في الثقافة الجمعية للبشر غالباً ما يشار إلى النقاب كواحد من الرموز الأيقونية للظلم والاضطهاد والحد من الحرية؛ فهو يصنف جنباً إلى جنب مع السلاسل التي كانت تستخدم لتقييد العبيد قديماً، وربما لا تكون هذه الصورة النمطية ظالمة بشدة نظراً لأنّ الغالبية العظمى من مرتديات النقاب يرتدينه بصورة قسريّة دون خيار حقيقي بذلك الخصوص. إلّا أنّه ربّما يوجد جانب آخر للموضوع يستحق تسليط الضوء عليه هنا:
النقاب كحرية شخصية
رغم الإشارة إلى أن أغلبية مرتديات النقاب يرتدينه بشكلٍ قسري (إما من العائلة أو في بعض الأحيان من النظام السياسي كما في المملكة العربية السعودية) فذلك لا ينفي وجود نسبةٍ ما من النّساء اللّواتي يرتدينه بكامل إرادتهن دون إجبار من المجتمع أو العائلة. وفي هذه الحالات لا ينفع عرض النقاب كرمزٍ للقمع لكن كنمط ملابس يجب التعامل معه بشكل مماثل لغيره من أنماط الملابس الأخرى والتعامل معه عدا ذلك يعد تمييزاً ضد مرتديه.
تجدر الإشارة هنا إلى أن المسلمين ليسو الوحيدين الذين يرتدونه ولو أنه مرتبط بهم بحكم عددهم الكبير حول العالم حيث أدى ذلك إلى كون الكثير من الحركات المناهضة للنقاب تحمل صفة المعاداة للإسلام أو في بعض الأحيان معاداة العرب كقومية أيضاً.
النقاب كممارسة للحرية
رغم غرابة الربط بين النقاب والحرية؛ فمن الممكن إيجاد رابط قوي بينهما! وهنا لا أقصد النقاب كمظهر لباس بل كأداة إخفاء هوية. فالعالم اليوم واقعٌ أمام خيار مهم جداً بين الحرية أو الأمن وكون الأمن يعتبر من الأشياء الأهم لدى الناس؛ فكثيراً ما يتم التضحية بالحرية مقابل المزيد من الأمن. وربما يكون أحد أهم أشكال الحرية هو القدرة على إخفاء الهوية.
يفيد إخفاء الهوية في إلغاء الكثير من العوائق التي تفرض بشكل قوانين وتشريعات على الناس؛ مما يؤدي إلى وضع قيود إضافية على فئات محددة من الناس وفقاً لهويتهم وانتمائاتهم أو حتى موقعهم. وهنا يلعب النقاب نفس دور الشبكات الخاصة الافتراضية (Virtual Private Network (VPN التي تفيد متصفحي الإنترنت في تخطي القيود المفروضة وفق الحدود الجغرافية فهي تغطي هوية المستخدم عن طريق هوية أخرى تمنع معرفة معلوماته الحقيقية وبالتالي تمنع ممارسة التمييز ضده وتعطيه إمكانية ممارسة ما يريد بشكل حر غير مقيد.
الحرية هي القدرة أو الحق للتصرف أو الكلام أو التفكير دون عائق أو قيد. قاموس أوكسفورد
من المثير للاهتمام أن الحرية بمفهومها المطلق لا تحدد نوع التصرف أو الكلام بكونه ”غير مؤذٍ“؛ حيث أن مجرد تحديد نوع التصرف أو الكلام يعني حداً من الحرية. لذلك فمن وجهة نظرٍ حيادية حتى القتل يعتبر درجة من الحرية حيث لا يوجد محدد أخلاقي للحرية المطلقة.
للمقارنة بين المجتمع الحر والآخر المقيد أو ”المقنن“ بالإمكان المقارنة بين موقعي تواصل اجتماعي يمثلان مجتمعين افتراضيين؛ الأول شبيه بمجتمع مقيد ومكشوف وهو موقع ال Facebook الغني عن التعريف، حيث يحوي الموقع مجموعة من شروط الإستخدام كما أنه يضغط بشدة على مستخدميه لإظهار هوياتهم الحقيقية مما يؤدي إلى تشكيل العبئ الإجتماعي بشكل مشابه لما هو في الواقع، وتتقيد أفكارك وتصرفاتك افتراضياً كما هية مقيدة واقعياً. أما الموقع الثاني فهو صفحة b من موقع 4chan
والخلاف الأساسي هنا أنه لا حاجة للهويات هنا ويمكنك النشر والرد كمجهول تماماً ولا يظهر أي اختلاف بين تعليقك وغيره فالجميع تقريباً مجهول anonymous (جماعة المخترقين والناشطين التي تحمل نفس الإسم نشأت في موقع 4chan في بدايتها)، في صفحة b بالتحديد لا توجد قواعد للنشر حتى، ومن الممكن رؤية أي شيء هناك مهما كان غريباً أو حتى منفرا.ً فكون الموقع مبني على حق المشاركين بإخفاء هوياتهم تختفي هنا القيود المفروضة إجتماعياً أو عائلياً فهنا لا أحد يعرفك لتخشى رد فعله أو تصرفه تجاهك، وهذا بالتحديد ما يوفره النقاب أو أي وسيلة تغطية هوية أخرى موجودة في الواقع.
النقاب كتهديد أمني
رغم أن إخفاء الهوية يعتبر حرية كبيرة إلا أنه يحمل خطراً كبيراً على المجتمعات والجماعات البشرية، فهو يقوض العقد الإجتماعي كونه يعيق تطبيق التشريع بإتاحته لخارقي القانون الفرار بسهولة من المسؤولية وتجنب اكتشاف هوياتهم. بطبيعة الحال، هذا ينطبق على كل أشكال تغطية الهوية كالأقنعة التنكرية والنظارات الشمسية كبيرة الحجم بشكل مبالغ به؛ ولذلك في الواقع لا توجد دول تحظر النقاب بحد ذاته (كما يشاع بشكل خاطئ عن فرنسا) لكن الحظر يكون لكل أساليب تغطية الوجه وبالتالي إخفاء الهوية. وبطبيعة الحال فالنقاب مشمول ضمن هذه الأساليب، والحظر في فرنسا هو مجرد إجراء أمني ليس موجهاً بغرض محاربة الإسلام أو النقاب بحد ذاته.
في النهاية
كتلخيص لا بد من التذكير بأن هناك نسبة موجودة من النساء اللواتي يرتدين النقاب طوعياً، بالتالي فالمفيد هو مكافحة الظلم الإجتماعي والتسلط العائلي الذي يسبب فرض النقاب بدلاً من مكافحة النقاب بحد ذاته تحت شعار الحرية، فالسياق الوحيد المناسب لمحاربة النقاب هو كونه يشكل تهديداً أمنياً لا يمكن تجاهله اليوم.