in

ليتني دودة تنخر في جمجمةِ ميتٍ

nihilism art
nihilism art

تقطر المياه من السقف، تصنع صوتاً أشبهَ بصوتِ عقاربِ السَّاعة، يبدو أنَّ كل شيءٍ حوله يريد منه أن يشعرَ بوجوه، أن يشعرَ بمرورِ الوقت…

الوقت! كم هو أمرٌ معقدٌ، كيف لنا أن نحسبه، أن نقيسه، إنَّ بنيته صِيغت كي تقتلنا، تعذبنا، صوت عقاربِ السَّاعة أشبه بصوت سوط الجلاد، مع كلِّ حركةٍ يرتفع ذاك السوط إلى أعلى الوجود ومن بعدها يسلخ جسدنا بضرباتٍ تقشعر لها الأبدان، وتترك حينها وسماً فيه كلُّ الحقارة والنذالة، ويتطبع منطقنا بذلك الوسم، لنكون حينها موسومين من ذات الجلاد، كلنا مهما بدينا مخلصين لأخلاقياتنا لا نختلف عن أيِّ وغدٍ يجوب المقابر كي ينتشيَ بعد نبشهِ القبورَ.

تلفَّت حوله، لا قدرةَ له على الحراك، وفكر: أنني مكبل بسلاسل الواقع الصدئة، أنني جاثم هنا دون حركةٍ، لاقدرة لي على النُّهوض حتى، أنا ضعيفٌ للغايةِ، ليتني أتحرر من جسديَ البائسِ، ليتني أنحلُّ في هذا الفراش وأصير خشباً يطوف في نهرٍ بلا قرار، أو طيراً يقتلني صيادٌ ويتطاير ريشي في الأرجاء، أو دودةً تنخر في جمجمةِ ميتٍ، أيُّ شيء! أي شيء! إلَّا أن أكون بشريَّاً يمشي مترنحاً ومزهوَّاً بنفسه وهو لا شيء، يهيم على وجههِ طالباً النجاة من ذاته الوهمية الخسيسة!

كَزَّ على أسنانه وكاد أن يقطع لسانه، وحينها صرخ بأعلى صوته الخشن: كيف ليَ أن أعيش بينكم، وأنا الإنسان لا أختلف عنكم، أنطقُ كذبتي العظمى أنني لا أنتمي لكم، ومن بعدها أقوم بأشنعِ الأعمالِ مثلكم، هيَّا هلموا هلموا، فقريباً سوف تسقط بشريَّتكم، تحت قدميَّ، وقدميّ الوقعِ، أيُّها القذرون.

وسرعان ما انهارت قواه، التي هي اساساً خائرة، منتهية، وتمتم بكلماته المعتادة ”سأغادر قريباً، سأذهب إلى غير رجعة“

مقالات إعلانية