in

دخلك بتعرف تاريخ وأهمية قلعة الحصن السورية؟

قلعة الحصن في سوريا

تعد قلعة الحصن (أو حصن الأكراد أو الكرك والمعروفة باللغة الفرنسية باسم Krak des Chevaliers) هي قلعة في سوريا تم بناؤها في الأصل من قبل أمير حمص شبل الدولة نصر المرداسي في عام 1031 ميلادي، ليتم الاستيلاء عليها وإعادة بنائها بشكل شبه كامل من قِبل الفرقة العسكرية الصليبية فرسان الإسبتارية (فرسان المشفى) في عام 1144. تعتبر أكبر قلعة صليبية في الشرق الأوسط وحصنًا استخدم ضد توسع الدويلات الإسلامية خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، ويتم اعتبار القلعة اليوم أحد مواقع التراث العالمي على لائحة منظمة اليونسكو.

الموقع والأهمية

تم بناء القلعة، التي تقع على تضريس طبيعي مرتفع بالقرب من ساحل سوريا بين طرطوس وحمص، في الأصل من قبل أمير حمص في 1031 ميلادي لمراقبة الطريق بين الساحل والداخل على موقع تحصين سابق أقدم منها يُعتقد أنه أقيم من قبل الفراعنة عندما غزوا سوريا بقيادة رمسيس الثاني في القرن الخامس عشر قبل الميلاد. بعد هزيمة الأمير، أُعطيت القلعة لفرسان الإسبتارية في عام 1144 على يد (ريموند الثاني) كونت طرابلس (الذي حكم في الفترة من 1137 إلى 1152)، بحيث يمكن تجهيزها بشكل كافي وبالتالي توفير غطاء مفيد للحدود الشرقية لمقاطعة طرابلس، إحدى الولايات التي أنشأها الصليبيون والتي شكلت الشرق اللاتيني من بلاد الشام على الأرجح.

كانت القلعة واحدة من أهم 25 قلعة امتلكها فرسان الإسبتارية الذين كان مقرهم الرئيسي في القدس ثم انتقل لعكا منذ عام 1191. تم توسيع قلعة الحصن بإضافة جدار دفاعي خارجي جديد، ما جعلها أحد أهم معاقل المنطقة.

تقع القلعة فوق وادٍ شديد الانحدار أعلى ممر حيوي يسمح بالعبور المباشر من الساحل إلى السهول الداخلية لسوريا، وقد ساعدت القلعة كنقطة استراتيجية في السيطرة على المنطقة المحيطة، ونظرًا لأنها توفر منزلاً دائمًا لحامية قوات الحملة الصليبية، فقد شكلت تهديدًا عسكريًا لأي جيش يمر عبر المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، تضمنت المنطقة الواقعة تحت حماية القلعة أراضي الطائفة المسلمة الحشاشين، الذين قاموا بناءً على ذلك بدفع جزية سنوية للفرسان.

في أفضل حالاتها، استوعبت القلعة حوالي 2000 شخص بين مشاة وأخصائي القوس والنشاب ومرتزقة وفرسان، على الرغم من أن العدد الفعلي لفرسان المشفى كان أقل من 60 وفقًا لسجلات يرجع تاريخها إلى عام 1255. كانت قلعة الحصن المهيبة موقعًا حاسمًا فيما يخص الدفاع العام عن الشرق المسيحي في القرن الثاني عشر والثالث عشر الميلادي، ولم تكن بعيدة عن مدينتي حمص وحماة اللتين يسيطر عليهما المماليك، والتي شُنّ عليها عدة غارات خلال النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي. تظهر قوة الفرسان في استخدام القلعة بتعطيل خطط التوسع الإسلامية كما ذكر المؤرخ المسلم ابن الأثير ووصف آمر القلعة في عام 1170 على النحو التالي: ”رجل نال بشجاعته شأنًا عظيمًا وكان أشبه بشوكة عالقة في حلق المسلمين.“ (مقتبس من Nicolle, 21)

أبراج القلعة، قلعة الحصن من قبل برنارد غانيون (CC BY-SA)
أبراج القلعة، قلعة الحصن. صورة: برنارد غانيون

ميزات التصميم

تم بناء القلعة وفقًا لأحدث تقنيات التصميم في القرن الثاني عشر والثالث عشر الميلادي للاستفادة من أقصى إمكانياتها، وبالتالي فإن النسخة النهائية من القلعة الصليبية تكونت من جدران متحدة المركز على شكل دائرة خارجية مع أبراج مطلة مدمجة وجدار داخلي، بالإضافة لعدد من الأبراج الأخرى. أمنت الأبراج المطلة للخارج خطًا لإطلاق السهام على الجدران المجاورة في حال اقتربت قوة مهاجمة في أي وقت، وكان من المفترض أن تكون الأبراج الدائرية أكثر قوة وتحصيناً ويمكن لها أن تحرف القذائف التي تطلق من المقاليع المهاجمة بشكل أفضل. وبالمثل قدم الارتفاع المتفوق للجدار الداخلي مقارنةً بنظيره الخارجي وسيلة ممتازة لإطلاق السهام وسواها على العدو، في حال خرق خط الدفاع الأول. وعلى الجانب الجنوبي، كانت هناك حماية إضافية بوجود خندق عريض بين هذين الجدارين.

صُنعت الجدران الخارجية من الحجر الجيري على نحو سلس قدر الإمكان لجعل تسلقها أكثر صعوبة، ولأن الهيكل كله مبني على منصة طبيعية من الصخور الصلبة، كان هناك خطر ضئيل من حفر جنود العدو تحتها. وفرت الأسوار ذات الفتحات المخبأة والنوافذ الضيقة لرماة السهام المدافعين حماية إضافية عند استهدافهم المهاجمين بأقواسهم. على الرغم من الدفاعات الهائلة التي تملكها القلاع، إلا أن تكتيك المعركة الرئيسي كان في الواقع هجوميًا حيث يقوم سلاح الفرسان المدرع بشن غارات وطلعات خاطفة على العدو، حتى عندما تكون القلعة تحت الحصار.

لذلك كانت البوابة الرئيسية واحدة من أضعف النقاط في أي قلعة، وقد تم إيلاء الكثير من التفكير والجهد في قلعة الحصن لضمان السلامة الدفاعية للقلعة. أولاً، وجود ممر طويل مغطى بجدران ذات نوافذ مائلة لإطلاق السهام، ثم تم إجبار المهاجمين على الإبطاء من حركتهم من خلال الاضطرار إلى عبور طريق منحدر مائل على زوايا يمنى ثلاث مرات قبل الوصول إلى مجموعة من أربع بوابات محمية بواسطة شعريات التحصين الحديدة. تم الاعتماد على بوابات وفتحات أصغر حول القلعة كوسيلة للهروب، حيث يمكن أن يمر منها رجل واحد فقط في الوقت ذاته، وستجد هذه البوابات في أنحاء غير متوقعة من الجدران الدائرية.

قاعة الفرسان في قلعة الحصن من هاي كونتراست (CC BY)
قاعة الفرسان في قلعة الحصن. صورة: هاي كونتراست

كان يوجد في الفناء الداخلي للقلعة قاعة اجتماعات كبيرة واستراحة ودير مجهز يمتد على جانب واحد من الفناء الرئيسي. تواجد عدد من الاسطبلات لفرقة فرسان القلعة وغرف خاصة فاخرة لكبار الأعضاء. تحوي غرف آمر قلعة الحصن، التي تقع في أحد الأبراج الداخلية الجنوبية الغربية، على قبو مضلع وتم نحتها بعناية شديدة بأفاريز وأحرف حجرية مزخرفة، كما تمت زخرفة مصلى القلعة بزخارف جميلة على شكل لوحات جدارية. يعود تاريخ اللوحات الجدارية الباقية حتى الآن إلى أوائل القرن الثالث عشر الميلادي، حيث تُظهر الحياة الدينية والعسكرية اليومية لأعضاء نظام فرسان الإسبتارية.

لمحة تاريخية

ضرب المنطقة زلزال في 29 يونيو 1170، مما ألحق أضرارا بالعديد من القلاع القريبة، بما في ذلك قلعة الحصن. وقع زلزال آخر في عام 1202 دمر جزءاً من القلعة، وربما حينها انتهز الفرسان الفرصة لإعادة تصميمها وإضافة جدران وأبراج متحدة المركز.

قاومت القلعة حصارًا قصيرًا من صلاح الدين، سلطان مصر وسوريا (حكم من 1174 إلى 1193)، في يوليو 1188، الذي قرر بعد ذلك سحب جيشه وانتظر القوات القادمة من الحملة الصليبية الثالثة (1189 إلى 1192). على الرغم من كونها قاعدة آمنة خلال النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي، إلا أن القلعة لم تكن عصية على الهجمات، فقد شن السلطان الأيوبي المصري الكامل ناصر الدين محمد (حكم في الفترة من 1218 إلى 1238) غارة في عام 1228 على سبيل الانتقام من غارات الفرسان الإسبتارية على حماة.

مصلى صغير مقنطر، قلعة الحصن بواسطة Bgag (CC BY-SA)
مصلى صغير مقنطر، قلعة الحصن.

في عام 1271 سقطت القلعة والمنطقة، بشكل عام، على يد قائد المماليك، سلطان مصر وسوريا، الظاهر بيبرس (الذي حكم من عام 1260 إلى 1277). وصل بيبرس إلى قلعة الحصن في 21 فيفري وبدأ بمهاجمة القلعة في 3 مارس. بعد تأخير أولي ناتج عن هطول أمطار غزيرة، بدأ السلطان بقصف جدران القلعة بالمجانيق في 18 من مارس. بذلك عرّض المسلمون القلعة لأضرار بالغة وخرقوا أحد الأبراج الخارجية، لكن هذه كانت دفاعات القلعة الخارجية فقط، إذ استغرق الأمر أسبوعين آخرين لاختراق الجدران الداخلية. بمجرد دخولهم ذبح المهاجمون الفرسان الباقين، لكن حتى ذلك الحين صمدت قوة صغيرة لمدة عشرة أيام أخرى في أكبر برج في الجدار الداخلي.

أخيرًا وفي 8 أبريل من عام 1271 استسلم آخر المدافعين، ربما بعد تلقي خطاب مزور من آمر الفرسان في عكا يأمرهم بذلك. أولئك الذين استسلموا قوبلوا بممر آمن إلى طرابلس، فأصبحت بذلك قلعة الحصن الجبّارة في أيدي المسلمين.

غادر فرسان الإسبتارية بعد فترة وجيزة الشرق الأوسط وانتقلوا إلى مقر جديد في قبرص في عام 1291، وفي الوقت نفسه أعاد بيبرس بناء وترميم الأضرار التي ألحقتها قواته بالقلعة وجعلها مقر قيادته في سوريا. كما استفاد السلطان من أسلحة وعتاد القلعة بالكامل، وأخذ المنجنيق الضخم المسمى ”المنتصر“ معه إلى عكا في حملته المستمرة للسيطرة على بلاد الشام.

تاريخ القلعة اللاحق غامض، لكن يبدو أنه تم إهمالها إلى حد كبير، عانت القلعة في الآونة الأخيرة من أضرار غير محددة ولكن محدودة فيما يبدو أثناء الحرب الأهلية السورية من 2011 إلى 2014، لكنها لا تزال واحدة من أفضل وأقوى القلاع في العصور الوسطى حول العالم، وكما يلخص المؤرخ (توماس أسبريدج) بكلامه:

يمكن القول إن القلعة هي النصب الأكثر أهمية من العصر الصليبي. تظهر الأعمال الحرفية منقطعة النظير من الحجر الجيري، الذي يمتاز بجمال أنيق فعليًا، في نفس التفاني في الدقة الفائقة والتميز المعماري الذي شهدته الكاتدرائيات القوطية الضخمة التي شيدت في أوروبا الغربية في نفس الفترة.

مقالات إعلانية