in

دخلك بتعرف طاقة أبو الحرّ في السويداء

تقع مدينة السويداء، وهي عاصمة محافظة السويداء، في الجنوب السوري متاخمة للحدود الأردنية، إنها عاصمة واحدة من بين المحافظات الأربعة عشر السورية، وهي مدينة تتشكل تركيبتها السكانية أساسا من الدروز، ويشار إلى هذه المدينة من قبل البعض على أنها ”فنزويلا الصغرى“، ذلك أن 60 في المائة من سكانها قد ولدوا في فنزويلا لآباء مهاجرين ثم عادوا ليقطنوها، ومنه فهم يحملون جنسية مزدوجة: سورية-فنزويلية.

في هذه المحافظة المثيرة للاهتمام، تقع قرية تحمل اسم عيون على بعد 33 كلم جنوب عاصمة المحافظة، هذه القرية التي تحمل تاريخاً وتراثاً جعلها محط الكثير من الاهتمام والأنظار، وراح الناس يزورونها من كل بقاع سوريا ولبنان حتى.

يتعلق الأمر في قرية العيون بضريح شيخ فاضل يدعى الشيخ أبو الحر، ويقال أنه كان يعيش في هذه القرية منذ حوالي 400 سنة. في هذه المدينة اليوم هنالك مقام يحمل اسم هذا الشيخ، وهو عبارة عن بناء من الحجر الروماني القديم يتألف من ثلاثة غرف مبنية من الحجر الأسود ومبطنة بالرخام.

طاقة أبو الحر. صورة: موقع esyria

الغرفة اليسرى هي غرفة الضريح وهي مبنية بالحجر الأسود ومبطنة بالرخام كذلك ومعلقة عليها آيات قرآنية، وفي الغرفة اليمنى صور لشخصيات دينية وتاريخية، وفي الغرفة الوسطى يوجد باب يفضي إلى الخارج ومن الجهة الأخرى في الحائط المقابل له توجد الطاقة المشهورة موضوع مقالنا، وهي عبارة عن نافذة صغيرة عمقها 15 سنتمتراً، وطولها 38 سنتمتراً وعرضها 22 سنتمتراً وفوقها آية قرآية على لوح رخامي.

أحد الشباب يرينا بالقياسات التقليدية أبعاد طاقة أبو الحر. صورة: موقع esyria

بمكان ليس ببعيد عن الضريح، هنالك شجرة توت يقول عنها السكان المحليون أنها معمّرة، وأنها كانت موجودة منذ زمن صاحب المقام الشيخ أبو الحر، وعلى الرغم من أن خبراء الزراعة لم يتمكنوا من تحديد تاريخها بدقة، فإن الكثيرين يؤمنون أنها تبلغ من العمر على الأقل 400 سنة.

بجانب هذه الشجرة يوجد نبع مياه عذبة، تقول الروايات الشعبية المنتشرة في المنطقة بأن صاحب المقام كان يأكل من ثمار شجرة التوت تلك، وكان يشرب ويغتسل من مياه النبع المجاور لها، ومنه فهما مقدسان، ويعتقد الناس الآن أن لهما قدرات شفائية، فيقولون بأن من يغتسل بمياه هذا النبع يشفى من الأمراض الجلدية التي أصابته، وعلى إثر ذلك صار الكثيرون من المؤمنين بها يزورونها من سوريا وحتى لبنان.

عن مبنى المقام، يقول أكبر معمر في القرية، وهو الشيخ سلمان حمد الشومري، أن أصله كان بناءً رومانياً كان يقطنه الشيخ، ثم قبل مائة سنة من الآن، راح المبنى يتهاوى وحجارته تتناثر بفعل الزمن، فقام السكان المحليون بأخذ تلك الحجارة من أجل بناء منازلهم الخاصة، ولمصيبتهم سقط كل مبنى وتهدم كل سقف استخدمت فيه حجارة المبنى التاريخي، فأدرك السكان وفقاً للرواية بأنهم هنا بصدد التعامل مع مكان مقدس.

الشيخ سلمان حمد الشومري
الشيخ سلمان حمد الشومري. صورة: موقع esyria

ولاختبار الأمر راحوا يمرون بالقرب من المبنى المتهدم بماشيتهم ويقولون إن كان ساكنه إنساناً فاضلاً فليختر من الماشية أضحيته، فكانت خيرة الماشية من أبقار وخراف وماعز تشرد عن القطيع لتنام بجانب حائط المبنى الأثري، فكانت تُذبح باسمه وتقرباً منه. ثم عزم السكان على بناء ضريح لتكريم الشيخ أبو الحر، فبنوا له مقاماً في المبنى الذي كان يقطنه حول طاقته الشهيرة.

تقول الأسطورة أن الشيخ أبو الحر كان إماماً وقاضياً يحكم في الناس ويحل خصوماتهم ومنازعاتهم من خلال طاقته هذه، ويقال أنها بمثابة ”كاشف لأولاد الحرام“ بشكل خاص، حيث يعجز من هو ”ابن زنا“ أو ”ابن غير شرعي“ من عبورها للجهة المقابلة مهما كان حجمه.

يقول مختار القرية السيد معضاد الشومري أن الناس يأتون إلى طاقة الشيخ أبو الحر لاختبار نسلهم، أو للأكل من شجرة التوت المباركة، أو شرب مياه النبع أو الاغتسال بها، ويقول بأنه شهد بأم عينه رجلاً يبلغ من الوزن 115 كيلوغراماً يمر عبر الطاقة كما لو كان طفلا صغيراً، ويقول أنه رأى بأم عينه كذلك رضيعة لا تتجاوز السنتين عجزت عن المرور عبرها وفي عين المكان اعترفت أمها بخطيئتها.

طاقة أبو الحر من الداخل والخارج. صورة: صفحة مقامات ومزر بني معروف

كما يقول أن هناك امرأة عجوزاً تبلغ من العمر الآن 58 سنة وهي منذ صغرها تحاول المرور عبرها لكنها تفشل في كل مرة حتى الآن، مما يؤكد على أنها ”ابنة حرام“، وعلى الرغم من أن أبناء القرية ساندوها ودعموها بقولهم بأنها ليست هي المذنبة بل والدتها، لكنها ما زالت مصرة على تجاوز هذا الامتحان.

يرى السكان المحليون في هذه النافذة الأثرية محكمة عادلة لا تضاهيها عدالة أي محكمة أخرى في العالم، ويوافقهم الرأي مختار القرية بقوله: ”تعد هذه النافذة معجزة إلهية لأن الناس قد يشهدون زوراً وبعضهم يقسم يميناً كاذباً، ولا يمكن اكتشاف الحقيقة إلا من خلال هذه المحكمة، لأنها عادلة لا ترتشي ولا تقبل التوسّط بينها وبين المتهم، كما هو الحال في محاكمنا، ولذا هي أصدق من المحاكم العصرية والتحاليل الطبية“.

أما الشيخ المعمر في القرية سلمان الشومري، فلم يتوانَ بالقول بأن في أمر تجاوز النافذة والعبور من خلالها بعض الحيلة، غير أنه لم ينف التصديق بقدراتها الخارقة للطبيعة، فقال: ”إن للمرور من الطاقة فن، لذا من يجهل طريقة المرور قد يفشل، والطريقة هي أن يلج الشخص الطاقة بوضعية جانبية ويمرر يده وكتفه فرأسه في البداية ثمّ بقية الجسم، وأذكر أن لحّاماً وزنه 105 كغ وآخر 110 استطاعا المرور منها بسهولة لأنهما اتبعا هذه الطريقة“.

مقالات إعلانية