in

لماذا تريد كتالونيا الإنفصال عن إسبانيا؟

من المظاهرات المطالة بالاستقلال في كتالونيا
من المظاهرات المطالة بالاستقلال في كتالونيا

في حال كنت تتابع الأخبار السياسية أو حتى الرياضية بشكل منتظم فأنت قد سمعت على الأرجح بالمطالب الكتالونية للانفصال عن البلد الأم إسبانيا، وبالاستفتاء الذي أجرته الحكومة الكتالونية وسط اضطرابات كبيرة مؤخراً وخرج بنتيجة أن 90% من المصوتين يرغبون بالانفصال عن اسبانيا وتكوين جمهورية كتالونيا المستقلة، خصوصاً مع كونهم يمتلكون لغتهم الخاصة وثقافتهم المختلفة وحتى مطبخهم المميز، مما يعطيهم إلى حد بعيد تعريف القومية الواحدة المتمايزة نوعاً ما عن باقي القوميات الإسبانية.

بالطبع، فمعظم المتابعين العرب لا يعرفون الكثير عن إسبانيا في الواقع، وما هو معروف عنها بالدرجة الأولى هما ناديا ريال مدريد وبرشلونة (عاصمة إقليم كتالونيا الحالي) لكرة القدم، وعدا عن ذلك فالمعلومات عادة تقف عند مصارعة الثيران والاحتلال الإسلامي للبلاد وتسميتها ”الأندلس“ وربما ”قناع زورو“ بأفضل الحالات، لذا فسماع المطالب الانفصالية للكتلان قد يبدو أمراً غريباً أو على الأقل غير مفهوم الأسباب، لكن بمراجعة قصيرة لتاريخ المنطقة من الممكن تفهم الأمر بشكل أفضل وسبب هذا التوجه وحتى التنبؤ ببعض النتائج الممكنة في حال حدوث الانفصال حقاً.

تاريخ كتالونيا

خريطة توضح موقع كتالونيا ضمن إسبانيا
خريطة توضح موقع كتالونيا ضمن إسبانيا

في التاريخ القديم شكلت كتالونيا جزءاً من العديد من الإمبراطوريات المتعاقبة ولعل أهمها الإمبراطورية الرومانية الغربية ومن ثم مملكة القوط الغربيين (مملكة تولوز – نسبة للعاصمة حينها، مدينة تولوز الفرنسية) حتى وصول المسلمين واحتلال الإقليم عام 718.

لكن على عكس باقي أجزاء شبه الجزيرة الإيبيرية، سرعان ما انسحب المسلمون من الإقليم الذي أصبح لاحقاً جزءاً من إمبراطورية الفرنجة (Frankish Empire)، وباتت حدوده الجنوبية منطقة عازلة بين الفرنجة والمسلمين ليتشكل أول حاجز يفصل كتالونيا عن باقي شبه الجزيرة حينها.

الاستقلال الأول لكتالونيا

أثناء حكم الفرنجة، كانت المنطقة تقع تحت سيطرة كونت مدينة برشلونة الذي كان يتبع للملك الفرنجي، لكن في عام 987 رفض الكونت الاعتراف بسلطة ملك الفرنجة معلناً في الواقع عن استقلال كتالونيا (التي لم تكن تحمل الاسم بعد) تحت حكم الكونتات البرشلونيين، ومع أن المنطقة بقيت مستقلة منذ ذلك العام، فاسم كتالونيا لم يتم تأريخ أي ذكر له لوصف المنطقة حتى عام 1117.

على أي حال فهذا الاستقلال لم يدم بعد ذلك بكثير حيث اتحدت كتالونيا مع مملكة آرغون (Crown of Aragon) عام 1137، ومع أنها بقيت تتمتع بدرجة عالية من الحكم الذاتي فهي لم تكن مستقلة حقاً، وبعد هذا التاريخ لم يشهد الإقليم أي استقلال حقيقي للحكم.

فترة الاتحاد مع مملكة آرغون امتدت لوقت طويل نسبياً حتى عام 1714 لكن هذا الوقت الطويل لم يعني الاستقرار في الواقع، فمع أن الفترة الأولى كانت مزدهرة من حيث الانتقال من الحكم المطلق إلى نوع من الديموقراطية والحد من السلطة الملكية بوجود محكمة تمتلك الكثير من الصلاحيات.

الفترة اللاحقة لم تكن بنفس الحال وبدأت معايير السلطة في كتالونيا تنحاز لخارجها مما أدى إلى عدة ثورات وحروب أهلية تم إخمادها بالقوة، ومع انتهاء حرب الخلافة الإسبانية عام 1714 سقطت برشلونة وأصبحت جزءاً من التاج الإسباني الموحد ضمن المملكة الإسبانية الحديثة، وبذلك انتهى الحكم الذاتي لإقليم كتالونيا.

العصر الحديث والمملكة الإسبانية

استمرت الحركات المطالبة بحكم ذاتي لكتالونياتحت حكم التاج الإسباني، ويمكن تأريخ بدايتها منذ بداية التاج الإسباني الحديث عام 1714 عند سقوط برشلونة، لكن عبر العقود؛ لم يتمكن الكتلان من تحقيق أي تقدم في مساعيهم حتى عام 1932 حيث أعلن قادة المنطقة الانفصال وتشكيل جمهورية كتالونيا، لكن الاستقلال لم يتم بشكل كامل بل استبدل بموافقة الحكومة الإسبانية على منح الإقليم الحكم الذاتي، مما أعطى الكتلان الكثير من الإستقلالية التي سعوا لأجلها.

على أي حال، فهذا الحكم الذاتي والمكاسب لم يدم لوقت طويل حقاً، فمع وصول الجنرال فرانكو للسلطة في إسبانيا ألغي الحكم الذاتي وانعكست الأمور نحو الأسوأ بشكل كبير للكتلان، فحكومة فرانكو حاربت الكتلان بقوة مفرطة، وتحت حكم فرانكو الدكتاتوري تم التضييق على المؤسسات الكتلونية واللغة والثقافة والفكر القومي عموماً، وضمن هذا الضغط الحكومي قتل الآلاف ونفي الكثير من الكتلونيين ولم يعد الأمر للتحسن حتى انتهاء الدكتاتورية بوفاة فرانكو عام 1975.

عادت المطالب الكتالونية بالحكم الذاتي بعد وفاة فرانكو، وبحلول عام 2006 أعطت إسبانيا الحكم الذاتي والتحكم المالي الكامل لحكومة كتالونية شبه مستقلة عن إسبانيا، لكن هذا القرار سقط لاحقاً عام 2010 عندما حكمت المحكمة الدستورية بعدم شرعيته وبأنه مع أن الكتلان هم قومية، فكتالونيا ليست بلداً مستقلاً.

حالياً يحكم الإقليم من قبل حكومة كتالونية محلية مع أحزاب سياسية وبرلمان مستقل عن البرلمان الإسباني وسلطة كبيرة في المجال المالي، خصوصاً مع كون الإقليم هو أثرى مناطق إسبانيا حيث ينتج 20% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد ويحتوي على 16% من السكان، ومع كون الحكومة حالياً مكونة من مجموعة من الأحزاب الانفصالية فقد تم الترتيب لاستفتاء (لم تعترف به الحكومة الإسبانية وحاولت منعه) لاستقلال كتالونيا من عدمه.

لماذا قد يريد الكتلان الاستقلال عن إسبانيا؟

الأمر في الواقع يعود لعاملين أساسيين، فمع كون الإقليم مستقلاً سياسياً وإدارياً فلا يوجد أسباب تتعلق بالسلطة بشكل رئيسي، لكن الأمر يعود للاتجاه القومي من ناحية وللوضع الاقتصادي من الناحية الأخرى:

– الاتجاه القومي:

الهلم الظاهر في الصورة هو العلم القومي للإقليم ومن الممكن ملاحظته ضمن شعار نادي برشلونة في الزاوية اليمينية العليا كذلك
الهلم الظاهر في الصورة هو العلم القومي للإقليم ومن الممكن ملاحظته ضمن شعار نادي برشلونة في الزاوية اليمينية العليا كذلك.

يعرف معظم الكتلان عن أنفسهم ككتلونيين قبل أن يكونوا إسبانيين، ويعتبر العديد منهم أنفسهم كتلونيين فقط ولا يعترفون بكونهم إسباناً أصلاً، ويمكن ملاحظة الأمر من كون اللغة الكتالونية هي اللغة الرسمية في الإقليم، حيث تبقى اللغة الإسبانية لغة ثانوية ولو أنها رسمية، ومع التاريخ الحافل للاضطرابات بين كتالونيا وإسبانيا وأهمها الاضطهاد الكبير من قبل حكومة فرانكو، فلا يزال القوميون الكتلان متخوفون من تكرار التجربة القمعية مجدداً ويرون الإسبان كقومية مضطهدة لهم.

القومية الكتلونية متغلغلة في مختلف مناحي الحياة في الإقليم، والتيار القومي مهيمن إلى حد كبير ويركز على التميز عن الإسبان بكل شيء بداية من اللغة حتى التقاليد والألبسة والطعام وكرة القدم، فمع أن تصوير الموضوع على شكل صراع بين ناديي برشلونة وريال مدريد هو تسخيف لها ولأبعادها بالطبع، فجزء كبير من المنافسة والعداوة حتى بين الناديين الأهم في إسبانيا تنبع من كون أحدهما هو النادي الملكي للعاصمة الإسبانية والآخر هو نادي عاصمة الإقليم الساعي للانفصال، وهذا ما يؤدي إلى كون الرياضة واحدة من الأمور التي يتجلى فيها الشرخ بين الكتلان والإسبان إلى حد بعيد.

– الوضع الاقتصادي:

مدينة برشلونة
بفضل موقعها الجغرافي ومينائها الكبير لا عجب بكون مدينة برشلونة المدينة الأقوى اقتصادياً في إسبانيا.

مع أن إسبانيا واحدة من الاقتصادات الكبرى في أوروبا والعالم، فهي في مرحلة عصيبة اقتصادياً في السنوات الأخيرة مع تراجع وانحدار لاقتصادها وحاجتها للمساعدات الأوروبية كونها أحد الأعضاء الأوائل ضمن الاتحاد. هذا الأمر يجعل فكرة الانفصال تبدو مجدية اقتصادياً من وجهة نظر الأحزاب الانفصالية، فالإقليم يتضمن تجمعاً كبيراً للصناعات الكيميائية والغذائية والسياحة بحيث يشكل المحرك الأكبر للاقتصاد الإسباني، ومع كونه ينتج 20% من ناتج إسبانيا المحلي ويتضمن 16% من السكان، فهو بحال اقتصادي أفضل من بقية أجزاء البلاد في الواقع.

تفوق الإقليم الاقتصادي جعل الانفصاليين يستغلون ناتج الإقليم لتأييد مساعيهم بالقول بأن الإقليم يعطي للحكومة المركزية من الضرائب أكثر مما يحصل عليه كمخصصات للموازنة العامة، مما خلق فكرة بكون الإقليم يجر عبئ باقي البلاد على عاتقه وبالتالي فانفصاله عن إسبانيا سيزيد من قوته المالية والاقتصادية ويضعف القوة الاقتصادية لإسبانيا، ومع أن الجزء الثاني من هذا الادعاء صحيح، فالجزء الأول هو مجرد افتراض غير مبني على حقائق والأدلة تشير إلى عكسه في الواقع.

سأشرح لاحقاً لماذا قد يكون انفصال كتالونيا أسوأ لها اقتصادياً من البقاء، لكن واقع أن الغالبية العظمى من الأشخاص لا يفهمون مبادئ الاقتصاد وارتباطه الكبير بالسياسة فهذا يعني أنه بإمكان السياسيين الكتلان إقناع مؤيديهم بجدوى الإنفصال بشكل مشابه ربما لما حدث قبل عام من الآن عندما انفصلت المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي وبدأ اقتصادها بالتراجع بشكل كبير، حتى قبل إتمام الإنفصال على عكس ادعاءات السياسيين الداعين للإنفصال قبلها.

الإستفتاء على الإستقلال ونتائجه الحالية

مشهد من الصراع بين المتظاهرين والشرطة الإسبانية التي حاولت إيقاف الاستفتاء.
مشهد من الصراع بين المتظاهرين والشرطة الإسبانية التي حاولت إيقاف الاستفتاء.

كون الأحزاب الانفصالية هي التي تحكم إقليم كتالونيا حالياً فهذا لا يعني أنها الوحيدة في الساحة السياسية، فوفق الإحصاءات السابقة؛ أكثر من 40% من الكتالونيين يرفضون الانفصال عن إسبانيا لأسباب متعددة تبدأ من الناحية الاقتصادية وتمتد إلى المخاوف من نمو النزعة القومية والكره تجاه المختلفين، بل وحتى القيود التي ستفرض على مواطني الإقليم في حال استقلاله وطبيعة علاقته مع إسبانيا ومع الاتحاد الأوروبي ككل.

عند أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار يجب الإشارة أيضاً إلى أن الأحزاب المعارضة للإنفصال كانت قد قاطعت الإستفتاء أصلاً ورفضت الإشتراك فيه، مما يجعل نسبة 90% التي أعلنت عنها الحكومة الكتالونية بعيدة عن أن تعبر عن رأي الشارع بأكمله ربما.

كانت الحكومة الكتلونية قد أعلنت عن الاستفتاء ونيتها بالإنفصال سابقاً وسط ردود فعل سلبية من الناحية الإسبانية وموقف صامت (لكن منحاز لجانب إسبانيا من الاتحاد الأوروبي)، ومع اقتراب الإستفتاء اتخذت السلطات الإسبانية إجراءات أكثر حزماً وأرسلت قوات الشرطة من المقاطعات والأقاليم الأخرى في محاولة لإيقاف الاستفتاء ومنع حدوثه أصلاً، أدى هذا الأمر إلى اشتباك مع المصوتين الذين نزلوا إلى الشارع للاحتجاج على موقف الحكومة الإسبانية مما أدى إلى تطور الأمر للضرب بالهراوات وإطلاق الرصاص المطاطي وإعادة صورة حقبة حكم الدكتاتور فرانكو إلى أذهان الكتلان ربما.

على أي حال، فالاستفتاء تم وصدرت نتائجه بكون 90% من المصوتين صوتوا لصالح الاستقلال مع كون الحكومة الكتالونية المصدر الوحيد للنتيجة مع غياب أي جهات حيادية مراقبة للاستفتاء. أدت نتيجة الاستفتاء إلى تصريحات حكومية من كتالونيا تدعو لعقد البرلمان الكتالوني يوم الإثنين القادم لإعلان استقلال كتالونيا تماماً، فيما أن الرئيس الكتالوني قال أنه يرغب بوجود وساطة بين الطرفين لحل الأزمة مع كون الطر الإسباني غير مستجيب ويطالب بـ”عودة كتالونيا إلى القانون“ كشرط للقبول بأي مفاوضات أو وساطات.

تسبب الإضطراب بين الطرفين حالياً بخسائر اقتصادية كبيرة، وهبطت مؤشرات الاقتصاد الإسباني بحوالي 2.7% دون حتى إعلان الاستقلال، بينما عانت البنوك والشركات التي تمتلك مقراتها الرئيسية في برشلونة من هبوط حتى 7% مما يجعل هذه الأزمة أمراً مؤثراً للغاية وقد يؤثر على أوروبا ككل من الناحية الاقتصادية قبل الناحية السياسية، خصوصاً مع كون إسبانيا بالكاد كانت قد بدأت بالتعافي من أزمتها الاقتصادية.

ماذا يمكن أن يحدث الآن؟

توقع ما سيحدث وسط الظروف الحالية أمر صعب بالتأكيد، لذا فأي سيناريو هو محتمل في الواقع، لكن هناك بعض السيناريوهات الأكثر ترجيحاً وتنقسم إلى 3 فئات حسب شدة تأثيرها:

1. الحل الأكثر تفاؤلاً: تسوية بالتراضي بعد المفاوضات

أفضل الحلول الممكنة سواء للإسبان أو الكتلان هو إجراء مفاوضات بين الطرفين لتحديد وضع الإقليم ضمن إسبانيا والتخلي عن الاستقلال التام مقابل صلاحيات حكم ذاتي أكبر ربما، أو سيطرة كاملة من إدارة الإقليم على شؤونه المالية وجني الضرائب.

بالطبع فهذا الحل لن يكون دون تأثيرات سلبية، فعلى الأرجح أن الاحتجاجات والمظاهرات ستستمر من قبل القوميين الكتلان الراغبين بالانفصال بأي ثمن، وبالنتيجة فسيستمر الاقتصاد بالمعاناة لفترة من زمن ريثما يعود الاستقرار ويعود المستثمرون للتشجع على الاستثمار في الصناعة في إسبانيا.

قد يبدو الأمر كتنازل من قبل الكتلان ظاهرياً على الأقل، لكن في الواقع هو لمصلحتهم تماماً، حيث سيتيح لهم الاستفادة من وضع إسبانيا كدولة ضمن الاتحاد الأوروبي وبالتالي ضمن اتفاقيات التجارة الحرة، بينما انفصالهم من شأنه أن يتسبب بعزلة تجارية واقتصادية وانهيار اقتصادي بشكل شبه مؤكد خصوصاً مع موقف الاتحاد الأوروبي المؤيد للاتحادات والمعارض تماماً للانفصال (ولو لم يكن يصرح بذلك حالياً في حالة كتالونيا).

2. الحالة العنيفة: فرض الحكم المباشر

في حال رفض الكتلان البقاء ضمن إسبانيا ولم يقدموا أي تنازلات فالموقف الإسباني هنا ليس متساهلاً أبداً، فقد صرحت العديد من الشخصيات الكبرى في الحكومة الإسبانية بأن إبقاء أراضي المملكة موحدة هو أمر أساسي ومن الأولويات الأهم، كما أن الحديث عن فرض ”حكم مباشر“ على الإقليم في حال تمرده لم يكن أمراً مستبعداً بل تم الحديث عنه لمرات عدة، ولو أنه لم يتضح حتى الآن ما بيعة هذا الحكم المباشر ومدى تأثيره وقدرته.

يعني هذا السيناريو؛ وحتى في أفضل حالاته، تدهوراً سياسياً وبالتالي تدهوراً اقتصادياً أيضاً في البلاد التي تعاني أصلاً من آثار ركود اقتصادي وكساد على نطاق واسع لم تبدأ بالتعافي منه حتى مؤخراً، فالناحية الأمنية لن تكون مستقرة مع كون هكذا تصرف سيحرض القوميين الإنفصاليين الكتلان على المزيد من العمل ضد الحكومة الإسبانية، بما قد يتطور إلى أعمال عنف أو حتى أعمال إرهابية من قبل جماعات متطرفة على غرار نشاط منظمة ETA الإرهابية في إقليم الباسك سابقاً.

3. الحالة الأسوأ اقتصادياً: إتمام الانفصال

ذكرت سابقاً أن الانفصال حقاً من شأنه أن يحطم اقتصاد كل من إسبانيا وكتالونيا نفسها بشكل أكبر، ومع أن القادة السياسيين يتذرعون بالحجة الاقتصادية للإنفصال؛ فالحقائق تشير بالاتجاه المعاكس: لن يجلب الإنفصال سوى الإنحدار الإقتصادي فقط، وهنا لن أطلب من أحد الوثوق برأيي بل هناك أمور تدل بقوة إلى الضرر الذي سيتسبب به الإنفصال على الكتلان.

ففي حال بقي الكتلان ضمن وضعهم الإقتصادي الحالي من ناحية الاستثمارات الخارجية (التي تشكل مصدر الرخاء الأساسي للمنطقة) والعلاقات التجارية مع أوروبا وباقي إسبانيا، فالإقليم سيكون أفضل حالاً من الآن، لكن الأمور ليست بهذه البساطة وانفصال الإقليم سيضعه في وضع سياسي سيء داخلياً (من حيث كون نسبة كبيرة من الكتلان والإسبان المقيمين في الإقليم رافضين للتقسيم) وسيء خارجياً (من حيث موقف الاتحاد الأوروبي الرافض بشدة للتقسيم والذي سيحاول جعل أوضاع كتالونيا مثالاً لمنع الأقاليم الأخرى من الانفصال عن بلدانها)، فكل من ألمانيا وفرنسا مثلاً تتضمنان أقاليم ذات ميول انفصالية أو لها نزعة قومية زيادة على الأقل، وانفصال كتالونيا سيشجعها على الانفصال كذلك، وهو أمر لا يصب في مصلحة أي من القوى الأوروبية التي تريد الاستمرار بالاتحاد.

خسارة الإقليم للعلاقات الوثيقة مع الاتحاد الأوروبي لن يكون بالأمر الجيد، فالوجود ضمن الاتحاد يعطي الدول الأعضاء أفضلية كبيرة في تسويق منتجاتها بسبب التجارة الحرة بين الدول الأعضاء، وخروج دولة عضو من الاتحاد يعني تضرراً كبيراً لتجارتها كونها ستخضع للرسوم الجمارك على منتجاتها مما سيجعل منتجاتها غير مرغوبة مقابل المنافسين، كما أن المستثمرين الأجانب سيكونون أقل رغبة بالاستثمار أيضاً، وبالأخص الشركات الأوروبية الكبرى في مجال السيارات مثل Volkswagen مثلاً بالإضافة للبنوك التي تجعل من برشلونة مركزاً اقتصادياً.

الجانب الآخر من الموضوع: الكتلان الراغبون بالبقاء

مشهد من المظاهرات المطالبة ببقاء كتالونيا ضمن إسبانيا - برشلونة.
مشهد من المظاهرات المطالبة ببقاء كتالونيا ضمن إسبانيا – برشلونة.

تُظهر النظرة الأولية للقضية الكتالونية الأمر كاتحاد شعبي على الإستقلال عن البلد الأم الذي لا يشترك كثيراً مع المنطقة بالنواحي الثقافية، وفي هذه الحالة من الممكن تفهم الرغبة بالإنفصال نوعاً ما حتى مع الضرر الاقتصادي الكبير.

لكن الواقع ليس بالأبيض والأسود فقط، بل يمكن القول بأنه رمادي في المنتصف عند أخذ الفئات الأخرى بعين الاعتبار، فنسبة ملحوظة من الكتلان (حوالي 40% وفق إحصاء قبل عامين) ترفض الانفصال بشكل قطعي وتريد البقاء كجزء من إسبانيا.

الأمر من هذه الناحية سهل التفهم أيضاً، فالاختلافات بين الكتلان والإسبان ليست كبيرة جداً بحيث لا يمكن تجاوزها مثلاً، وجميع الكتلان الأحياء حالياً ولدوا ونشأوا في الإقليم كجزء من إسبانيا وهو كذلك منذ مئات السنين، وفترة استقلاله (على الرغم من وجودها) كانت وجيزة جداً وفي مرحلة كانت فيها معظم أوروبا مجزئة، وأبسط مثال هو إيطاليا (أقرب الأمثلة لإسبانيا ربما من حيث التقارب اللغوي وحتى الثقافي) التي كانت عبارة عن عشرات المدن المنفصلة والتي تكون اليوم بلداً واحداً.

حالياً وحتى لحظة كتابة هذه السطور، تبدو الأمور غير مستقرة أو محسومة في كتالونيا بعد، وعلى الرغم من أن الإنفصاليين كانوا قد تصدروا الأنباء في البداية مع الإستفتاء وأعمال الشغب اللاحقة له، فالأمور الآن عادت إلى المنتصف ربما مع مظاهرات كبيرة لرافضي الإنفصال والراغبين بالبقاء ضمن إسبانيا في اليومين الأخيرين، مما يجعل الأمر مثيراً للحيرة بشكل كبير عند محاولة تخمين ماذا سيحدث لاحقاً وهل سينفصل الإقليم أم لا.

الاختلاف السياسي حالياً يلاقي مقابله اختلافاً على المستوى الشعبي أيضاً بالتأكيد، لكن مع غياب التواصل بين الحكومة الكتلونية ونظيرتها الإسبانية فالتوتر قد يستمر لوقت أطول وقد يمل معه تصعيداً أكثر حتى في حال صوت البرلمان الكتلوني لصالح الإنفصال وحاول الإقليم الاستقلال بنفسه دون مفاوضات مسبقة مع الطرف الإسباني.

على أي حال فهذه الأمور غير قابلة للتنبؤ حالياً وربما ستنكشف وحدها في الأيام القادمة أو ربما تأخذ وقتاً طويلاً كما هي حال استقلال إسكتلندا عن المملكة المتحدة، والذي على الرغم من كونه أمراً يعود إلى الإعلام كل فترة فهو لم يحسم حتى الآن ومن المستبعد أن لن يتم حسمه في أي وقت قريب.

تحديث بتاريخ 19\10\2017

مع إصرار القادة السياسيين في كتالونيا على إجراء الانفصال بشكل كامل، الحكومة الإسبانية تصعد الامر وستعقد اجتماعاً طارئاً لمجلس الوزراء لتفعيل البند 155 من الدستور والذي يعني فرض الحكم المباشر المركزي على الإقليم وإيقاف العمل بالحكم الذاتي. طريقة العمل غير معروفة بعد، لكن نزرياً على الأقل ففرض الحكم المباشر يعني إيقاف الحكومة والبرلمان الكتلونيين وسلطتها في الإقليم مقابل تحكم الحكومة المركزية في مدريد بالأمور بشكل مباشر وحتى نشر شرطة اتحادية في الإقليم ربما.

عند كتابة المقال أصلاً وقبل الخطوات التصعيدية الأخيرة كنت قد ذكرت بان واحداً من السيناريوهات الممكنة في حال تعنت الكتلونيين وإصرارهم على الانفصال قد يكون فرض السلطة المباشرة على الإقليم (كون عدة شخصيات سياسية إسبانية كانت قد نوهت للأمر) والآن يبدو أن ذلك سيطبق لكن النتائج تبقى مجهولة ولو أن السيناريوهين المرجحين هما إما تصعيد كتلوني كبير ينتج عنه مظاهرات وعدم استقرار سيدفع الاقتصاد الهش أصلاً ثمنه كثيراً، أو ربما الأمر بأكمله محاولة من الحكومة الإسبانية لتقوية موقفها في حال حصول مفاوضات بين الطرفين. لكن على أي حال فليس بإمكاننا إلا الانتظار حالياً بينما تتبين نتائج الأزمة الكتلونية.

مقالات إعلانية