تبعاً للدين، فعند المسلمين صيام شهر رمضان كاملا هو الركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة التي يلزم كل مسلم بالغ عاقل باتباعها والالتزام بها إن أراد أن ينال ثواب المعبود ويدفع عنه بلية ”الاحتراق في نار جهنم“ خالدا فيها إلى الأبد بعد يوم الحساب، ولكن صيام هذا الشهر القمري كان معروفاً قبل الإسلام عند الحرانييّن القدماء حيث مارسوا الصيام التقليدي المعروف اليوم، تقرباً من الإله سين (القمر) لمدة شهر منذ شروق الشمس وحتى مغيبها.

وباختلاف الحضارات والأديان اختلفت شعيرة الصيام واختلفت معها المشقة التي يتحملها العباد، والالتزام الذي يلتزموه بهذه العبادة ونظرتهم لها، فمثلاً لبعض المسلمين نظرة مغايرة عن الصيام، حيث لا يحبذ الجميع فكرة أن يمتنع عن الأكل والشرب من طلوع الشمس إلى غروبها ويجدها أمرا مبالغا فيه ولا فائدة مرجوة من وراء القيام به.

في هذا يقول (زياد مسرور خان) في مقال منشور على موقع (فايس): ”قد يجعل المسلمون من حياتك جحيما إن امتنعت عن الصوم مثلهم“، وأضاف ساخرا: ”أنا أحسد ’المستذئبين‘ الذين ليس مفروضا عليهم الصوم“، ويستطرد واصفا: ”في أول يوم من أيام هذا الشهر، تمتلئ ذاكرة هاتفي الضعيفة برسائل الواتساب التي يتمنى لي فيها رفاقي وكل معارفي رمضانا كريما، وهو أمر مزعج آخر حيال هذا الشهر، حيث يستغرق مني الأمر وقتا طويلا ومجهودا معتبرا لحذفها بينما أتناول بعضا من شرابي المفضل، على خلاف خلاني الذين ينتظرون حتى غروب الشمس ليمارسوا نشاطاتهم ’الآثمة‘ الاعتيادية“، وأضاف ساخرا مرة أخرى: ”أعتقد أن امتلاء ذاكرة الهاتف هو عقاب سلّطه الله علي لكوني لا أصوم“.

تتعدد الأسباب لترك شعيرة كالصيام وعدم القيام بها، بدءاً من عدم القدرة على تحمل مشقة الصيام، إلى وجود بعض الأمراض التي تقف عائقاً أمامها، وصولاً إلى اعتقادات فكرية أو إيديولوجيات يتبع لها أصحابها تنصي عليهم عدم القيام بذلك، ومع ازدياد انتشار الفكر اللاديني في العصر الحديث، ومع وجود وسائل التواصل الاجتماعي بات التعبير عن الآراء التي تخص الشعائر الدينية ونقدها أمراً سهلاً بالنسبة للغالبية، وفي مقالنا هذا جمعنا لكم قصص عدد من المسلمين صرحوا عن توقفهم عن صيام شهر رمضان عن قناعة، والأسباب وراء ذلك:

1. سمير*، 21 سنة:

يقول سمير لموقع دخلك بتعرف: ”أنا لا أصوم، ولا تعلم عائلتي أني لا أصوم، آكل وأشرب بدون علمهم لأن شعبنا ببساطة لا يمتلك ثقافة تقبل الاختلاف في المعتقدات.

لا أصوم لسببين اثنين، الأول هو أن الصيام باعتقادي ليس شيئا مهما بالنسبة لله وهو ليس العمل الذي سيدخلك الجنة، الهدف الأساسي من الدين هو تحسين الأخلاق والتعامل بين البشر، والدليل على هذا الأمر هو أن الله قال في القرآن في أكتر من آية أن أصحاب الأعمال الصالحة من المسلمين والمسيحيين و اليهود وأصحاب كل الديانات في العالم لهم أجر عند الله.

السبب الثاني هو لأني أخاف من الضرر الجسدي الذي ممكن أن يسببه الصيام لي، فالصيام طويل والجسم يحتاج للماء. لا أهتم كتيرا بالأكل وأبقى أحيانا بدون أكل طوال النهار ولكن السوائل ضرورية جدا للجسم.

لأني اصطنع الصيام فالناس من حولي فرحين بي وأحبوا فكرة أني أصوم (أمامهم)، أتوقع أني كنت سأخسر محتبتهم لو صارحتهم أني لا صوم (برجع بقول لأنن مو متعودين ع الحياة إلا مع معتقداتن)، قد يكون هذا الأمر الذي أفعله كذب ونفاق ولكني غير مستعد لأخسر عائلتي وأصحابي وأحبابي لهذا السبب، في النهاية لا يوجد شخص كامل، لا أنا ولا هم.“

2. سيّد صهيب، 25 سنة:

يقول سيّد لموقع (فايس): ”لقد توقفت عن الصوم منذ الصف السابع بسبب عدم قدرتي على تحمل الجوع والعطش، آنذاك كسرت صومي في أول شهر صيام يفرض علي، لقد فعلت ذلك سرّا عندما تسللت إلى غرفتي وشربت بعض الماء خلسة لأروي عطشي؛ لم أصم يوما منذ ذلك الحين، كما لا أظن أن للأمر فوائد علمية مثلما يدعيه الناس، في الواقع أعتقد أن الصيام مضر بالصحة“.

3. سامي* 20 سنة:

قد تكوت طبيعة المجتمع الاجتماعية والطائفية هي المشجعة للتوقف عن الصيام، فسامي من مدينة طرطوس الساحلية في سوريا ذات الأكثرية من الطائفة العلوية والتي تضم أيضاً أقليات من الطائفة السنية والدين المسيحي، هذه المدينة التي لا تشهد تشديداً على الصيام أو التزاماً صارماً به، حيث يقول الشاب سامي في حوار لموقع دخلك بتعرف: ”سبب عدم صيامي أنه لا يوجد تشديد على هذه الأمور –مثل الصيام أو الصلاة–، ردود الأفعال من حولي معدومة تقريبا لأن جل سكان مديني مثلي، وقلة من الناس من تصوم. في عائلتي مثلا لا أحد يصوم ما عدا أخي، ومن أصدقائي صديقٌ واحدٌ فقط مع صومٍ متقطع“، ويضيف سامي: ”لا أستطيع تحمل العطش الشديد في هذا الجو الحار، والبعض يقول صوموا لتشعروا بالفقراء، على الرغم من أنني من الطبقة الفقيرة، فعن أي شعور تتحدثون!؟“، ويرى بأن الصوم الحقيقي هو الامتناع عن القيام بأفعال مؤذية.

4. أفشان مجيد، 32 سنة:

صورة أفشان مجيد من الهند
توقفت أفشان مجيد عن الصوم بعد تقدمها بالسن وعدم ارتياحها لهذا الأمر الذي اعتبرته من العادات والتقاليد المضرة.

تقول أفشان في حوار لها مع موقع (فايس) الهند: ”ساهمت العداوة الفكرية والأيديولوجية التي نشبت بين جدي من جهة والدي وجدتي من جهة والدتي في صقل أفكاري حول الدين والمعتقد، فكانت جدتي ’ديبونيدية مسلمة‘ متأثرة بمبادئ المدرسة الديبونيدية المحافظة، بينما كان جدي من جهة والدي شيوعيا صعب المراس، وهو الجانب الذي وجدت نفسي أميل إليه، ومنذ نعومة أظفاري زرع فيّ جدي بذور الثائرة البلوريتارية على الرغم من أنني كنت طفلة خجولة، وعاشقة للكتب والقراءة، ولم يسبق لي أبدا أن تجاوزت حدودي.

الآن لم أعد أنظر إلى العادات والتقاليد والدين بنفس الطريقة، ومنها الصيام، لكنني أعتقد أن ثورتي الداخلية لم تنتصر بشكل كلي ذلك أنني أصوم أحيانا، لكنني أقوم بذلك فقط لأنه يعجبني وليس لأنه إلزام ديني؛ لم يسبق لي كذلك أن كسرت صومي أمام والدي لسبب وحيد وهو أنني لم أرغب في جرح مشاعرهما“.

5. هادي السالب، 23 سنة:

يقول هادي لموقع دخلك بتعرف: ”لست مقتنعاً بهذه الظاهرة السخيفة وعديمة الجدوى، بضعة ليرات بيد فقير ليأكل ويشبع تساوي صيامي لـ15 يوما متتاليا من رمضان، (لأن أكيد مارح تفرق مع ط*ز الفقير صمت ولا حسيت فيه أو لأ)، نظرة العالم حول عدم صيامي هي آخر همي.“

6. سمير* 27 سنة:

يقول سمير على موقع (فايس): ”أنا أشغل وظيفة صحفي، ولقد صمت أول أيام رمضان الحالي، لكنني لم أتمكن من مواصلة الصيام في باقي الأيام، أعتقد أنه مستحيل عمليا بالنسبة لي أن أصوم ثلاثين يوما متتالية كاملة؛ فأنا أقضي على الأقل من 12 – 15 ساعة يوميا أعمل في المكتب، أضف إلى ذلك أنه يتعين علي في الكثير من المرات أن أتحدث أمام الكاميرا وهو الأمر الذي سيكون مستحيلا هو الآخر في حالة لم أتناول بعض الماء لأن حلقي سيجف كثيرا، ناهيك عن استحالة أداء الصلاة خمس مرات يوميا في المكتب“.

7. عمار* 35 سنة:

يقول عمار لموقع دخلك بتعرف بتهكم: ”لا أكن أصوم لأنني أنا الفقير الذي يقوم بقية الناس بالصيام من أجل الإحساس به“.

عمار وهو اسم مستعار لشاب سوري هارب من سوريا ومقيم في لبنان، يشرح لنا بأنه لا يستطيع تحمل ساعات طويلة دون طعام أو شراب أو تدخين، وقد تكون البيئة الفكرية والثقافية التي نشأ فيها قد شجعته على تركه الصيام بشكل نهائي، حيث يقول: ”أنا الآن ملحد، ووالداي شيوعيان سابقان، فلم يكن يعنيهم الأمر“.

8. محمد أنس، 24 سنة:

صورة محمد أنس من الهند
يأمل محمد أنس في إحداث التغييرات اللازمة التي يحتاجها مجتمعه بعد فشل رمضان في تحقيقها

يقول أنس على موقع (فايس): ”قبل أن أتوقف عن صوم رمضان، بدر لي تساؤل أساسي أعتقد أنه خطر ببال الجميع من قبل، وهو: ’لماذا نصوم؟‘، لقد أُخبرت بأن هذا الشهر الكريم يطهر الروح، والطعام الذي نمتنع عن تناوله خلال أيام رمضان يذهب مباشرة ليملأ بطون الفقراء والجياع حول العالم، كما تزول في هذا الشهر جميع الأفكار الشريرة ومشاعر الكره والبغض من قلوب المسلمين الصائمين، لكنني عندما أردت أن أسقط كل هذا على أرض الواقع عجزت تماما، ووجدت أنه غير منطقي البتة“، يستطرد أنس: ”لقد عقدت العزم على أن أعمل على تحقيق التغيير الجوهري الذي يحتاجه المجتمع حقا، وليس تجويع النفس لمدة شهر فقط بدون فائدة مرجوة، ومنه لم أعد أعتقد بضرورة الصوم لأنه في نظري لا يحقق الأغراض التي أُخبرت أنه سٌنَّ لأجلها“.

9. فرقان فريدي، 27 سنة:

يقول فرقان لموقع (فايس): ”رمضان هو أمر زرع فينا منذ طفولتنا، وهو أمر يحيط به نوع من المرح والتسلية في نظري، أعتقد أن ذلك راجع لكل الأنشطة التي تجدنا نمارسها خلاله دون باقي الأشهر، هذا على الرغم من أنني لم أعد أصوم منذ انتقلت للعيش لمفردي بصورة مستقلة منذ سنوات عديدة؛ أعتقد أن عقلي نمى وصار أكبر من أن يؤمن بوجوب الصيام، كما أنني لم أكن يوما من ذلك النوع المتدين، ومع ذلك فأنا أصوم بين الحين والآخر من باب التسلية، خاصة عندما أقرر أنا وأصدقائي أن نقيم مأدبة إفطار“.

10. علي الفتلاوي، 24 سنة:

أنا من عائلة عراقية مثقفة، ولا يتدخلون بشؤوني الخاصة
أنا من عائلة عراقية مثقفة، ولا يتدخلون بشؤوني الخاصة

يقول علي لموقع دخلك بتعرف: ”لا أستطيع الصيام لأني أقوم بالتدخين، وبسبب الاختبارات، كما أن وزني أقل من الوزن الطبيعي للجسم بـ20 كيلوغراما“. بالنسبة لردة فعل الأسرة والمجتمع يشرح علي قائلاً: ”أنا من عائلة عراقية مثقفة، ولا يتدخلون بشؤوني الخاصة، أما بالنسبة للمجتمع فردة الفعل متفاوتة بين المتقبل للفكرة وبين الرافض وبين الذي يطالب بفرض العقوبات وحتى السجن، وقسم من الذين يطالبون بفرض العقوبات هم طلاب وأكادميين“.

ويضيف: ”لم يؤثر علي المجتمع بأي شكل من الاشكال، ولا أعير أي أهمية له، وأحاول قدر الامكان أن أتمرد وأجعل تمردي مقبولاً مادام لا يسبب أي أذية للآخر تحت شعار حريتي تنتهي عند التعدي على حريات الاخرين“.

آراء متفرقة من الوطن العربي:

أما سام كلارك من لبنان والمقيم في لاس فيغاس، يقول متهكماً: ”لا أصوم لأني أعمل في الموسيقى والموسيقى حرام حسب الدين الإسلامي“.

بينما سبب إفطار أحمد الخفجي الذي يبلغ 16 سنة من بغداد هو الفحوص والاختبارات، حيث لا يستطيع التركيز في دراسته أثناء الامتناع عن الطعام والشراب ويقول:”سبب إفطاري وعدم صومي هو الامتحانات، لا أستطيع الدراسة بكفاءة وأمتنع في نفس الوقت عن الأكل والشرب، ردة فعل من حولي كانت عادية جدا لأني إنسان حر بتصرفاتي ❤“.

أما سوسن من سوريا فتقول: ”لم أصم يوماً في حياتي، لقد تعود جميع من حولي على ذلك، يستغربون في البداية ولكنني أعامل الناس بصدق وحسن معاملة وأبذل كل ما أستطيع لمساعدة الضعيف، تعود كل من حولي على ذلك وأصبح أمراً عادياً.“

صائمون… ولكن بالإجبار!

على الرغم من أن العديد يستطع الامتناع عن الصيام لمجرد وجود سبب يجعلهم يمتنعون عن ذلك، إلا أن العديد أيضاً ليس بمقدورهم التوقف عن الصيام حتى ولو لم يقتنعوا بوجوب ذلك، وفي معظم الأحيان يكون السبب إما الأسرة أو المجتمع الذي يفرض قيوداً وتشديداً صارماً.

وفي ذلك يقول عبد الرؤوف محمد وهو شاب في مقتبل العمر من الجزائر: ”لا اعرف كيف أبدأ! ينتابني خليط من المشاعر أن أجد نفسي مجبرا على القيام بشيئ لا أُريده، وجدت نفسي بعد رحلة بحث عن بعض الأجوبة على شاكلة ”لماذا نصوم“ أقوم ببعض العادات الخالية من المعنى! والتي أشرف والداي منذ طفولتي على تخويفي من عذاب سرمدي قاسٍ إذا لم أُطبقها، حتى كبرت ولا زالت تلك الصور في ذهني تظهر كلما فكرت في مُخالفة من تربيت عليه، وصحيح أني تخلصت من ذالك الخوف شيئا فشيئا، لكن الأمور لم تتغير بشأن الإلتزام، ليس خوفا من العقاب الإلهي في السابق بل من خوفا من العقاب الدنيوي الذي يطبقه ”جنود الله على الأرض“.“ ويضيف عبد الرؤوف: ”العائلة تتدخل في كل كبيرة وصغيرة تخص الأولاد، فما بالك بالصيام وأنت تعيش تعيش في أسرة متدينة ومجتمع إسلامي“.

الأسماء الموسومة بعلامة الـ(*) هي أسماء وهمية.

مقالات إعلانية