in

أجل، أنا أخاف من الموت

الخوف من الموت

مع وجود عدد كبير من الناس حول العالم ممن يعتقدون بكون الموت مجرد مرحلة للوجود فقط — سواء كانت مرحلة انتقالية بين الوجود الفان والوجود الخالد في النعيم أو الجحيم، أو مرحلة انتقالية بين الحيوات المتعددة على شكل تقمص — فهناك كثير ممن يدعون أنهم لا يخافون الموت بل يجدونه أمراً جيداً حتى. وواحد من أفضل الأدلة على كلامي السابق هو العدد الكبير من المحاربين المتدينين عبر التاريخ وفي العصر الحالي واللذين لا يبالون بموتهم حقاً أو حتى قيامهم بعمليات انتحارية ضد أعدائهم.

لكنني، كما عديدون غيري، لا أدعي أنني تصالحت مع فكرة فنائي المحتم بعد، فمع كون الميثولوجيا لا تستهوي تفكيري فأفكار تعدد الحيوات والتقمص أو حتى الحياة الأبدية تبدو لي خيالية للغاية ونتاج محاولات (ناجحة للبعض) لإزالة الخوف من المجهول، الذي يقع بعد توقف القلب عن النبض والدماغ عن العمل.

أنا بالتأكيد لا أستطيع أن أجزم بشكل قاطع بعدم وجود أي شكل لوجود تالٍ للموت، لكن أستطيع أن أخمن أنه أكثر الأفكار منطقية بالنسبة لي على الأقل وفي النهاية فالمعتقدات هي نتاج تخمين لا معرفة مطلقة، حيث أن كل معرفة تحيط بها الشكوك والاحتمالات، لكن حتى مع افتراض أن فنائنا النهائي هو مجرد احتمال من الاحتمالات التالية لموتنا، ألا يكفي ذلك ليثير الخوف؟

الغرق اثناء الاستحمام

واحد من أفضل المحفزات للتصالح مع فكرة الفناء النهائي هي أننا طوال وقت طويل جداً، منذ الانفجار العظيم على الأقل، وحتى لحظة الولادة كنا غير موجودين، كنا جزءاً من اللاشيء ولا يبدو أن هذا كان سيئاً للغاية فهو لا يبدو أنه أزعج وجودنا الحالي، وكوننا سنعود للعدم مع موتنا فالأمر ليس بذلك السوء.

المشكلة هنا أن المحفز السابق ذكره يتناسى مداعبة فكرة الخلود لتفكير البشر (أو نسبة كبرى منهم على الأقل) فالبشر يريدون أن يستمروا ولا يرغبون بالوصول إلى النهاية، وهذا ربما أفضل المبررات لكون أفكار الحياة ما بعد الموت واحدة من أولى الأفكار التي ظهرت كنتاج للتفكير البشري، كما أنه يفسر تمسك البشر بالإنجاب للحفاظ على جزء من وجودهم في الحياة مقللين بذلك من خوفهم من الرحيل النهائي.

التفكير بالخلود يضع الشخص أمام مشكلة كبرى: إن كنت سأبقى للأبد بطريقة من الطرق، فما هو الشيء الذي يحدد وجودي لأكون خالداً باستمراريته؟ أنا لا أملك جواباً مقنعاً لهكذا سؤال، فجميع الإجابات تبدو خاطئة، فالخيارات تتراوح بين الجسد وطريقة التفكير والأفكار بحد ذاتها، لكن أياً مما سبق ذكره لا يستطيع تجديد وجودنا، ففي كل لحظة تمر تتغير اجسادنا بشكل من الأشكال وكل 7 أعوام نقوم بتبديل كل ذرة مكونة لأجسادنا، وبنفس الوقت فطرق تفكيرنا (وعينا) وأفكارنا بحد ذاتها متغيرة بشكل كبير عبر الوقت فلا أحد يحتفظ بنفس الأفكار أو أسلوب التفكير طوال حياته.

مع كون كل ما يعرّفنا كأشخاص هي مجرد متغيرات فنحن لا نستطيع أن ندرك تماماً ما الذي يحددنا، وبالتالي نبقى أمام خيارات محدودة للخلود، إما استمرار جيناتنا بالتكاثر (وهذا ما فعله البشر والكائنات الحية على حد سواء منذ تشكل الحياة على الأرض) أو ربما ترك إرث من نوع ما يبقي ذكرانا على الأقل عالقة ضمن الوجود مع رحيلنا النهائي.

بالطبع ففكرة الخلود الجيني أو الإرث الفكري ليست نهائية مع إدراكي أن الوجود البشري ووجود الحياة بحد ذاتها على كوكبنا آيل لنهاية محتمة في وقت ما، كما أنها لن تلغي الخوف من المجهول الذي يحمله الموت، ولو أنها تخفف من هذا الخوف أحياناً بشكل كافٍ يتيح لنا الاستمرار في حياتنا متجاهلين الأشياء التي ترعبنا حقاً.

مقالات إعلانية