in

المشهد الأخير

المشهد الأخير

ظهَر وجهُ الممثّل الحقيقي، للمرّة الأولى بدون قناعٍ يغطّيه. صفّق الحضور له، بعضُهم وقف تعبيراً عن احترامه.

في تلك الأمسية حضَر جميعُ سكّان المدينة إلى المسرح لمشاهدته، جلس الغنيّ إلى جانبِ الفقير، كما يحصُل في الصلاة، في المسرح لا توجد امتيازات أو درجات، وإذا وُجدَت فهو ليس بمسرح.

الأنوار الخافتة، وموسيقى البيانو الهادئة التي تعزفها ابنة أخيه، صوت الخشب المرتعش تحت أقدام العاملين في الكواليس.

أعلن صوت الساكسوفون عن بدء المشهد، خشبة المسرح فارغة ووحده يقف في منتصفها، ربما انحاز قليلاً ناحية اليمين، بدون أثاث ولا مؤثرات.

عاد إلى الكواليس وأحضر كرسياً وجلس في المنتصف، أخبر الجمهور أنّ قدمه ضعيفة ولم تعُد قادرة على حمل جسده لذلك عليه أن يجلس.

ضحك الحضور وظنّوا أنّ هذا جزءٌ من العرض لكنّه كان يقول الحقيقة ولا شيء سوى الحقيقة.

حمل المذياع، نظر نحو الوجوه المحدّقة فيه، أزرار القميص الذي اختاره المسؤول عن الملابس لونُها أزرق وهو يكره اللون الأزرق.

”الليلة سنتحدّث عنّي، إنّه المشهد الأخير ولديّ بعض الكلام الذي أرغب في قوله، لا أعرف كيف سأصيغ كلماتي ولكن، فليكُن الله معي.

استهلكَني المسرح، كذلك أبي وجاري، أملك غيتاراً لا أجيد العزف على أوتاره وقطّتي دائماً جائعة، لا أحبُّ التكلّم كثيراً لكنّ ثِقل الصمت صبغ روحي باللون الأزرق وأنا أكره اللون الأزرق.

لا أصدقاء عندي ولا راديو، صحّتي انهارت يوم برَدت يدُ جدّتي في التابوت البنّي الناعم الملمس.

أنام باكراً واستيقظ باكراً، أحبُّكم جداً وأكره نفسي وأكره ملابسي وأكره وجبة الدجاج مع الفاصولياء التي تُقدَّم كل أربعاء في مطعم الحيّ.

أحبُّكم جميعاً وهذا الحب هو من قادني نحو المشهد الأخير، أعطاني صديقي المدمن بعض الحبوب وقال لي أنّها كفيلةٌ بجعلي أرحل، قرصٌ واحد كي أحظى بنومٍ عميق لليلةٍ واحدة، وعشرةٌ لأنام للأبد، أنا أحب صديقي المدمن، تناولتُ الأقراص منذ ساعة ويُفترض أن تُعطي مفعولها بعد قليل.

سنتقابل مجدداً، ربّما خلف الكواليس أو على مسرح الله، لا أعلم… لا أعلم“.

وقف الجميع وصفّقوا له على تمثيله المُتقن، جميعهم ظنّوا مرّة أخرى أنه يمثّل، إلّا عامل المشرحة الذي يجلس في الصفّ الأخير من المسرح، فقد اعتاد على رؤية تفاصيل الأموات، وصديقُنا الذي يقف على خشبة المسرح كان قد انضمّ إليهم ساعةَ قرّر زيارة صديقه المدمن الذي يحبه.

مقالات إعلانية