in

8 أشخاص ثبتت إدانتهم وتم إعدامهم.. ثم تبين لاحقا بأنهم كانوا أبرياء

لا يوجد ما يمكن أن نلطق عليه اسم ”العدالة المثالية“ في العالم، فستكون هنالك دائما أخطاء فادحة تؤثر دون شك على الأحكام التي تصدرها المحاكم. مع ارتفاع شعبية الدراما الوثائقية التي تبين بعض الأخطاء التي تشوب الأنظمة القضائية في العالم، من الواضح جدا أن حالات انعدام العدل والعدالة داخل المحاكم والأخطاء، مثل التي أتت على أرواح هؤلاء الأشخاص الأبرياء الثمانية الذين سنتناولهم في مقالنا هذا، ما زالت تحدث حتى يومنا هذا.

في الولايات المتحدة الأمريكية، تقترح بعض الدراسات أن ما معدله 4٪ من المتهمين المحكوم عليهم بالإعدام هم أبرياء في الواقع، في مقالنا هذا على موقعنا «دخلك بتعرف»، سنضع بين أيديكم قائمة بـ8 أشخاص أبرياء حكم عليه بالإعدام ونفذ فيهم الحكم فقط ليتبين لاحقا كونهم أبرياء:

1. جورج ستيني الإبن:

جورج ستيني الإبن

كان (جورج ستيني الإبن) يبلغ من العمر 14 سنة فقط عندما لم تستغرق هيئة المحلفين سوى 10 دقائق لتصدر حكمها عليه بأنه مذنب ويجب أن يعدم بالكرسي الكهربائي. لقد كان (ستيني) ضئيل الحجم جدا لدرجة تعين وضع دليل هاتف تحته حتى يتمكن الجلادون من إحكام وثاقه في الكرسي، وقد كان واحد من الأقطاب الكهربائية كبيرا جدا ليناسب ساقه، ويبقى (ستيني) أصغر شخص يعدم في الولايات المتحدة الأمريكية في القرن العشرين، وبعد أكثر من 70 سنة لاحقاً، أصبح الجميع يعلم أنه كان بريئا وأنه أُعدم ظلماً.

لقد كانت تلك سنة 1944 في (ألكولو) في جنوب (كارولاينا)، عُثر على جثتي فتاتين صغيرتين من البيض وهما: (بيتي جون بينيكر) البالغة من العمر 11 سنة، و(ماري إيما تايمز) البالغة من العمر 8 سنوات، وبدا جليا أنهما تعرضتا لضرب مبرح بواسطة أداة حديدية أزهقت على إثره أرواحهما.

ادعى شهود عيان أنهم شاهدوا الفتاتين تقومان بقطف الأزهار برفقة (جورج ستيني) وشقيقته الصغيرة، قامت الشرطة باعتقال (جورج) البالغ من العمر 14 سنة وشقيقه الأكبر عندما لم يكن والداهما في البيت. تم إطلاق سراح شقيق (جورج) في نهاية المطاف غير أن الشرطة استمرت في استجواب (جورج) لمدة ساعات بدون حضور والديه. ادعت الشرطة أنه اعترف باقترافه لجريمته في نهاية المطاف، غير أن كل من تشارك معه الزنزانة شهد بأنه كان دائما ينادي ببرائته مما اتُهم به.

خلال محاكمته، كانت هيئة المحلفين كلها من البيض، ولم يسمح لأي شخص أسود بالدخول إلى قاعة المحكمة. كان الشهود الوحيدين هم رجال الشرطة، والشخص الذي اكتشف وجود الجثتين، والأطباء الذين قاموا بتشريحهما.

لم يطلب المحامي الذي عينته المحكمة لـ(جورج ستيني) حضور أي شهود من جهته لمساءلتهم كما لم يمنحه أي دفاع. فرّت عائلة (جورج) من (ألكولو) خشية من والديه على تعرض بقية أبنائهما للمزيد من الأذى والظلم.

بعد سنوات لاحقاً، طالبت عائلته بإعادة فتح التحقيق في القضية، وتمكنت أخيرا شقيقة (جورج) بأن تدلي بشهادتها بأنها كانت برفقته لوحدهما عندما حدثت جريمتا القتل، وأنهما لم يكونا برفقة الفتاتين الضحيتين.

في سنة 2014، تم إلغاء ثبوت الإدانة من طرف هيئة المحكمة، هذا على الرغم من أن الكثيرين ما زالوا يعتقدون بأن (جورج) كان مذنبا، بمن فيهم نسل الفتاتين المغدورتين وكل من كان حاضرا في المحاكمة آنذاك.

2. كارلوس ديلونا:

كارلوس ديلونا

في سنة 1983، كان (كارلوس ديلونا) يبلغ من العمر 20 سنة فقط عندما صادف (كارلوس هيرنانديز) بصدد تعنيف امرأة تدعى (واندا لوبيز) خلف شباك محطة خدمات في (كوربوس كريستي) في ولاية (تكساس)، ولخوفه من الوقوع في المتاعب مع الشرطة، فر (كارلوس ديلونا) من الساحة على الفور. اعتُقل بعد 40 دقيقة من الحادثة، وخلال كل مدة اعتقاله، ومحاكمته، وإدانته، وسجنه، وإعدامه، ظل (كارلوس ديلونا) يردد كونه بريئاً واستمر يقول للشرطة بأن (كارلوس هيرنانديز) هو القاتل الفعلي.

رفضت الشرطة تصديقه بالتأكيد، حيث لم يتم العثور أبدا على شخص يدعى (كارلوس هيرنانديز)، وهو من أقرباء (كارلوس ديلونا) ويشبهه كثيرا، ولم يعتقد أي ممن عمل على القضية بأنه كان له وجود أصلاً.

في سنة 1991، أي بعد أربعة سنوات من تنفيذ حكم الإعدام في (ديلونا)، قام البروفيسور (جايمس لايبمان) بتفحص القضية كجزء من مشروع كان يعمل عليه تضمن البحث عن ثغرات وأخطاء عقوبة حكم الإعدام. قام بالاستعانة بخدمات محقق خاص الذي لم يستغرقه الأمر أكثر من يوم واحد حتى عثر على (كارلوس هيرنانديز) وكشف بأن هذا الرجل كان له سجل إجرامي حافل وعنيف.

لم يكن (كارلوس هيرنانديز) يشبه (كارلوس ديلونا) فقط، بل كان مشهورا بكونه يحمل معه دائما خنجراً مشابها للخنجر الذي استعمل في جريمة قتل (واندا لوبيز).

جعلت هذه الاكتشافات البروفيسور (لايبمان) يخوض في رحلة طويلة من أجل اكتشاف الحقيقة حول تلك القضية، في سنة 2012، تم نشر نتائج سنوات كاملة من العمل المضني من طرف (لايبمان) وطلبته أخيرا التي تمثلت في 436 صفحة مملوءة بمئات من المقابلات والاستجوابات وآلاف الوثائق وصور من مسرح الجريمة التي كشفت بأن القضية لم يُبذل فيها أدنى مجهود، وهو ما دفع (كارلوس ديلونا) حياته ثمنا له.

اكتشف البروفيسور وطلبته بأنه لم يتم حتى رفع بصمات أصابع قابلة للاستخدام من مسرح الجريمة، كما لم يتم اختبار أي من الدماء التي عثر عليها هناك ما إن كانت تعود للضحية فقط أم كان هناك شخص آخر، لم يتم سحب عينات من تحت أظافر الضحية من أجل إجراء فحص حمض نووي، كما لم يتم قياس آثار الأقدام التي عثر عليها في ساحة الجريمة، ناهيك عن إهمال عدد كبير من الأدلة الأخرى على شاكلة عقب سيجارة وُجد هناك.

وعلى الرغم من هذا لم تتخذ العدالة مجراها قط، فقد توفي (كارلوس هيرنانديز) –القاتل الفعلي– لأسباب طبيعية في زنزانته في سنة 1999 عندما كان يقضي فترة عقوبة عن جريمة أخرى تماما كان قد اقترفها، واستمرت الشرطة في التشبث بمزاعمها بأن (كارلوس ديلونا) كان هو القاتل الفعلي، ومنه لم ينل أي اعتذار حتى بعد وفاته.

3. محمود حسين متان:

قبر محمود حسين متان

كان (محمود حسين متان) أبا لثلاثة أطفال، ولد في الصومال البريطانية في سنة 1923 وانتقل لاحقا إلى الويلز للعمل في معمل للحديد. واجه محمود حسين تعسفا عنصريا من طرف المجتمع البرطاني، مما قاده اضطراريا للانفصال عن زوجته بسبب معاملتها من طرف المجتمع على أنهما زوج مختلط الأعراق، على الرغم من ذلك، استمرا في العيش في نفس الشارع، وبقيا يربيان أطفالهما معاً.

في السادس من شهر مارس سنة 1952، عُثر على امرأة تدعى (ليلي فولبيرت) مقتولة في محلها التجاري في منطقة (كارديف دوكلاندس) باستعمال شفرة حادة، وقد سرق منها مبلغ 100 جنيه استرليني. في غضون ساعات، قامت الشرطة باستجواب (متان)، وبعد عشرة أيام من ذلك اعتقل واتهم بالقتل العمدي.

اقتحم منزله بحثا عن أية أدلة غير أنه لم يتعم العثور على المال، لكن عثر على شفرة حادة وزوج من الأحذية ملطخ بقطرات من الدماء. بدأت محاكمة (متان) في شهر يوليو من سنة 1952، واعتمدت القضية برمتها على شهادة (هارولد كلوفر)، وهو شخص جامايكي ذو تاريخ حافل بأعمال خارجة عن القانون، الذي طلب منه الشهادة ضد (متان) مقابل الحصول على حصة من الجائزة المعروضة في ذلك.

أثناء المحاكمة، ظل (كلوفر) يردد بأنه رأى (متان) يغادر المحل بعد وقوع الجريمة، غير أنه في استجواب سابق له قال بأنه رأى رجلا يدعى (طاهر غاس) يغادر المحل التجاري بعد وقوع الجريمة.

لم يتم إعلام هيئة المحلفين أبدا عن التناقضات في شهادة (كلوفر)، كما لم يتم إعلامها بأن أربعة شهود آخرين لم يتعرفوا على (متان) على أنه الرجل الذي شوهد في ساحة الجريمة من بين طابور من المجرمين عُرض أمامهم. صرحت إحدى الشهود، وهي فتاة تبلغ من العمر 12 سنة، بأن (متان) لم يكن الرجل الذي رأته بالقرب من المحل التجاري مسرح الجريمة زمن وقوعها.

كانت المحاكمة مشحونة بالأجواء العنصرية، حيث نعت محامي (متان) نفسه هذا الأخير على أنه: ”نصف ابن للطبيعة، ونصف متوحش متحضر“، وفي الرابع والعشرين من شهر يوليو سنة 1952 ثبتت إدانة (متان). لم يتم منحه فرصة الاستئناف وفي الثالث من سبتمبر تم إعدامه شنقا في السجن الذي كان يقبع فيه.

لطالما أصرت عائلته على أنه كان بريئا من التهمة التي اعدم بسببها، كما جوبهت بالتمييز العنصري خلال حياتها كلها لكونها ارتبطت بقاتل.

4. جيسي تافيرو:

جيسي تافيرو في عناوين الصحف

تعتبر قضية (جيسي تافيرو) مأساوية ليس فقط لكونه أدين وأعدم زوراً وتمت تبرئة ذمته في نهاية المطاف، بل لأن عملية إعدامه اعتبرت غير إنسانية لحد بعيد.

في سنة 1976، كان (تافيرو) يسافر مع صديقته الحميمة (صونيا جايكوبس)، وابنتهما التي تبلغ من العمر 10 أشهر، وابن (جايكوبس) البالغ من العمر ستة سنوات، وصديق لهما يدعى (والتر نورمان رودس). ركنوا السيارة على جانب الطريق ليقضوا الليلة داخلها في ولاية (فلوريدا) الأمريكية، وكانوا نائمين عندما اقترب منهم ضابط شرطة يدعى (فيليب بلاك) وشرطي كندي زائر يدعى (دونالد إروين)، أُطلق النار على (بلاك) و(إروين) فأُرديا على الفور.

اعتقلت الشرطة (جايكوبس) و(تافيرو)، ولدى استجوابهما أخبرا الشرطة بأن (والتر نورمان رودس) هو من أطلق النار على الشرطيين المغدورين، وأنهما كانا في رحلة مع (رودس) فقط لأنهما لم يكن بيدهما خيار آخر. عثرت الشرطة على مخلفات البارود على يدي (تافيرو) —الذي قال بأن (رودس) أعطاه المسدس بعد اقترافه الجريمة— وعلى يدي (رودس) أيضاً، ولم يعثروا عليه على يدي (جايكوبس) أبداً.

شهد (رودس) على أن (تافيرو) و(جايكوبس) أطلقا النار على الشرطيين مقابل نيله لحكم مخفف العقوبة، وكان الدليل الوحيد الآخر الذي شهد بأن (تافيرو) و(جايكوبس) كانا الشخصين اللذين أطلقا النار على الشرطيين هو شهادة سجينة أخرى ادعت بأن (جايكوبس) اعترفت لها بجرمها عندما كانتا في السجن معاً. ثبتت إدانة كل من (تافيرو) و(جايكوبس) وحكم عليهما بالإعدام.

أصرّ كلاهما على براءته وفعلا كل ما بوسعهما لنيل الحق في الاستئناف، فطعنا في شهادة الشهود التي أثبتت إدانتهما. سحب (رودس) شهادته واعترف بأنه كان هو الشخص الذي أطلق النار من المسدس غير أنه عاد لادعاءاته السابقة مرة أخرى.

نفذ وقت (تافيرو) وأُرسل ليعدم على الكرسي الكهربائي في الرابع من شهر مايو سنة 1990، أثناء ذلك تحتم إيقاف عملية الإعدام ثلاثة مرات عندما بدأت النيران تشب في رأس (تافيرو)، وكان لا يزال حيا ويتحرك ويتنفس عندما توقف تنفيذ الإعدام للمرة الأولى.

بعد موت (تافيرو) المثير للقشعريرة؛ اعترف (رودس) أخيرا للسلطات بأنه كان هو من أطلق النار على الشرطيين الضحيتين، غير أن حكمه لم تطرأ عليه أية تغييرات واستفاد من إطلاق سراح مشروط في سنة 1994.

5. كولين كامبيل روس:

كولين كامبيل روس

وقعت جريمة قتل (ذا غان آلي) في سنة 1926 في (ميلبورن) في أستراليا. أُرسلت (ألما تريتشك) ذات الإثني عشر ربيعا إلى منزل عمتها في رحلة لم تعد منها أبداً. عُثر على جثتها لاحقا مقتولة شنقاً بعد أن تعرضت للاغتصاب في منطقة (غان آلي). تناقلت وسائل الإعلام جريمة القتل البشعة هذه وادعت بأن هناك سفاحا مختلا يجول الأرجاء طليقاً، والذي قد يضرب ضحيته التالية في القريب العاجل.

سلّط هذا الأمر ضغطا على مصالح الشرطة التي كانت يائسة من أمرها للعثور على القاتل وتقديمه للشعب في القريب العاجل حتى يهدأ التوتر الحاصل بفعل القضية.

صرح (كولين كامبيل روس) لمصالح الشرطة بأنه شاهد الفتاة تسير مارة بصالونه وآثار الذعر بادية على محيّاها، وهو الأمر الذي أكده شهود عيان آخرون، الذين أضافوا بأنهم رأوها مذعورة بينما كان رجل –لم يحددوا هويته على أنه (روس)– كان يتبعها في الأرجاء. ركزت الشرطة بدل ذلك اهتمامها على (روس) وذلك بسبب سجله الإجرامي السابق لدى الشرطة، حيث ثبتت إدانته بنهب أحد زبائنه وإطلاقه النار عليه.

مع استمرار الاستجواب مع رجال الشرطة، قال (روس) بأن هناك عددا من الشهود العيان الذين كانوا في صالونه والذين سيشهدون بأنه لم يغادره أبدا لحظة وقوع الجريمة. لم يتم استجواب هؤلاء الشهود أبداً، وفي الثاني عشر من شهر يناير سنة 1921، اعتقل (روس) واتهم بجريمة القتل، وخلال المحاكمة اعترف أحد السجناء، الذي كان له سجل حافل بالحنث باليمين في المحاكم وشهادة الزور، بأن (روس) اعترف له باقترافه الجريمة.

تقاسمت شاهدتان أخريان، بائعة هوى وعرّافة، الجائزة المعروضة لدى كل من يساعد في إيجاد حل للقضية عندما شهدتا بأن (روس) اعترف لهما هما الأخريان باقترافه للجريمة.

تمت مقارنة شعرات من رأس الضحية (ألما تريتشك) مع بعض الشعرات التي عثر عليها داخل صالون (روس)، وهما شعرتان واحدة شقراء والثانية صهباء، غير أن المتفحص قال بأنهما شعرتان تعودان لنفس الشخص.

أُدينَ (روس) وحكم عليه بالإعدام، واستعمل لدى تنفيذ حكم الإعدام فيه بالشنق نوع جديد من الحبال، الذي لم يتمكن من دق عنقه بل تسبب له في كسور، وراح لعدة دقائق يختنق ويصارع الموت بينما راح الحبل يضيق عليه الخناق شيئا فشيئاً حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.

لعقود كاملة، حاول الكثير من الأشخاص تبرئة اسم (روس) في تلك القضية، وفي الثامن من مايو سنة 2008، أصبح الشخص الوحيد الذي أُعدم ليتم لاحقا تبرئة اسمه في تاريخ القضاء الأسترالي.

6. دايفيد واين سبينس:

دايفيد واين سبينس

في يوليو سنة 1982، استفاقت مدينة (واكو) في ولاية تكساس على وقع جريمة قتل مريعة راح ضحية لها ثلاثة مراهقين، فتاتان وصبي. جالت في ذهن النائب العام (ترومان سيمونز) فكرة أن أحد مالكي المتاجر المحليين الذي يدعى منير محمد ديب استأجر ثلاثة قتلة مأجورين –بمن فيهم (دايفيد واين سبينس)– من أجل قتل امرأة تدعى (غايل كيلي).

غير أن المشكلة تكمن في أن الآنسة (غايل كيلي) لم تكن ضمن ضحايا الجريمة الثلاثية، فادعى النائب (سيمونز) بأن القتلة اشتبهت عليهم إحدى الفتاتان الضحيتان واعتقدوا بأنها كانت (كيلي) فأردوها قتيلة هي ورفاقها لأنهم كانوا شهودا عيانا على الجريمة.

اعتُقل (سبينس) وديب ورجلان آخران مع انعدام أي دليل قد يثبت كونهم مذنبين. كان هناك شهود عيان ادعوا أنهم رأوهم في مسرح الجريمة. على الرغم من بشاعة الجريمة وواقع أن الضحايا تعرضوا للاغتصاب، لم يكن هناك أي دليل ملموس يربط أيا من الرجال الثلاثة بالجريمة، وكان الأمر الوحيد الذي ربط الرجال بالجريمة هو بعض الشهادات مصدرها مساجين ادعوا بأن المتهمين اعترفوا لهم باقترافهم الجريمة أثناء سجنهم معهم.

قام العديد من هؤلاء المساجين لاحقا بالتراجع عن ادعاءاتهم واعترفوا بأنه عُرضت عليهم صفقة تخفيف فترات عقوباتهم أو فرصة ممارسة الجنس مع صديقاتهم وزوجاتهم من طرف مكتب النائب العام للمنطقة مقابل تلك الشهادات الكاذبة.

مع انعدام الأدلة تقريباً، لم تكن هناك من طريقة لإثبات إدانة الرجال، إلى أن قام مختص في آثار العض يدعى (هومر كامبيل) بالشهادة بأن العلامات المتروكة على أجسام الضحايا تطابقت مع أسنان (دايفيد واين سبينس)، وقال بأنه استعان بصور محسنة للجثث وقوالب عن أسنان (سبينس) حتى يستخلص بدون شك بأن (سبينس) ترك آثار عضاته على جثث ضحاياه.

في سنة 1993، قام محامي (سبينس) بإرسال الصور وقوالب الأسنان التي ادعى اختصاصي آثار العض بأنه أعدها عن أسنان (سبينس) إلى خمسة خبراء آخرين حول الولايات المتحدة الأمريكية. لم يعتقد بعض هؤلاء الخبراء حتى في الحكم على الصور بأن الآثار الموجودة فيها كانت آثار أسنان، ولم يكن أي منهم قادرا على الجزم بمطابقتها لقالب أسنان (سبينس) المزعوم.

في سنة 1993، طلب ديب، الذي حكم عليه بالإعدام هو الآخر، استئناف حكمه فنال ذلك وربح القضية وأخلي سبيله. (دايفيد سبينس) في الجهة الأخرى لم يكن محظوظا جدا في استئنافه لحكمه وأعدم بواسطة الحقنة المميتة في سنة 1997.

7. هاري غليسون:

هاري غليسون

يبقى (هاري غليسون) الشخص الوحيد الذي أُعدِم ثم نال عفوا لاحقا في إيرلندا، وهو الأمر الذي استغرق 76 سنة حتى يرى النور.

عاشت في مدينة فلاحية صغيرة امرأة تدعى (ماري مكارثي) بالقرب من مزرعة رجل يدعى (جون كايزر). لقد كانت (مكارثي) منبوذة اجتماعيا بعض الشيء لأنها كانت أماً عزباءً لسبعة أطفال ستة منهم من آباء مختلفين. في الواحد والعشرين من نوفمبر سنة 1940، كان (هاري غليسون) يعمل في مزرعة خاله (جون كايزر) عندما عثر على جثة (مكارثي).

تبين أنه قد أُطلق عليها النار مرتين على مستوى الوجه، وبعد سبعة أيام من اكتشاف الجثة؛ اعتُقل (غليسون) بتهمة جريمة قتلها. ادعت مصالح الشرطة الإيرلندية أن (غليسون) كان والد سابع أطفال (مكارثي) غير الشرعيين، وعلى الرغم من أن الطفل مات رضيعاً فإن الشرطة استمرت في ادعاءاتها وقالت بأن (غليسون) قتل (مكارثي) حتى لا يصل إلى مسامع خاله ما حدث بينه وبينها، لاعتقاد منه بأن خاله سيحرمه من الميراث في حالة ما اكتشف علاقته غير الشرعية مع امرأة منبوذة اجتماعياً.

اتصفت القضية ضد (غليسون) بانعدام الأدلة تقريباً، فادعت النيابة العامة بأن زمن وقوع الجريمة كان مساء يوم 20 نوفمبر، غير أن السجلات الطبية تثبت بأن زمن وفاة الضحية كان في يوم 21 نوفمبر. كان لـ(غليسون) حجة غياب في يوم الواحد والعشرين من نوفمبر، غير أنه لم يكن له دليل يثبت غيابه عن ساحة الجريمة في الليلة التي سبقت ذلك.

لم يتم استدعاء خال (هاري) وخالته أبدا للشهادة لصالحة في قاعة المحكمة على الرغم من أن مصالح الشرطة والمسؤولين المحليين لطالما اعتبروهما محل ثقة كبيرة. ادعت النيابة العامة بأن (جون كايزر) كان قد اقتنى الذخيرة من أجل بندقيته التي تطابقت مع الرصاصات التي استعملت لقتل (مكارثي)، غير أن سجلات محل بيع الذخيرة أخبرت قصة مختلفة تماماً.

أُدين (غليسون) وأُعدم شنقاً في شهر فبراير سنة 1941 على الرغم من قول الكثيرين بمن فيهم عائلته، ومحاموه، وعدة أفراد من المجتمع الصغير الذي كان يعيش فيه بكونه بريئا. على مر عدة عقود، راح الناس يحققون في القضية، مع كون بعضهم ذهب إلى أبعد مدى أن ادعى أن واحدا من أفراد الشرطة هو من كان الوالد غير الشرعي لطفل (مكارثي) السابع والذي قام بقتلها واتهم (غليسون) من أجل أن يحمي نفسه.

في نهاية المطاف، في 19 ديسمبر 2015، قام الرئيس (مايكل هيغينز) بتوقيع العفو الرئاسي الوحيد بعد الوفاة في تاريخ إيرلندا الذي برّأ ذمة (هاري غليسون)، وقُدم إلى عائلته في مراسيم حفل جرت فعالياته في العام الموالي.

8. تيموثي إيفانس:

تيموثي إيفانس

يقف (تيموثي إيفانس) مثالا حياً عن الوضع البائس الذي يجد فيه الأشخاص الذين يعانون من أمراض عقلية أنفسهم فيما يتعلق بالأنظمة القضائية. لقد كان (إيفانس) شخصا يعاني من بطء النمو، كما كان يعاني من قرحة سلية في قدمه اليمنى. لم تشف تلك القرحة أبدا وكانت تعيقه من الذهاب إلى المدرسة.

بحلول الزمن الذي هجر فيه مقاعد الدراسة كان لا يزال أميا جاهلا، وكشخص بالغ، عانى (إيفانس) من أجل الحصول على وظيفة يسد بها رمقه، فقد كاد يجد وظيفة في مناجم التنقيب عن الفحم لولا قدمه المعتلة، وفي سنة 1947، كان (إيفانس) يعيش في لندن عندما رُزق هو وزوجته (بيريل) بابنة سمياها (جيرالدين).

كانت علاقة هذين الزوجين يسودها التوتر والشجارات التي بدت غير منتهية، فقد بدا واضحا أن التواصل بينهما كان متذبذبا وضعيفاً، وفي سنة 1949، حملت الزوجة (بيريل) مجددا. لم يكن الزوجان يملكان من المال ما يسد رمقهما ويوفر لقمة العيش لابنتهما، ناهيك عن طفل ثانٍ، لذا فكرا بأن أفضل خيار متاح أمامها هو الإجهاض.

في الثلاثين من نوفمبر 1949، تقدم (إيفانس) إلى مركز الشرطة وقال بأنه أعطى زوجته (بيريل) خليطا من العقاقير من أجل الإجهاض الذي تسبب في قتلها عَرَضاً، وقال بأنه وضع الجثة في حفرة تصريف المياه. لم تعثر الشرطة أبدا على الجثة مما حمل (تيموثي إيفانس) على تغيير قصته، فقال هذه المرة بأن رجلا يدعى (جون كريستي) وافق على أن يجري لها عملية الإجهاض وأن (بيريل) توفيت في خضم ذلك.

كان آل (إيفانس) يعيشون في الطابق الأعلى من مبنى يدعى (10 ريلينغتون بلايس) وكان (جون كريستي) وزوجته يعيشان في الطابق الأرضي من نفس المبنى. عندما قامت الشرطة بتفتيش المنزل، عثرت على جثتي (بيريل) و(جيرالدين)، وتبين أنهما هلكتا شنقاً، ولم تستغرق المحاكمة ضد (إيفانس) سوى 3 أيام ولم يستغرق الأمر من هيئة المحلفين سوى 40 دقيقة ليجدوه مذنبا بالتهمة الموجهة ضده.

أُعدم (إيفانس) في التاسع من مارس 1950، وبعد ثلاثة سنوات من ذلك، اكتشفت الشرطة وجود عدة جثث أخرى في بناية (10 ريلينغتون بلايس)، كانت كلها جثثا لنساء قُتلن وعُذبن من طرف (جون كريستي).

لم تكتشف الشرطة وجود هذه الجثث لدى بحثها الأول في المبنى عند التحقيق في قضية (بيريل) و(جيرالدين)، ولم يكن حتى سنة 1965 حين اكتشف تحقيق آخر بأن (جون كريستي) كان قاتل (بيريل) و(جيرالدين).

مُنح (تيموثي إيفانس) عفواً في سنة 1966.

مقالات إعلانية