in

وأنا أيضاً كنت تلميذاً مثلهم..

كنت تلميذاً مثلهم

كنتُ أستيقظ كل يوم باكراً، أتناول فطوري مع والدي وأذهب معه إلى المدرسة بعد أن أودّع والدتي. كنتُ أقبّله قبل أن أترجّل من السيارة، وكان يعطيني الشوكولا ثمّ أشاهده من بعيد فألوّحُ له وهو يغادر.. أمّا الآن فأستيقظُ باكراً لأذهب إلى العمل.

مرضُ والدي غيّر كل شيء، لقد فقد بصره وأصبح أعمى. لم يعُد باستطاعته أن يرى شيئاً، فقد عمله وأصبح عاطلاً عن العمل. والدتي لا تستطيع أن تعمل وتتركه وحده، فتبقى في المنزل لتعتني به.

اضطررت إلى ترك دراستي كي أستطيع أن أحلّ مكان والدي وأجلب بعض المال لأهلي فحالتنا متواضعة وأنا إبنٌ وحيد، كنّا بحاجة إلى المال لنأكل ونعيش!

بُتّ أستيقظ يومياً إلى عملي وحدي وأعدّ فطوري لوحدي، تغيّرت حياتنا وانقلبت رأساً على عقب منذ فقدان والدي لبصره، أصبح يلازم المنزل دائماً طريح الفراش كل اليوم، وأمي باتت شخصاً حزيناً جداً.

بدأتُ العمل عند رفيق والدي ”أبو عزيز“، إذ كان يمتلك محلاً لتصليح السيارات وهو الوحيد الذي يوظّف طفلاً بعمري. محلّه ليس بعيداً عن منزلنا فأذهبُ مشياً على الأقدام. في طريقي إلى العمل، هناك مدرسة، أراقبها كل يوم وأتذكّر مدرستي القديمة حين أراها. أراقبُ الطلاب وكيف يقبّلون أهلهم ويلوّحون لهم مثلما كنت أفعل تماماً حين كنت تلميذاً مثلهم، كيف يقفون في الصف ويحملون حقائبهم الجميلة.. تذكّرت مدرستي القديمة حينما يُقرع الجرس، وكيف كنّا نصعد إلى الصفوف بضجّة فتوبّخنا المعلمة. كنت أراقبهم كل يوم فيزدادُ حنيني أكثر إلى صفوفي، إلى أساتذتي، إلى رفاقي.. كنتُ أحب حصص الرياضيات كثيراً متأمّلاً في أن أصبح أستاذاً للرياضيات حين أكبُر..

الآن أراقبُ من بعيد طلاباً بمثل عمري، ينظرون إليّ بطريقة مختلفة، لا يتكلّمون معي ويشمأزّون حين يلمحوني. في وقت استراحتي من العمل أذهبُ وأقفُ أمام تلك المدرسة وأشاهدهم يلعبون؛ تذكّرتُ كم كنّا نلعب ”الغمّيضة والطميشة“ نركض ونضحك، ”حين كنت تلميذاً مثلهم“ والآن أراقبهُم من بعيد..

ذات مرّة من المرّات رأتني فتاةٌ وتقدّمت نحوي لتقول لي ”تعا نلعب سوا“ ولكنّ المعلّمة استشاطت غضباً حين رأتها، ثمّ سمعتُها تقول لها ”شو بدك في، خليكي مع رفقاتك الشاطرين بالمدرسة“.. وأنا أيضاً كنتُ مجتهداً ومهذباً وأحب اللعب والمدرسة، وأنا أيضاً كنتُ تلميذاً مثلهم.

مقالات إعلانية