in

”غنيمة لنا“.. هل يعيش المصريون حياتهم داخل جسد محمد صلاح؟

محمد صلاح وزوجته
صورة: Chloe Knott - Danehouse/Getty Images

يتسلل كائن غامض نحو غرفة الصبي الذي يغط في نوم عميق، يقترب منه في روية وبطريقة ما يستطيع هذا الكائن اقتحام جسد الصبي عبر الفم ليُصبح للجسد قائدان، الكائن والصبي نفسه، ثم يدفع الجسد ثمن الصراع الذي سيدور حتما بين رغبات كلا منهما المتناقضة.. هكذا تبدو بعض مشاهد أفلام الرعب وربما هكذا يشعر اللاعب محمد صلاح كلما قرر اتخاذ قرار ما، وهو يعلم أن قراره لم يعد ملكه وإنما هو ملكية عامة مصرية قامت الشهرة بتأميمها منذ أعوام عديدة.

التغريدة الأخيرة للنجم المصري والتي يصف بها تجمع أعداد غفيرة من الجماهير والصحفيين حول منزل أسرته ببلدته نجريج وسط انتشار أمني يحول بينهم وبين باب المنزل، قال فيها أن ما يحدث لا يُعبر عن حب وإنما هو عدم احترام للخصوصية، لدرجة أنه قد مُنع من الخروج وأداء صلاة عيد الفطر، قد يرى البعض أن شعور محمد صلاح مبالغ فيه أو أنه حتى قد أصابه الغرور الشديد، ولكن ما فعله اللاعب فور عودته إلى البلدة وكما يفعل دائمًا من ترتيب جلسات حاشدة بينه وبين الأهالي لا يُعطي تلك الصورة التي يحاول البعض نشرها عن غرور اللاعب منطقًا قويًا.. والأمر أبعد من ذلك أيضًا.

باستعراض ما تعرض له صلاح خلال الأيام القليلة الماضية ستجد أنه أصبح محاطًا بكمية هائلة من النقد والهجوم والتوجيه في شتى أمور حياته، يوم واحد سيُثبت لك ذلك إذ أنه في الوقت الذي يحتفل فيه اللاعب بحصول فريقه الانجليزي ليفربول على أكبر البطولات الأوروبية للأندية وأهمها -دوري أبطال أوروبا؛ بدأ المصريون مباشرة في تحديد الطريقة الأمثل التي يجب على صلاح اتباعها للاحتفال، من ملابس زوجته إلى صورته مع أبو تريكة وأشياء أخرى سأتحدث عنها في السطور المقبلة.

زوجته بين التفتح والتشدد

في كل مرة تظهر فيها ماجي ”أم مكة“ وزوجة محمد صلاح في المدرجات أو داخل المستطيل الأخضر، ينقسم المصريون إلى 3 فرق. الأولى ترى أن على زوجة صلاح مواكبة التطورات التي تحدث في حياة زوجها بما أنه أصبح الآن نجم عالمي وليس مجرد لاعب محلي لا تتبعه الكاميرات، لذا فسوف يتوجب عليها إجراء بعض التغييرات مثل ارتداء ملابس ملائمة للمجتمع الأوروبي وخلع الحجاب بالطبع.

الفرقة الثانية ترى العكس تمامًا، فبالنسبة لهم محمد صلاح لا يعكس الصورة الجيدة للرجال المسلمين لأن زوجته لا ترتدي الزي الشرعي كاملًا، ووصل بالبعض أن يصف صلاح بالديوث حتى، من وجهة نظري أرى أن كلا الفرقتان تبحث عن استغلال ما وصل إليه اللاعب من أجل انتصارات شخصية بحتة، فبينما تهدف الفرقة الأولى إلى استخلاص صلاح من شخصية الرسول المُسلم المُحافظ، تحاول الفرقة الثانية الضغط على الرجل أكثر ربما يخضع لرغباتهم وتضع زوجته نقابًا أو تكف عن ارتداء البناطيل مثلًا، وحينها يستطيعون القول أن معتقداتهم لا تمنع أحد من تحقيق كبرى النجاحات.

الفرقة الثالثة هي الأغرب على الإطلاق، إذ أنها ترى في ملبس زوجة صلاح أمر خاص بها لا ينبغي لأحد التدخل فيه، وكأن لها قرار مستقل عن زوجها وجماهيره.

صلاح وتريكة والسيسي والثورة

في تلك المنطقة الشائكة يُمكنك سماع دوى إطلاق الرصاص نحو سمعة صلاح من كل الأطراف، ومُجددًا لدينا 3 فرق.

الفرقة الأولى ترى أن صلاح مجرد أداة في أيد النظام خاصة بعد صورته الشهيرة في ضيافة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي داخل القصر الرئاسي، والتي أعقبها تبرع مالي كبير من اللاعب إلى صندوق تحيا مصر المحسوب على النظام الحالي، ولكن تلك الفرقة تراجعت قليلًا عن اتهاماتها لتُفسح المجال أمام الفرقة الثانية التي اتهمت اللاعب بالترويج للإخوان المسلمين بسبب علاقته القوية مع اللاعب المُعتزل محمد أبو تريكة، والذي يُعد هاربًا من جلسات المحاكم في مصر بعد شبهات اسثماره لأمواله مع بعض أفراد الجماعة المحظورة، وهكذا أصبح صلاح أول إخواني سيساوي يدعم الثورة والإنقلاب معًا..

فيما تغاضت الفرقة الثالثة عن مواقف صلاح من السيسي باعتبار أن لقاء اللاعب مع رئيس الدولة والتبرع لصندوق قومي أمر ليس بغريب إطلاقًا، بل وفعله أبو تريكة من قبل مع الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك أثناء حكمه.

إذًا حوصر محمد صلاح بسياج السياسة والدين والتفتح والثورة مرارًا ووصل به الأمر إلى نشر صورة اشتهرت كثيرًا حينها يظهر فيها وهو يقرأ كتاب بعنوان فن اللامبالاة، ربما كانت رسالة إلى كل تلك الفرق أو أنه كان يبحث عن الطريقة التي يطهو بها ”اللامبالاة“ على نيران المصريين غير الهادئة، لكن تغريدته الأخيرة قد تُفيد بأن اللامبالاة قد فسدت وبقي الضغط العصبي يُلازم النجم المصري في كل محطاته الآن.

نعم بعض مما ذُكر يحدث دائمًا مع كل المشاهير، لكنني أرى أن الدوافع مختلفة تمامًا، ولا أعتقد بأنني قد أكون بالغت إذا قلت بأن المصريين يعيشون حياتهم داخل جسد محمد صلاح، الأمر ببساطة أن الجميع يرى تكرار قصة نجاح صلاح شيء بالغ الصعوبة في ظل الظروف الحالية للمجتمع، لذا فقد قرر المصريون أن يعتبروا أنفسهم محمد صلاح وبالتالي يتوجب على اللاعب اتخاذ قرارات تشبههم، مثل تلك القرارات التي كانوا سوف يتخذونها إذا ما حققوا ما حققه هو، سأجعل زوجتي ترتدي كذا وكذلك ابنتي، إذا كنت محمد صلاح فلن ألتقط تلك الصورة وأيضًا هذا الكتاب لا يعجبني ربما عليه أن يكف عن قراءته..

فهل يخضع صلاح لأي من تلك الفرق ويجلس داخل جسده مستسلمًا للكائن الغريب يتولى قيادة الجسد؟

مقالات إعلانية