in

”أطلق الريح بفخر“، عندما طالب (بينجامين فرنكلين) العلماء بإيجاد حل لرائحة الضراط الكريهة

الضراط الخارق

هل سبق وأطلقت الريح في توقيت سيئ للغاية؟ عند إجرائك لمقابلة مهمة مثلاً أو خلال موعد غرامي؟ معظمنا قد سبق وفعل ذلك في الحقيقة، كما طور معظمنا دون شك عدة حيل لإخفاء وتمويه الضراط عند معرفتهم بقدومه.

لكن ما يستحيل عليك إخفاؤه هو الرائحة، وبالطبع لا يمكنك معرفة كم هي مريعة رائحة الضراط قبل خروجه، لذا ألن يكون من الرائع إيجاد طريقة للتحكم بهذه الرائحة؟

إنه سؤال راود الناس لقرون مضت، وكما يبدو فقد حاول أحد أعظم المفكرين في التاريخ إيجاد حل لهذه المعضلة؛ صاغ المخترع وأحد الآباء المؤسسين لدولة الولايات المتحدة الأمريكية (بنجامين فرانكلين) في عام 1781 رسالة إلى الأكاديمية الملكية في (بروكسل)، وهي إحدى أهم المنظمات العلمية في أوروبا، وكتب فيها تساؤلاً مهماً للغاية كان مفاده: ”لماذا لم تبذلوا أي جهدٍ على الإطلاق في محاولة تحسين وتعطير رائحة الضراط خاصتي؟“

لوحة فنية عن تجربة الطائرة الورقية للرسام بنجامين ويست
لوحة فنية عن تجربة الطائرة الورقية (وهي تجربة علمية قام بها بنجامين فرانكلين وكان هدفها هو كشف النقاب عن طبيعة البرق والكهرباء) للرسام بنجامين ويست – صورة: Philadelphia Museum of Art/Wikimedia Commons

لربما يمكنكم التخمين أن الضراط لم يكن من الأمور المهمة التي أمضت الأكاديمية الملكية وقتاً في دراستها، لكن رسالة (فرانكلين) طرحت حجةً مقنعةً لتغيير أولويات الأكاديمية والتفكير في دراسة هذا الموضوع، وبدأ حجته بقوله أن هدف الدراسات الأساسية المجراة في الأكاديمية هو القيام باكتشافات تحسن من واقع المجتمع، لذا عليهم دراسة هذا الأمر.

كما لاحظ (فرانكلين) أن إحدى أكثر الأشياء المقلقة في نظر المجتمع هي إطلاق الريح أمام صحبة لطيفة ومهذبة، لذلك يميل الناس لحبسها، لكنه أشار إلى ما يلي: ”إن حبس الضراط مخالف للطبيعة البشرية، فعملية الكتم هذه لا تولد ألماً متكرراً فحسب، لكن تحمل أمراضاً مستقبلية محتملة كالشعور بضيق بطني، وتطبل متكرر، وتمزقات معوية، بالإضافة إلى تدمير البنية الجسدية، وقد يصل الأمر إلى تدمير الحياة كلها“.

ها هو مؤلف ”أطلق الريح بفخر“ (بنجامين فرانكلن) وهو يساعد على توقيع معاهدة الحلف بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
ها هو مؤلف ”أطلق الريح بفخر“ (بنجامين فرانكلن) وهو يساعد على توقيع معاهدة الحلف بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية – صورة: مكتبة الكونغرس/ويكيميديا

مبدئياً، ما كان يقصده (فرانكلين) هو أن كبحك لريحك قد يودي بحياتك، ووفقاً له فالسبب الرئيسي في عملية حبس الريح هو الرائحة الكريهة الناتجة عنها، لذا منطقياً لا يوجد شيئ حالياً بالنسبة للمجتمع أهم من إيجاد طريقة لتحسين هذه الرائحة، فالناس يموتون في نهاية المطاف.

لحسن حظ المجتمع كان لـ(فرانكلن) فرضية بأن الأكاديمية الملكية قادرة على مساعدته في معضلته هذه، فيما يعرف الآن بمقالة ”أطلق الريح بفخر“، أشار (فرانكلن) أن رائحة الضراط تتغير وفقاً لما يتم تناوله، وإن كان الطعام يساعد في تغيير رائحة أجسادنا لم لا نقوم بفعل شيئ ما، أو إدخال شيئ على الطعام المتناول لتحسين رائحة الريح الصادرة عن الجسم؟

لذا اقترح صنع مادة كيميائية يمكن للناس خلطها مع طعامهم، وقال في هذا الصدد: ”ليس على المادة أن تجعل من الرائحة الطبيعية للريح الصادرة عن الجسم غير كريهة فحسب، بل مستحبة كالعطر بالضبط“، وليعطي الأكاديمية سبباً مقنعاً لإيجاد هذا الاختراع المغير لرائحة الضراط، أخبرهم بأنه سيكون أضخم من كل إنجازات الفلاسفة العظماء مجتمعة، ومن يستطيع حل هذه المسألة العضوية سيتم تذكره على أنه أهم عالمٍ في التاريخ.

بالطبع، إن كان هذا الأمر يبدو برمته مدعاة للسخرية، فهو لأن (فرانكلين) أراده كذلك، فلقد جعل من رسالته قطعة أسطورية من التهكم، وكتبها رداً على مقالة فلسفية نشرتها الأكاديمية في وقت سابق.

صورة لـ(بنجامين فرانكلين) مرتدياً قبعته المصنوعة من الفرو.
صورة لـ(بنجامين فرانكلين) مرتدياً قبعته المصنوعة من الفرو.

استخدم (فرانكلين) نمط السخرية ليشير أن معظم المواضيع الفلسفية التي قامت الأكاديمية بدراستها غير مفيدة بالنسبة للمجتمع، بل لو قاموا بدراسة الضراط لكان الأمر أكثر فائدة، وقام بصياغة هذه الفكرة بعبارة: ”إن قيمتهم بالكاد تساوي ربع بنس“ لكن باللغة الإنجليزية فصل كلمة (Farthing) لتصبح عبارته تقرأ بأن قيمتهم بالكاد تساوي (الضراط) بطريقة غير مباشرة.

مقالات إعلانية