in

إلى قاتلي.. الإكتئاب

الإكتئاب

الاكتئاب، ومَن منّا لم يسمع هذه الكلمة؟ ”أوف أنا كتير زعلان ومكتئب اليوم“ كلّا، لا أقصد هذا الاكتئاب الذي يتحدّث عنه الجميع بسخرية كل يوم.. أتحدّث عن ذلك الإحساس بالفراغ الممزوج بالحزن والخمول والذنب والغضب واليأس والإحباط والأفكار البشعة السوداوية، الذي يعيش معي ولا يفارقني إلّا حين أنام..

أجل هو قاتلي.. قاتلي الذي يتحكّم ويعرف كلّ تفصيل بسيط في حياتي، بدءاً من دراستي إلى طعامي وصحتي وثيابي وحتى أفكاري وجسدي.. لا أذكر متى تعرّفت عليه، ولكن جلّ ما أتذكّره هو أنّني لم أحبه في البداية. كان كالضيف الثقيل، ظهر بلا دعوة، أرادني ملكه كلّ الوقت.. قاومتُه كثيراً في البداية، وهربتُ منه ولكنّه لم ينفك يلاحقني من زاوية إلى أخرى، كان يسبقني دائماً بخطوة، وكأنّه يعرفني منذ صغري؛ هذا المتطفّل الغريب..

حذّرني من إخبار رفاقي عنه، وهدّدني بأنّه سوف يقتلني إذا أبحتُ بهذا السر.. فأبقيته لنفسي..

بدأتُ أعتاد وجود هذا المتطفّل الغريب مع الوقت في حياتي، أصبحَ رفيقي وحبيبي الذي يؤنسني في وحدتي ليلاً، فنتبادلُ أطراف الحديث عن الحياة والموت.. ودائماً ما يهمس في أذني عبارات بشعة مثل ”أنتِ لا تحبين الحياة، لا أحد يحبك، أنتِ ثقل كبير على الجميع، أنتِ لا شيء.. أنتِ نكرة، غيابُك يساوي وجودك، أتظنين أنّ هذا العالم سيحزن لغيابك؟ هيا اقتلي نفسك، أنتِ جبانة، أنتِ قبيحة، أنتِ فاشلة…“ فأضعُ يديّ على أذنيّ سريعاً ولكنّ صوته يرتفع في داخلي، في رأسي، لا أستطيعُ التخلّص منه، لستُ مجنونة ولكنّني لا أستطيع.

قاتلي لا يدعني وشأني إلّا حين أنام، ولكنّه سرعان ما يستيقظ معي، ويثبّتني على الفراش بيديه القويتين فلا أقوى على الحراك، كمَن تعرّض للضرب لتوّه، فاختبئ منه تحت الغطاء.. أقولُ له دائماً أنه عليّ أن أنظّف أسناني وأستحم فرائحتي نتنة وأسناني تؤلمني كثيراً، ولكنّه لا يسمح لي فهو يحبّني قذرة فصرتُ أكره وأخاف رؤية انعكاسي في المرآة.

لا يدعني أذهب إلى أيّ مكان ولا يدعني أرى أحداً. يجيبُ على هاتفي حين يتّصل بي رفاقي ويبدأ باختلاق الأكاذيب، وأنا أبكي إلى جانبه لأنّه يؤلمني كثيراً فأنا مشتاقة إليهم جداً، ولكنّه يُخبرني مراراً كم يحبّني أكثر من الجميع، وأنّهم يشعرون بالشفقة والأسى عليّ فقط، وأنّ كل هذا لمصلحتي ولخير الجميع.

تبدأ ليلتي حين يضع علبة الدواء اللعينة أمامي ويطلبُ منّي ابتلاعها كلّها، يحتدّ النقاش بيننا وأنا أفوز عليه في أغلب الأوقات. لكن مع مرور الوقت أصبح أقوى منّي، استنفد كلّ قواي فلم يعد بيدي حيلة سوى أن أنفّذ مطالبه، فيلحّ عليّ كثيراً ولا أعود قادرة على المناقشة.. يبدأ بتعداد حبّات الدواء أمامي ”حبة، حبتان، ثلاثة.. ثمانون“ بصوت رقيق ويبدأ بتشجيعي قائلاً ”هيا أنتِ قوية، افعليها، هيا..“

مقالات إعلانية