in

هل تسمح المسيحية بتعدد الزوجات؟

تعدد الزوجات

يؤمن أغلب المسيحيين اليوم بأن الدين المسيحي قد حرّم تعدد الزوجات، ولكن ما قد لا يعرفه الكثير منهم هو أن هذا الموضوع جدليٌّ جداً وغير متفق عليه بين الكنائس نفسها.

الأنبياء وتعدد الزوجات

من المعروف أن الكثير من الأنبياء الذين يعظّمهم المسيحيون اليوم ويعتبرونهم قدوةً لهم ونشأوا على قراءة سيَرهم، كانت قد تعددت زوجاتهم. وأبرزهم إبراهيم، داود، سليمان ويعقوب.

آيات تحرم تعدد الزوجات

من الملاحظ أنه لا توجد آية واحدة في العهد الجديد تحرم تعدد الزوجات بشكلٍ واضح وصريح. وهذا ما يستند عليه الكثيرون في الفصل بين المسيحية ومنع التعدد.

– آيات مبهمة:

العهد الجديد

يستند بعض المسيحيين على بعض الآيات غير الواضحة للادّعاء بأن المسيحية تمنع التعدد، ولكن هل يجب أخذ هذا الادّعاء على محمل الجد؟… لندقق أكثر في الموضوع:

إحدى أبرز الآيات التي يستند عليها هؤلاء هي (أفسس ٥:٣١):

”مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا“.

وهي أحد أقوال المسيح لرسله، ويحاججون قائلين بأن المسيح قال ”امرأة“ ولم يقل ”نساء“ وبالتالي استخدم صيغة المفرد.

لكن هذا التفسير مثير للجدل بشكل كبير، فمن البديهي بأنه عند الزواج من امرأة ما سوف يتحد الرجل بهذه المرأة وبالتأكيد لن يقول أنه سوف يتحد مع جميع نسائه لحظة زواجه بامرأة معينة.

سوف أستخدم مثالاً بسيطاً لتوضيح الفكرة: لو أنك كنت تريد أن تمنع شخصاً ما عن تناول أكثر من تفاحة واحدة فستقول له ببساطة ”لا أسمح لك سوى بتناول تفاحة واحدة“ فمن غير المنطقي أن تقول له ”عندما تتناول التفاحة سوف تدخل إلى معدتك“ ومن ثم تفسره على أنه منع عن تناول العديد من التفاحات لأنه استخدم كلمة ”تفاحة“ بصيغة المفرد.

ومن النقاط التي تفند الادعاء القائل بأن هذه الآية تمنع تعدد الزوجات هي أن ما قاله المسيح في هذه الآية هو اقتباس لآية من العهد القديم (سفر التكوين ٢:٢٤)، وكلنا نعلم أن العهد القديم لا يحرم تعدد الزوجات، وهذا ما يجعل من التفسير السابق غير منطقي أبدا.

ولو تعمقنا أكثر بالبحث لوجدنا آية مشابهة من العهد القديم (الجامعة ٩:٩):

”اِلْتَذَّ عَيْشًا مَعَ الْمَرْأَةِ الَّتِي أَحْبَبْتَهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاةِ بَاطِلِكَ الَّتِي أَعْطَاكَ إِيَّاهَا تَحْتَ الشَّمْسِ، كُلَّ أَيَّامِ بَاطِلِكَ، لأَنَّ ذلِكَ نَصِيبُكَ فِي الْحَيَاةِ وَفِي تَعَبِكَ الَّذِي تَتْعَبُهُ تَحْتَ الشَّمْسِ.“

هذه الآية أيضاً تستخدم كلمة ”المرأة“ بصيغة المفرد، وعندما نأخذ في الحسبان أن العهد القديم لم يمنع تعدد الزوجات نجد أن الإدعاء القائل ”استخدم كلمة امرأة بصيغة المفرد وبالتالي منع التعدد“ هو ادعاء غير منطقي أبدا أيضا.

– آيات أخرى مثيرة للجدل:

(١ تيموثاوس ٣:١٢):

”لِيَكُنِ الشَّمَامِسَةُ كُلٌ بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، مُدَبِّرِينَ أَوْلاَدَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ حَسَنًا.“

في هذه الآية يخص الرسول ”الشمامسة“ بالذكر. وكلمة ”شمامسة“ هي جمع كلمة ”شمّاس“ وهي رتبة دينية في المسيحية.

إذاً لماذا يوصي الشمامسة بالزواج من امرأة واحدة لو أنه بالفعل منع تعدد الزوجات؟… ألا يعد هذا أمرا غير منطقي؟ لو أنك منعت جميع الناس عن تناول أكثر من تفاحة واحدة، لماذا سوف تعود وتمنع الذين يتبعون حمية غذائية عن تناول أكثر من تفاحة؟!

لذلك يبدو أن التفسير المنطقي الوحيد لهذه الآية هو أن المسيحية لم تمنع تعدد الزوجات بالنسبة لعامة الناس، ولذلك قامت بمنع التعدد بالنسبة للرتب الدينية.

– رأي آخر من داخل الدين:

من الجدير بالذكر أنه، بعكس أغلب الطوائف، يوجد حاليا العديد من الطوائف المسيحية التي تشرع تعدد الزوجات، معتبرة أن المسيح لم يقم أبدا بتحريمه.

في الختام وبنظرة عامة، يمكن القول بأن هذا الموضوع ربما لن يحسم أبدا وسيبقى مثيرا للجدل ونقطة خلاف بين العديد من الطوائف المسيحية، لأنه لا المسيح ولا العهد الجديد قد قاما بتحريم التعدد أو السماح به بشكل واضح. ولكن مما سبق وقرأنا، يمكن القول بأن النتيجة الأكثر ترجيحاً هي أن المسيحية تسمح بالتعدد، غير أنه لا يمكن الجزم بذلك.

مقالات إعلانية