in

الإمارات تُدخل تعديلات واسعة على قوانينها وتقلص التشريعات المستمدة من القوانين الإسلامية، الأمر الذي سيجعلها أكثر تفتحًا من ذي قبل

تشمل التعديلات الجديدة قوانين الطلاق والميراث واستهلاك الكحول، إلى جانب إدخال عقوبات أكثر صرامة على المتحرشين والمعتدين.

الإقامة في الإمارات العربية المتحدة

أدخلت الحكومة في الإمارات العربية المتحدة واحدًا من أكبر الإصلاحات القانونية والقضائية في تاريخها، مع تعديلات شملت قوانين الأسرة وبعض القوانين الأخرى التي تؤثر على الحياة اليومية للأفراد، وهو ما تم الإعلان عنه يوم السبت الفارط السابع من نوفمبر 2020.

تعكس هذه القوانين، التي دخلت حيز التنفيذ فور نشرها، إجراءات واسعة تهدف إلى تحسين معايير المعيشة في البلاد، وكذا السماح للإمارات العربية المتحدة في الاستمرار في كونها وجهة كبيرة للاستثمارات الأجنبية المباشرة من مختلف أنحاء العالم.

تهدف هذه التعديلات، التي أدخلت على قوانين كانت موجودة مسبقًا بالإضافة إلى إدخال قوانين جديدة كليًا، إلى ضبط قوانين شخصية ومدنية محورية، مع إدخال بنود تسمح للمقيمين غير الإماراتيين بالتعامل مع الدولة فيما يخص شؤونهم الخاصة وفقًا لقوانين بلدانهم الأصلية.

تعتبر الإمارات العربية المتحدة موطنًا لأكثر من 200 جنسية مختلفة، وقد جاءت هذه الإصلاحات القانونية الأخيرة من أجل تحسين جودة حياة الأجانب على وجه الخصوص، حيث ستمس هذه التعديلات قوانين الطلاق والانفصال بين الأزواج، والطريقة التي ستقسم بها التركات والميراث، وكذا طريقة تنفيذ الوصايا، وقوانين استهلاك الكحول، والانتحار، وحماية المرأة.

تعني هذه التغييرات في نفس الوقت أنه بالإمكان استخدام قوانين البلد الأصلي للمقيم الأجنبي من أجل قضايا الطلاق والميراث، مما يعني أيضًا بأن القوانين الإسلامية أو قانون الشريعة سيطبق بشكل نادر عندما يتعلق الأمر بالمقيمين الأجانب.

لقد ظلت الحكومة الإماراتية تناقش وتتفحص عددا من هذه الإصلاحات لفترة من الزمن الآن، واعتمادها لها الآن يمثل خطوة كبيرة نحو التقدم والتطور القضائي في البلد.

التعديلات والإصلاحات التي جاءت في الطلاق والميراث

أصبح بإمكان الأزواج الأجانب أن يتطلقوا في الإمارات العربية المتحدة وفقًا لقوانين بلدانهم الأصلية.
أصبح بإمكان الأزواج الأجانب أن يتطلقوا في الإمارات العربية المتحدة وفقًا لقوانين بلدانهم الأصلية.

واحد من بين أكثر التطورات إثارة للاهتمام في الإصلاحات القانونية التي تم إدخالها مؤخرا على النظام القضائي في دولة الإمارات العربية المتحدة هو قوانين الطلاق والانفصال بين الأزواج، وتقسيم التركة بين الأزواج في حال تم حل الزواج.

تملي القوانين الجديدة أنه إذا ما تزوج شخصان في بلدهما الأم ثم تطلقا في الإمارات العربية المتحدة، سيتم تطبيق القوانين المعمول بها في البلد الذي أجريت فيه مراسيم الزواج في معاملات الطلاق.

يغطي هذا القانون الجديد الممتلكات المشتركة بين الزوجين والحسابات البنكية المشتركة بينهما كذلك، كما يقضي بأنه بالإمكان للمحكمة التدخل تحت الطلب إذا ما عجز الطرفان عن التوصل إلى حل يرضي كليهما.

تشمل هذه التغييرات والإصلاحات كذلك الوصايا والميراث. حتى الآن، كان أفراد عائلة شخص أجنبي متوفي في الإمارات العربية المتحدة مجبرين على تقسيم تركته وفقًا لقوانين الشريعة الإسلامية المعمول بها في الإمارات العربية المتحدة، وهو أمر يجده الكثيرون منهم غير مقبول، أو في أقل تقدير غير مألوف.

أما إذا تزوج شخصان في بلدهما الأم، ثم تطلقا في الإمارات العربية المتحدة، فعليهما هنا أن يتوقعا أن تجري معاملات الطلاق وفقا للقانون المعمول به في محكمة إماراتية، كما بالإمكان تطبيق قوانين البلد الذي جرى فيه الزواج تحت الطلب.

الآن تغيرت القوانين وصارت جنسية الشخص المتوفي هي ما يملي الطريقة التي ستقسم وفقا لها تركته وميراثه بين ورثته، إلا إذا كتب وصية يملي فيها الطريقة التي يرغب وفقا لها أن تقسم تركته. أما الاستثناء الوحيد الذي أدرج في هذا القانون هو الممتلكات التي تم اقتناؤها في الإمارات العربية المتحدة، والتي سيتم التعامل معها وفقا للقوانين المعمول بها في دولة الإمارات للفصل في شؤون الإماراتيين.

في إمارة دبي، كان في السابق المقيمون من غير المسلمين قادرين على تسجيل وصاياهم على مستوى «مركز دبي المالي الدولي لتسجيل الوصايا وإثبات صحتها»، والذي هو مؤسسة حكومية، حيث لم يكونوا قادرين على تسجيل وصاياهم في محكمة حكومية في دبي. أما في أبو ظبي، فقد ظل المقيمون من غير المسلمين يسجلون وصاياهم على مستوى وزارة القضاء الإماراتية منذ سنة 2017.

القوانين الجديدة في الانتحار والسامري الصالح —الشخص الذي يهب لتقديم يد المساعدة للغير.

وفقًا للتعديلات التي أدخلت على النظام القضائي والقوانين في دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخرًا، لن يتم تجريم الأشخاص المنتحرين والأشخاص الذين حاولوا الانتحار لكنهم نجوا من ذلك. وقبل هذه التعديلات، كان كل شخص يحاول الانتحار ويفشل تتم متابعته قضائيًا من طرف الدولة، هذا على الرغم من أن حالات مثل هذه كانت نادرة جدا.

أما الآن، تحت ضوء القوانين الجديدة، ستسهر مصالح تنفيذ القانون والمحاكم على حد سواء على حصول الأشخاص الذين نجوا من الانتحار على الرعاية الصحية النفسية اللازمة بدلا من معاقبتهم.

أما كل شخص تثبت مساعدته شخصاً آخر على الانتحار فستتم متابعته قضائيا وسينال عقوبة سجن قد تكون طويلة الأمد.

كما سيسهر القانون الجديد على أن كل شخص يهب لمساعدة شخص ما في حالة حرجة لن يتم تحميله مسؤولية نتيجة تدخله ذلك، ولم يكن الأمر على هذه الحال من قبل، حيث كان القانون يحمِّل ”السامري الصالح“ على نتائج تدخله لمساعدة الغير إذا ما كانت سلبية. على سبيل المثال، في القانون السابق كان كل شخص يتدخل لمساعدة شخص آخر في حاجة للمساعدة ثم ينتهي به الأمر بجعل الأمر أكثر سوءًا يتعرض للمتابعة القضائية.

على خلاف ذلك، ورد في القانون الجديد أن: ”كل شخص يقوم بفعل نابع عن طيب نية، ينتهي به المطاف بإيذاء الشخص الذي يحاول مساعدته، لن تتم معاقبته“، و”إذا أردت تقديم يد المساعدة والعون في حالة استعجالية ثم تعرض الشخص المعني للأذى [كنتيجة على تلك المساعدة] لن تتعرض لأي عقوبة“.

ظل الخوف من التعرض للمتابعة القضائية يمنع الناس في الإمارات العربية المتحدة من تقديم يد المساعدة للأشخاص في الحالات الحرجة، كما منعهم هذا الأمر من تعلم تقنيات الإسعافات الأولية.
ظل الخوف من التعرض للمتابعة القضائية يمنع الناس في الإمارات العربية المتحدة من تقديم يد المساعدة للأشخاص في الحالات الحرجة، كما منعهم هذا الأمر من تعلم تقنيات الإسعافات الأولية. صورة: Victor Besa/The National

القوانين الجديدة في التحرش والاعتداء

هنالك ضمن هذه القوانين الجديدة عدة تعديلات تهدف إلى حماية حقوق المرأة في البلد، من بينها أنه لن يتم الاعتراف بعد الآن بما كان يعرف على أنه ”جرائم الشرف“ التي قد ينال فيها أحد الأقرباء الذكور للمرأة المعتدى عليها عقوبة مخففة بعد الاعتداء عليها تحت غطاء ”حماية شرف العائلة“. بدل ذلك، سيتم التعامل مع حوادث من هذا النوع على أنها جرائم شأنها كشأن أي اعتداء آخر.

كما تضمنت القوانين الجديدة عقوبات أكثر صرامة في حق الرجال الذين يضايقون النساء ويتحرشون بهن بأي شكل من الأشكال، وهو ما يعتقد أنه يشمل المضايقة في الشوارع أو التعقب. يبدو وكأن هذا القانون بالتحديد هو عبارة عن تكرار لتشريع أُتي به في السنة الفارطة تم بموجبه تحديد عقوبات قاسية ضد التحرش، كما اعترف ذات القانون بأن الرجل أيضًا قد يكون ضحية للتحرش والمضايقة.

أما عقوبة اغتصاب شخص قاصر أو شخص ذي قدرات عقلية متدنية فهي الإعدام.

القوانين الجديدة في استهلاك الكحول

لم يعد استهلاك الكحول في الإمارات العربية المتحدة جريمة يعاقب عليها القانون، حيث لن يواجه بعد الآن أي شخص يستهلك الكحول أو يحمله أو يبيعه في مناطق مرخص لها بدون حيازة ”رخصة الكحول“ أي عقوبات من أي نوع.

سابقًا، كان بالإمكان توجيه تهم للأفراد جراء تناول الكحول بدون رخصة إذا ما تم اعتقالهم سواء لهذا السبب أو لسبب آخر، وهو الأمر الذي لن يحدث بعد الآن تحت هذا القانون الجديد.

غير أنه مازال يتعين على الشخص بلوغ سن 21 سنة على الأقل حتى يسمح له القانون بتناول المشروبات الكحولية في الإمارات العربية المتحدة، أما كل من يتم القبض عليه وهو يبيع المشروبات الكحولية للقصّر فسيتعرض للمتابعة القضائية والعقوبات الناجمة عن خرقه للقانون. تجدر الإشارة أنه لا يمكن استهلاك الكحول إلا في السر أو في المناطق العمومية المرخص لها.

سلسلة من التعديلات القانونية التي ستسهر على أن قوانين دولة الإمارات تخدم جميع الناس من خلفيات مختلفة، وجنسيات مختلفة، وديانات مختلفة.
سلسلة من التعديلات القانونية التي ستسهر على أن قوانين دولة الإمارات تخدم جميع الناس من خلفيات مختلفة، وجنسيات مختلفة، وديانات مختلفة. صورة: The National

أنهت إمارة أبو ظبي نظام ”رخصة استهلاك الكحول“ الخاصة بالمقيمين فيها في شهر سبتمبر الفارط، سابقًا كان كل شخص يرغب في استهلاك الكحول في حاجة للحصول على ترخيص تمنحه إياه السلطات المعنية، والآن سيتم تطبيق هذا القانون الفدرالي على جميع الإماراتيين دون استثناء.

قانون المساكنة بين الأزواج غير المتزوجين

لأول مرة سيسمح القانون الجديد بالمساكنة القانونية بين الأزواج غير المتزوجين، وهو الأمر الذي كان في السابق ممنوعًا ويعاقب عليه القانون.

في السنوات القليلة الماضية، نادرًا ما استهدفت السلطات أو تابعت قضائيًا الأزواج الذين اكتُشف عن كونهم يتشاركون نفس المنزل بدون عقد قران، غير أن القانون الجديد هذا سيسهر على أن يشعر الأزواج غير المتزوجون بأنهم في أمان وعلى الجانب الصحيح من القانون.

المعاملات القضائية

يفرض القانون الجديد توفير المترجمين للمتهمين والشهود في المحاكم الإماراتية إذا ما كانوا لا يتحدثون اللغة العربية، كما تسهر المحكمة على توفير المترجمين القانونيين لهم.

بالإضافة إلى هذا، سنّت الإمارات قوانين جديدة في هذا الصدد تعنى بالخصوصية، مما يعني أن أي دليل على علاقة بأي قضية أفعال مخلة بالحياء ستتم حمايته ولن يتم الإفصاح عنه للعامة.

مقالات إعلانية