in

لماذا تعتبر ممارسة العادة السرية أمرا ممنوعا على المساجين

مساجين داخل زنزاناتهم

تسعة أشهر في الحبس الانفرادي.. بدون كُتب –عدا الإنجيل– وفترات استراحة قصيرة، إنها العقوبة التي تعرض لها السجين (جوش ريتشاردز) [اسم مزيف وغير حقيقي] ذو التسعة والعشرين عاما، الذي يقبع في السجن بتهم عديدة عندما كان يبلغ من العمر ثمانية عشر سنة، وذلك لأنه قبض عليه يمارس العادة السرية في زنزانته.

يقول (ريتشاردز) أنه قُبض عليه مؤخرا يمارس العادة السرية ليلا لأول مرة خلال عقوبة الإثني عشر سنة الأخيرة التي قضاها في السجن، وذلك خلال جولة تفقدية قامت بها إحدى الحارسات عندما أطلّت على فتحة باب زنزانته. في البادئ تعرض (ريتشاردز) لعقوبة بسيطة، لكن بعد زمن قصير من ذلك، قُبض على سجين آخر وهو يمارس العادة السرية، فألقي اللوم على (ريتشاردز) واتهم بالتحريض على ذلك وحكم عليه بالسجن الانفرادي لمدة تسعة أشهر كاملة، يقول (ريتشاردز): ”يفصلني عن الخروج من هنا عامان اثنان فقط، أنا لا أبحث عن المتاعب، والآن أنا في السجن الانفرادي بسبب هذه الحادثة التي لطخت سجلّي الانضباطي كذلك.“

يمنع منعا باتا الاستمناء في السجون الأمريكية إلى جانب أي شكل من أشكال السلوكات الجنسية، وهو أمر مفاجئ لدى سماعه لأول مرة باعتبار أن الجميع قد يعتقد أن الترويح الوحيد عن النفس الذي يبقى متاحا للمساجين خلف القضبان هو العادة السرية. وفقا لـ(جاستين لونغ)، المتحدث الرسمي باسم المكتب الفيدرالي الأمريكي للسجون، فإنه قد تم سن هذه القاعدة ”من أجل حماية المساجين، وكذا طاقم السجن، باعتبار أن الاستمناء قد يكون سلوكا مستفزا أو مهددا، كما قد يسبق عادة العديد من أشكال الاعتداءات أو الشجارات العنيفة“.

تختلف أشكال العقوبات التي تسلط على المساجين لدى القبض عليهم ”متلبسين“ بممارسة العادة السرية، وذلك وقف على السجن نفسه، والحارس، ومزاجه في ذلك اليوم. يُدان بعض المساجين بهذه التهمة ويعاقبون بغرامة لا تتعدى خمسة دولارات في بعض السجون أو يحرمون من الولوج إلى المطعم، بينما يتم رش رذاذ الفلفل في أعين الآخرين، وغير المحظوظين جدا منهم؛ يتعرضون للزج في الزنزانات الانفرادية.

زُج برجل العصابات الخطير (وايتي بولغر) الذي يبلغ من العمر الآن 87 سنة في الحبس الانفرادي لمدة ثلاثين يوما بعد أن قال أحد الحراس أنه وجده يمارس العادة السرية وحيدا على الساعة الثالثة صباحا في زنزانته في سجن (فلوريدا)، غير أن (بولغر) قال بأنه في هذا السن فإن حياته الجنسية قد ولّت، ولم يكن سوى يضع أحد المراهم على المنطقة المحيطة بعضوه التناسلي والتي كانت قد تعرضت لتهيج جلدي، وهو ما أساء فهمه الحارس الذي قبض عليه.

(وايتي بولغر)
(وايتي بولغر)

في الحالات المتطرفة حيث يقوم السجين عادة بالاستمناء أمام أحد أفراد طاقم إدارة السجن متعمدا، يتعرض للمحاكمة، وهو ما حدث للسجين (إريك مكورتاين) عندما أخذ يستمني أمام حارسة في السجن بشكل علني وصارخ، فحوكم وأضيفت إلى مدة عقوبته ثلاثون يوما.

لا يعتبر حظر الاستمناء في السجون أمرا جديدا ولا مستحدثا، لكن الحملات الحديثة التي شنت في هذا الصدد جعلت من رجال على شاكلة (ريتشاردز) و(بولغر) المذكورين سابقا يعانون من عواقب وخيمة وفقا لخبير علم النفس (سام هيوز)؛ طالب الدكتوراه في جامعة كاليفورنيا (سانتا كروز)، الذي يلقي اللوم بشكل أكبر على السجون المكتظة، فهو يقول: ”إن الخصوصية منعدمة ببساطة في هذه الأماكن، والمساجين يعيشون في ما يشبه المستودعات المليئة بالصفوف المتراصة إلى ما لا نهاية من الأسرّة المثبتة فوق بعضها، أحيانا لا تكون المراحيض مجهزة بحجابات ساترة، لذا تكون كل ممارسة للعادة السرية علنية وأمام الآخرين“.

بالنسبة للسجون في ولاية كالفورنيا، فقد أصبحت مكتظة جدا في السنوات الأخيرة لدرجة جعلت المحكمة العليا تعتبرها اخترقت التعديل الدستوري الثامن الذي يحظر العقوبات القاسية وغير الاعتيادية على البشر في سنة 2011.

يقول (هيوز) أن المساجين يتعاملون كذلك مع مخلفات برامج السجون ذات القاعدة الدينية المسيحية مثل برنامج الرئيس الأسبق (جورش بوش الإبن) بعنوان InnerChange Freedom Initiative الذي أزيل في وقت لاحق من سنة 2006، والذي كان فيه المساجين والحراس على حد سواء يلقَّنون بأن الاستمناء والمثلية الجنسية والجنس خارج إطار الزواج -ناهيك عن ألعاب التسلية مثل (دانجينز أند دراغونز) Dungeons & Dragons- كانت خطيئة وإثماً. يقول (هيوز): ”كانت تلك هي الرسالة التي تلقَّن للمساجين والحراس، إنها جزء من الأسباب التي جعلت هذه الأيديولوجية المحيطة بالاستمناء تستمر حتى يومنا هذا.“

لكن هناك دافعا أكبر خلف هذه الحملة، ولعله أهمها، وهو ارتفاع عدد الحارسات الإناث في المؤسسات العقابية، حيث أصبحت العديد من النساء يعملن في الخطوط الأمامية في السجون بسبب الراتب المغري وبعض الفوائد الأخرى التي توفرها إدارة السجون لهن، حيث أظهرت البحوث الأخيرة أن نسبة النساء العاملات في المؤسسات العقابية قد ارتفعت بنسبة 40٪ من سنة 1999 إلى سنة 2007، وفي السنوات الأخيرة بدأت بعض العاملات في السجون برفع دعاوي قضائية على السجون ذاتها بسبب كون هذه الأخيرة لا تطبق قوانين حظر الاستمناء وبسبب تقصيرها في حمايتهن من العدائية التي تميز محيط السجن.

الحارسات الإناث في المؤسسات العقابية
صورة: Thinkstock Images/GettyImages

تقول (بريان بايكر) إحدى العاملات في سجن كاليفورنيا: ”لا يملك الكثير من هؤلاء المساجين القدرة على التحكم في أنفسهم؛ بمجرد مرور موظفة أنثى عليهم يبدؤون بممارسة العادة السرية مباشرة“، ومن أجل تفادي الدعاوي القضائية المكلفة، يعمد الكثير من المشرفين على السجون بالتشديد على تطبيق أي شكل من أشكال الترويح عن النفس سواء كان بدواعي عدائية أم لا.

هل توجد هناك أسباب منطقية ومعقولة وقانونية لمنع الاستمناء في السجون؟ نعم بدون شك، لكن الكثير من الناشطين في حقوق السجناء يعتقدون أن أشخاصا مثل (ريتشاردز) الذين يبحثون عن تخفيف الضغط في الظلام الدامس بعيدا عن الأعين بعد ساعات من الحرمان؛ يستحقون نيل هذا الحق في الترويح عن النفس، تقول (بريندا سميث) بروفيسورة في العلوم القانونية في جامعة (أميريكان يونيفارسيتي) ومديرة «مشروع معالجة السلوكات المشينة في السجون»: ”يجب علينا التفكير في كرامة الأشخاص خلف القضبان وفي حاجاتهم البيولوجية“، وأعقبت قائلة: ”لا يمثل هذا مشكلة في بعض البلدان والتشريعات الأخرى حيث يُمنح المساجين أوقاتا مخصصة للترويح عن أنفسهم. -ما هذا الحظر- إلا انعكاس عن صورتنا وعن ميلنا البيوريتاري المتزمت“.

ويضيف (هيوز) بأن للاسمتناء، الذي ما هو إلا عبارة عن تقنية للاسترخاء وإزالة الضغط عن النفس، بعض المنافع على الصعيد الاجتماعي في السجون، فهو قد يساعد على خفض بعض المشاكل، كما قد يقوم حتى بمساعدتنا نحن خارج السجون، فهو يقول: ”فكروا في المعتدين الجنسيين في السجن، إن نحن منعناهم من الاستمناء ما هو أول شيء سيفعلونه عند خروجهم من السجن؟“.

غير أن إيجاد حل مثالي لإشكالية الاستمناء في السجون لن يكون بالأمر الهين، لأن إعداد مساحات آمنة للاستمناء مثل المساحات المخصصة للزيارات الزوجية لن يكون متاحا حتى تتم معالجة مشكلة الاكتظاظ في السجون أولا، لكننا إن كنا سنطلق سراح رجال مثل (ريتشاردز) في غضون عامين فقط، فعلينا السهر بأننا لا نجردهم من إنسانيتهم في هذه المدة.

وعلى الرغم من كل هذا التشديد فإن الاستمناء أمر شائع في السجون، حيث وجدت دراسة أجريت سنة 2001 على واحد من السجون المشددة الحراسة بأن جميع المساجين هناك كانوا يمارسون العادة السرية إلا واحدا منهم فقط، كما وجدت دراسة أخرى على سجن خاص بالنساء أن ثلثي السجينات كنّ يمارسن العادة السرية، ومنه فإن تجريم أمر يقوم به الجميع يصعب من عملية تنفيذ القانون دون تحيز.

يقول الدكتور في علم النفس (مارتي كلاين) بأن معاقبة الناس بسبب ممارسة العادة السرية هو فعل منافي للإنتاجية وله آثار عكسية في قوله: ”كيف يشعر الناس بعد بلوغ الذروة الجنسية؟ مسترخين أليس كذلك؟ أليس هذا ما نرغب في أن يشعر به المساجين؟ أنا شخصيا أقول أن الاستمناء بين المساجين هو أفضل صديق للمؤسسة العقابية“.

كل شخص مسجون كان قد بدأ يمارس العادة السرية منذ طفولته، وكان دائما يفعل ذلك لنفس السبب وهو الاسترخاء والترويح عن النفس ولاستعادة الشعور بالتحكم في حياته في بعض الظروف الضاغطة، وهي الأمور التي قد نرغب في أن يحافظ عليها المساجين في حياتهم حتى يحافظوا على كرامتهم وإنسانيتهم، بدلا من الهيجان والإذلال الذي يخيم على الحياة داخل السجن، والعنف الذي يصاحب ذلك عادة.

يقول الدكتور (كلاين): ”إن وضع مئات أو آلاف من الرجال معا في مكان ضيق، وحرمانهم من أكثر حقوقهم الأساسية ومن كرامتهم، وتوقع استجابتهم لذلك بأن يتحولوا إلى كائنات لاجنسية لمدة عشرة سنوات هو أمر سخيف بكل بساطة“، يتابع: ”إن منح السجناء فرصة الترويح عن أنفسهم في نوع من الخصوصية هو لصالح الجميع في السجن، وهو ما من شأنه كذلك خفض أخطار الجرائم الجنسية التي تعد هاجس إدارة كل سجن“.

مقالات إعلانية