in

الطبيب العربي والمثلية الجنسية

الطبيب العربي والمثلية الجنسية

يعتمدُ الطبيب العربي في دراستِه على شتّى المراجع الغربية والعالميّة للحصول على المعلومة الصحيحة، وتحقيق أعلى الشهادات والدرجات الّتي تؤهّلُه من جهة للدراسة في أرقى الجامعات العالميّة؛ ومن جهة أخرى لِتضمن له مكاناً مرموقاً في بلده، بلده الذي يستورد المعلومات مقولبةً جاهزةً إلّا فيما ندر، ويفتقر إلى مراكز أبحاثٍ ودراساتٍ تكتسبُ مصداقيّةً موثوقة، لتجدَ أنّ الطب العربي لم يساهم بشيءٍ يستحقُّ ذكرُهُ على الصعيد العالمي.

هكذا الأمر بالنسبة لأطبائنا عندما يكون الأمر متعلقاً بكل ما يتمحور بالطب المعني بالإنسانِ كائناً وصحة، حتى تقعَ عيناه على مصطلح ”المثلية الجنسيّة“ في مراجعَ هي ذاتها التي يعتمد عليها في شتّى فروع الطب الأخرى —وإن لم تكن ذاتُها المراجع فهي على الأقل منسلخةٌ عن الجامعات نفسِها، تلك التي يعتمدُ عليها في دراسته ”مصدراً موثوقاً“.

في موضوع المثليّة الجنسية تتفحّص عينا الطبيب العربي تلك المعلومات والحقائق العلمية التي توصّلت إليها آخر الأبحاث والنتائج بعيونٍ فضفاضة مليئة بالاستغراب، كيف لهذه المعلومات أن تعتبر المثلية الجنسية أحد مظاهر التنوُّع الطبيعية وميلاً يولد به الإنسان؟ في صورة تتناقض مع تعاليم الاديان وتصويرها للمثليين ككائنات تبشّر باقتراب القيامة ونهاية الحياة.

يمسك المرجع بين يديه ويتأمله بغضب وحقد، هي معلومات تتناقض مع ما تلقاه في مادة ”الطب النفسي“ الّتي أشارت إلى المثلية الجنسية باضطراب ميولٍ عوامله ناتجة؛ إمّا عن غياب أحد الأبوين، أو اعتداء جنسي أو غيرها من المعلومات الّتي أكلَ عليها الدهر حتى شبع. فتأتيه نظرةُ الكبرياء تلك عن أخلاق الشعب العربي ومحاولات الغرب المستمرة لتشويه صورة هذه الشعوب المحافِظة بهدف نشر الانحلال الأخلاقي والسيطرة على مُقدّراتها الثمينة، أو أنَه قد يعتبرها وسيلةً لتبرير مبادئ الليبرالية وحقوق الإنسان فيقول في نفسِه ”خسئتُم… لا ولن نسمح بهذا الأمر، وكل مثليٍّ سيأتي إلى عيادتنا هو مريضٌ؛ وسنصف له بعض العلاجات الكفيلة بشفائه وعودته إلى جادّة الصواب.“

المفارقة فيما سبق – لو تمعّنا قليلاً – أن أطباءنا العرب لا يقاربون الأمور بهذه الطريقة إلا عندما يمسُّ الأمر معتقداتهم وأفكارهم المسبقة، غير محاولين الدخول في التفاصيل؛ بل حتى غير آبهين. هم حتّى لا يودون أن يسمعوا ما بحوزة الآخر ”نفسه الذي يعتمدونه مصدراً لمعلوماتهم“ من نتائج بهذا الخصوص.

في الحقيقة، كل ما سبق ليس هو المعضلة الكبرى، فالمعضلة في الحقيقة هي ذاك الإنسان المثلي الذي؛ ولسوء حظه، ولد في مجتمعٍ يعتبر المثلية لواطاً وسحاقيةً غيرَ آبهٍ بمشاعرِه، فيأتي مَن تربّى على هذه القيم حاملاً في نفسه حقداً شديداً على نفسه، معتبراً ذاتَهُ أحد الكائنات المبشّرة بنهاية الحياة. فلا يجدُ في طريقِه طلباً للمساعدة سوى الطبيب (الطبيب العام أو الطبيب النفسي بصورةٍ خاصة) فيتفنّن الطبيب العربي بفلسفة وحرام وحلال وأدوية وجلسات تخليج كهربائي يعتقد من خلالها أنّها ستستهدف هذه الميول و”تصحّحها“، حتّى ينهض ”المريض“ المثلي ويستنتج أن لا طائل من أي علاج وما عليه سوى أن يخبر طبيبه أنّه ”شُفي“، ليشقّ بنفسِه مسيرةَ حياةٍ ظاهرها ما يريده الآخرون أن يكون وسرّها هو ذاتُه الحقيقية، فيتزوّج من أنثى لا يحبها ولا ينجذب إليها وينجب منها أولادا (الأمر ذاته بالنسبة للأنثى المثلية على كل حال).

علينا – عزيزي الطبيب – قبل أن نرتجل حلولاً ستسهم في تدمير حيواتِ أشخاصٍ أن نقارب الأمور بصورةٍ علمية، فكيف بجلسات التخليج الكهربائي تلك أن تغيّر ميول إنسانٍ ما؟ هذا الأمر في الحقيقة يدل على قصور فهم فيما يتعلق بالميول الجنسية يعتبر الميل الجنسي هو انتصاب عضوٍ تجاه الجنس نفسِه أو الآخر؛ وهذا الأمر غير صحيح بتاتاً! الميل الجنسي هو حصيلة المشاعر والعواطف والأحاسيس الجسدية والنفسية التي يمتلكها شخصٌ تجاه آخر، بغض النظر عن جنسه. وولنعتبر اعتباطاً أنّ جلسات التخليج الكهربائي حقاً تُغيّر الميول الجنسية من مثلية إلى مغايرة، فهل ينطبق الأمر ذاته على الميول المغايرة فتنقلب إلى مثلية لو طبّقناها؟

أمّا بمقاربة الأمور المتعلقة بالعوامل النفسية والتربوية، فهل كل شخصٍ ولد بلا أب أو بلا أم سينقلب إلى مثلي/مثلية؟ إذا كان الجواب نعم فهذا يعني أنّ كل من فقد أباً أو أُمّاً هو مثلي/مثليّة، وإذا كان الجواب لا فهذا يعني أنّ هناك عوامل أخرى.

دعونا نفترض أنّ هذه العوامل الأخرى هي اعتداء جنسي، فمعنى ذلك أنّ كل من ليس لديه أب/أم وتعرّض لاعتداء جنسي هو مثلي/مثلية، أمّا إذا لا؛ فهذا يعني أنّه لا يزال هناك هناك عوامل إضافية.

دعونا نفترض هذه العوامل الإضافية تتعلق بتربية الأولاد على صورة ذكر أو أنثى، وأنّ المثليين منذ طفولتهم يُبدون خصائص نفسية تتعلق بالاتجاه إلى أنماط تختلف عن أقرانهم في الألعاب والثياب والتصرفات هي نتيجة تلك التربية. هل هذا يعني أنّ شغفي تجاه الرسم أو الموسيقى أو الغناء أو غيرها هو أيضاً نتيجة تربية الأهل على هذا النحو؟ أم أنّها صفة ظهرت فيّ دون سببٍ خارجي؟ بمعنى آخر: هل ربّاني أبي أو أمي أن أحبّ الرسم فرسمت؟ أو الموسيقى فعزفت؟ أم أنّها ظهرت لوحدها؟ فكم من موسيقي ورسّامٍ لم يعش ظروفاً مناسبة ولمعَ صداه! بالمقاربة ذاتها: هل يمتلك الطفل تلك الصفات المختلفة عن أقرانه لأنّ أبوَيه ربياه على نحوٍ معين أم أنّه خُلق هكذا على هذا النحو؟

هامش قبل الختام: إنّ مَن يدّعي أنّ الغرب يمتلك أجندته لينشر أفكاراً ”شاذة!“ فلماذا إذن المناهج العربية هي من تخفي ما توصّل إليه الغرب من نتائج في هذا الموضوع؟ ويُدرَّس منذ سنين كثيرة في ثانويّات وجامعات ألمانيا وأميركا وغيرها من الدول؟ إنّ مَن يمتلك أجندة في الحقيقة هو مَن لا يودُّ سماع الآخر لأنّه خائفٌ ممّا بحوزتِه.

في الختام لنتفكّر قليلاً بهذه الاسئلة، وإنني هنا لستُ بمحاولة أن أقنعكم بتعديل وجهة نظركم التي ربما نابعة من تقاليد أو دين أو حتى قرف، بل أدعوكم للتفكُّر مليّاً لتتقنوا مساعدةَ هذا الإنسان الذي يشعر أنه ابتلاء على المجتمع لنساعده على تجاوز هذا الشعور ويعيش بأمانٍ وسلام.

لمن يحب الاطلاع يمكنه مشاهدة الفيديو الوثائقي على الرابط الآتي.

مقالات إعلانية