in

دخلك بتعرف لماذا تكون مؤخرات بعض القرود ملونة بشدة؟

مؤخرة قرد ”الماندريل“

لربما تساءلت يوماً، مالذي يجعل لون جلد بعض القرود أزرقا ساطعا؟ وحتى لو لم تعر أي انتباه لمؤخرات القردة، فإنك على الأرجح مازلت تتساءل مالذي يجعل عيون بعض الناس زرقاء؟

من الضروري للإجابة على هذه الأسئلة، أن نعرف أولاً كيف يتفاعل الضوء مع الأشياء الحية التي ندعوها ”الأنسجة البيولوجية“.

الضوء هو مجموعة من حزم صغيرة من الطاقة تدعى ”الفوتونات“، والتي تنطلق محدثة أزيزاً عبر الهواء، وتأتي الفوتونات بجميع الألوان المختلفة، وعندما تأتي مجتمعة فإننا نرى الضوء الأبيض (كضوء الشمس أو الضوء الصادر عن مصباح كهربائي)، ولكن فوتونات الألوان المختلفة تعمل بشكل مختلف عندما تدخل الأنسجة البيولوجية.

بإمكانك تخيل الفوتون كشخص ثمل يمشي في غابة، وهذا الثمل عندما يمشي في الغابة مترنحا يصطدم بشجرة فيغير مساره (ينتثر)، فيمشي مسافة قصيرة ليصطدم بشجرة أخرى، وهكذا.. وقبل أن تعرف ذلك، يخرج من الغابة إلى مكان عشوائي بطريقة عشوائية.

عندما تدخل الفوتونات الجلد، تكون مثل ذلك الثمل الذي يمشي في الغابة، وترتد الفوتونات عن ألياف ”الكولاجين“ (والتي تمثل الأشجار في مثالنا)، وتخرج من الجلد إلى مكان ما عشوائياً، ندعو هذا في علم البصريات بـ”الإنعكاس المنتشر“.

يمكن تمثيل الإنعكاس المنتشر بصريا من خلال جعل شعاع ليزر يرتطم بسطح الحليب في الكوب، مطلقاً ”كرة متوهجة“ حول بقعة الليزر، وقبل أن تكشفها بعينيك، يخترق فوتون مفرد سطحا بيولوجيا ما (الجلد مثلاً)، وينتثر عشوائياً داخل النسيج عدة مرات، ولا تنسى أن الجلد أكثر تعقيدا من التشبيه بالغابات، حيث يتكون الجلد من عدة طبقات، ويحتوي على أصبغة مثل ”الميلانين“، ويؤثر ذلك على انتشار الفوتونات.

كرة متوهجة
كرة متوهجة

يفسر هذا التعقيد، سر اللون الأزرق لمؤخرات بعض القردة، ولنفهم كيف تتحرك الفوتونات في نسيج معقد كالجلد، لنقارن بين فوتون أحمر، وفوتون أزرق حسب اصطدامهما بطبقتين من الأنسجة.

في الأعلى لدينا النسيج ”A“، وفي الأسفل لدينا النسيج ”B“، وإذا كانت كل من الطبقتين ”A“ و”B“ باللون الأبيض (مثل الحليب)، فإنهما ستعكسان اللونين الأحمر والأزرق على قدم المساواة، وستتمكن من رؤية كلا اللونين، ولكن في الواقع، الجلد ليس كالحليب، حيث تحتوي الطبقة العلوية (نسيج A) على كمية قليلة من الميلانين، بينما يمكن أن تحتوي الطبقة التي تليها (نسيج B) على كميات كبيرة منه، وهو أمر مهم، لأن الميلانين يمتص الضوء ”قاتلاً“ بذلك أي فوتون يواجهه.

لماذا تكون مؤخرات بعض القرود ملونة بشدة

ويظهر في الصورة أعلاه، إرتداد (تبعثر) كل من الفوتونات الزرقاء والحمراء 4 مرات أثناء اختراقها الجلد، ولكن لأن الفوتونات الحمراء تقطع مسافات أطول ما بين أحداث الانتثار، تتمكن من اختراق كلتا طبقتي الجلد، وبما أن الميلانين في النسيج ”B“ يمتص الفوتون الأحمر، لا يستطيع مغادرة الجلد لتتمكن من رؤيته بعينيك، بعكس الفوتونات الزرقاء والتي تكون ذات خطوات قصيرة جدا مابين أحداث انتثارها، فلا تخترق الطبقات عميقاً لتصل إلى النسيج ”B“، لكنها تخرج مجدداً من النسيج ”A“ لتصل إلى عينيك.

يترتب نسيج مؤخرة قرود ”البابون“ بطريقة تشبه قليلا الرسم التوضيحي أعلاه، بحيث تنعكس الفوتونات الزرقاء، وتُمتص باقي الفوتونات (كالفوتونات الحمراء)، ووحده الضوء الأزرق هو الذي يخرج ويصل إلى أعيننا، وهذا ما يفسر رؤيتنا لمؤخرات القردة باللون الأزرق، والآن لن تنظر بنفس الطريقة لمؤخرات القرود، ستعرف مالذي يجعلها زرقاء!

مؤخرة قرد ”ليسولا“

مؤخرة قرد ”ليسولا“
مؤخرة قرد ”ليسولا“ – صورة: John Hart

يبدو قرد ليسولا، وهو قرد مكتشف حديثاً، من الأمام وكأنه رجل بهيئة قرد، لكنه يملك أشياء غريبة من الخلف أيضاً، وهو فريد من نوعه في عائلته ”سيرسوبيثيكسوس“، حيث تكون كامل نهاية ظهره، بما في ذلك العجان والأرداف، بلون أزرق (أبيض ساطع).

وتقول إحدى النظريات أن هذا التلوين الزاهٍ يساعد إناث الليسولا في العثور على معظم الذكور الذهبية والبنية في أوقات التزاوج.

مؤخرة ”البابون المقدس“ أو ”بابون هامادرياس“

مؤخرة ”البابون المقدس“
مؤخرة ”البابون المقدس“ – صورة: Wikimedia Commons

يمتلك العديد من أفراد عائلة البابون، كبابون هامادرياس، أرداف بارزة، وبعكس العديد من أنواع الرئيسيات الأخرى، فإن قردة البابون أرضية لحد كبير، وتعيش حياتها في أراضي الحقول والصحارى، بدلاً من أعالي الأشجار.

وتحتاج هذه القردة، مثل البشر، إلى نوع من الحشوة في مؤخراتها، حتى تتمكن من الجلوس بشكل مريح لفترات طويلة، كما تمتلك ما يمكن وصفه على نحو جيد بأنه جلد منتفخ على الأرداف، وعلى الرغم من أنه قد لا يبدو جميل المنظر بالنسبة لنا، إلا أنه فعال بالنسبة لوضعية الجلوس، تلك الوضعية المفضلة للبابون.

مؤخرة قرد ”جيلادا“

مؤخرة قرد ”جيلادا“
مؤخرة قرد ”جيلادا“ – صورة: Nathan Harrison

يعيش قرد ”جيلادا“ وهو من فصيلة قردة العالم القديم، كبابون ”هامادرياس“، حول السواحل الجنوبية للبحر الأحمر في أفريقيا.

وعلى الرغم من ارتباطها الوثيق بالبابون، إلا أنها في الواقع ليست بابوناً، وعلى نقيض قرود البابون لا نرى عند ”الجيلادا“ أردافاً ساطعة اللون أو منتفخة عندما تكون في فترة الشبق (رغبة جنسية قوية للجماع، وهي الحالة التي تكون خلالها أنثى الحيوان مستعدة لتقبل الذكر، وخلال هذه الفترة يتم إفراز البويضة) فعندما تكون أنثى ”الجيلادا“ مستعدة للتزاوج، تصبح المنطقة الصلعاء على صدرها ملتهبة تشبه في ذلك قلادة مليئة بالقيح.

قرد ”جيلادا“
قرد ”جيلادا“، يمتلك بقعة عديمة الشعر على صدره، وتصبح ملتهبة، كقلادة مليئة بالقيح – صورة: Nicola Destefano/Flickr

ولكن لديها تكيف مماثل لقردة البابون في منطقة الأرداف، وهو ما يدعى بـ”Ischial Callosities“ والتي هي وسائد متصلبة سميكة جدا، تجعلها مريحة لأكثر العادات التي تقوم بها قرود الـ”جيلادا“ كالجلوس أو القيلولة أو تناول الطعام.

مؤخرة ”المكاك الأسود“

مؤخرة ”المكاك الأسود“
مؤخرة ”المكاك الأسود“ – صورة: Wikimedia Commons

المكاك الذي يقطن شمال الجزيرة الإندونيسية بجزيرة ”سولاوسي“، والمعروف أيضاً بالمكاك الأسود، والذي اشتهر ربما بمهارته في التقاط السيلفي.

لكنه كائن مثير للإهتمام من ناحية مؤخرته، ويمكن وصف ذكور وإناث هذه الأنواع بأنها (لا أخلاقية بشكل كبير)، حيث تستخدم الإناث مؤخراتها المنتفخة الشنيعة للإشارة للذكر بأنها أصبحتت متقبلة له.

مؤخرة قرد ”الماندريل“

مؤخرة قرد ”الماندريل“
مؤخرة قرد ”الماندريل“

يتفوق ”الماندريل“ بأردافه على جميع الرئيسيات ذوات الأرداف الملونة، وهو أكبر الرئيسيات (غير القردة)، وبإمكاننا القول بأنه أيضاً أكثرهم غنى بالألوان، مع أنفه ذي اللون الأزرق والأحمر الزاهي، ومؤخرة بلون قوس قزح رائعة بصراحة، وتوجد هذه الخصائص الجنسية الثانوية عند كلا الجنسين، ولكنها تكون أكثر حيوية عند الذكور.

مقالات إعلانية