in

حين قالت فيروز ”الخمستاشر سنة كانوا ناطرين دقيقة ت يخلصوا!“

الحب
صورة: Dimitra Milan

في ذلك المشهد من مسرحية ”لولو السويعاتية“ تحاور لولو حبيبها نايف حين يطلب منها أن تكون عشيقة بعدما كانت حبيبة له وسُجِنت ظلماً، قضت خمسة عشر عاماً في السجن بدون ذنبٍ جنته، وفي آخر الأمر حين أكتُشِفت براءتها تم إطلاق سراحها، تتعجّب لولو كيف أحبّت هذا الشخص طيلة الخمسة عشر عاماً، كيف صدّقت أنه منتظرها واللوعة تأكل قلبه يوماً بعد يوم، كيف ظلّت محتفظة بصورته في مخيّلتها لئلّا تنسى تفاصيل وجهه.

عادت لولو لتجد أنّ كل شيء تغيّر، تزوّج نايف وعمّر بيتاً وأنجب الصبيان والبنات، بفترة وجيزة بعد حبسها وكأن لم يكن لها ذِكر ولا اسم في حياته من الأساس.

يأتي ليطلب منها أن تكون عشيقة في السر باسم الحب الذي كان، وأنه تزوّج على غير إرادته والحب باقٍ لا يزول، لولو التي كانت تحمل عبء نايف في سجنها وتخاله فارساً نبيلاً يحترق على ليلاه، فجأةً رأته كما هو وكأنها للتّو قد تنبّهت بعد خمسة عشر عاماً! وقالت ”الخمستاشر سنة كانوا ناطرين دقيقة ت يخلصوا!“

هل كانت حياتها القادمة معلّقة على تلك المكاشفة؟ هل يمكن لأيّ يشخص الشعور بأنّ كل شيء قد ذهب دفعةً واحدة إلى غيرِ رجعة؟ تظلّ بداخلك ندبة صغيرة تحنّ إلى ذكرى حلوة ولكن لم تعد بنفس اللهفة والشغف السابقين حين تكتشف أنك كنت تحفرُ في الماء!

كانت لولو تؤمن بقوة الحب، وأنّ نايف سيحتمل فراقها ولكنه لم يكن مؤمناً، هل لابدّ لنا أن نسأل من نحبّهم هل تؤمن بي وبحبّنا؟ أعتقد أنّ الحب ليس له تعريف محدد، كلٌ يحدده حسبما شعر به، سألتُ الكثيرين كيف تعلم أنك وقعت في الحب. هناك من قال أشعر باختلاجة قلبي في حضرة من أحب، أضطرب وأبدو أبلهاً بجدارة وأكون مخططاً لما سأقوله وفجأة كل ذلك يذهب أدراج الرياح لأجد نفسي أتطلّع فقط، وهناك من يشعر بفرحةٍ لا وصف لها ويكون ثرثاراً يحكي دون توقف ودون أن يسمع رأياً فهو يريد أن يُلقي بكل ما لديه دفعةً واحدة وكأنه كان منتظراً، هناك من يتحايل ليفهم مَن يحب أنه يحبه بتصرفٍ أو بتلميح في الحديث، ليس هناك قاعدة محددة أو تعريف بعينه.

لذلك لن أتحدث عن الهرمون الفلاني الذي يفرزه الجسم عند الوقوع في الحب ولا عن البحث العلاني، حين نُخضع المشاعر التلقائية لأبحاث تفقد شغفها، أجمل ما فيها أن تبقى سراً لا يعرف شفرته إلّا من اختبره.

هل للحب قوة؟ هل تستطيع بكل ثقة أن تقول أنه يمكنك أن تفعل كذا وكذا ما دام حبيبك إلى جانبك؟ وإن كنت تؤمن بقوته؛ هل يؤمن الطرف الثاني؟

ليس من الضروري أن يؤمن كلاكما بالشيء نفسه بعيداً عن الاهتمامات المشتركة والتوافق الفكري وما إلى غير ذلك، لن تستطيع الجزم أنه يؤمن بقوة الحب، البشر قدرات؛ وكونك فدائياً مؤمناً بقوة قلبك لن يجعل هذا من شريكك نسخةً عنك، هناك من يستسلم من الجولة الأولى ليقول ”القدر فعل ذلك“، أعتقد أنّنا من نصنع أقدرانا ما دمنا مخيّرين وإلّا كانت حياتنا طريقاً واحداً مرسوماً في كل شيء.

لا تتجنّب المحاولة لتقول إنه القدر! هذا ليس قدرك، هذه قدرتك وقدرتك إلى هذا الحد. أعتقد أنه يجب أن نكون صريحين منذ البداية ونسأل الآخر هل تؤمن بقوة الحب؟

لكي يكون هناك عقد شفهي بينكما يقول بأنكما ستظلّان معاً رغم كل شيء، يقول بأنكما لن تكونا عبئاً على بعضكما بل ستدفعان دفّة العلاقة بينكما في طمأنينة وشغف بالآتي الذي ستشهداه معاً. استنزافك لطاقتك في علاقة، أحد طرفيها خامل أو متخاذل، لن يعود عليك إلّا بالشقاء وستنتهي هذه العلاقة حتماً ذات يوم، ولكن حينها ستكون خاوياً، لن تقدر على العطاء بعد ذلك، لن تقدر حتى أن تحلم.

أعتقد أنّ هذا أهمّ ما يجب عليك معرفته عن شريكك. هل كلمة ”أحبك“ تعني لكما المثل؟ هل ستكون طوق نجاة حقيقي لكما في ظل تلك الظروف التي نعيشها جميعاً؟ هل ستكون البيت الذي تلجؤون إليه؟ هل ستكونان سَكناً لبعضكما؟ لا أتحدّث عن الأحلام الوردية في ظلّ واقع يدهسنا ويدهس أحلامنا معنا، ولكنّي أتحدث عن أسمى المشاعر التي نشعر بها والتي تستمد قدسيّتها من دفاعنا عنها وإيماننا بها، والتي تمكّننا من تحقيق حتى النزر اليسير من أحلامنا.

ننبهر كثيراً بقصة تلك الأسترالية التي أحترقت وظلّ حبيبها إلى جانبها! وهل من المفترض أن يتركها؟! هو آمن بها وبذاته وبحبّه؛ هذا كل ما في الأمر، أحبها لكل العمر وليس لمرحلة وتنتهي.

وهذه التي ساندت حبيبها حين أصابه الشلل ليتّكئ عليها ويتسلّم شهادة تخرّجه، كم ذرفنا دموعاً حين شاهدنا المقطع، هي أحبّته وآمنت به وبقوتها لتغرس في نفسهِ قوةً لا تُقهر. هي من صعنت قَدَرها إلى جواره.

الكلمات الحلوة والدلال لا غنى عنهما ولكن الفعل يعزّزهما وكأنهما زهرتين مغزولتين في نسيجِ الروح. بالطبع للحب قوة تجعل زوجين ما زالا يهيمان ببعضهما بعد أكثر من ثلاثين عاماً من الزواج، لم ينضب عطاؤهما لبعض ولم يتخاذل إيمانهما ببعضهما البعض.

إذا كانت لولو قد رأت نايف حين أحبته ”متل الوَحْش“ وكان الحب يُبارك كل شيء في عينيها، فقليله كثير. صدّقتُ لولو وما زلتُ أصدّقها، فإن لم يكن الحب طاقة تذلّل الصعاب وتجمعنا بمن نحب لنتنافس في العطاء، فـ”ألله يسعده ويبعده“.

مقالات إعلانية