in

أين يذهب اللبنانيون في عطلة نهاية الأسبوع؟

كان قد مضى على خروجي من البيت حوالي الأربعة أيام، بدأت أشعر بفقدان الأمل من عمل شيء مفيد، وكوني غير فاعل على مواقع التواصل الإجتماعي، فنشاطي الأكثر حماسة في البيت هو مشاهدة الأفلام. خرجت ليلة الأحد، لم اعرف إلى أين، استقليت ”الفان“ إلى الحمرا، ومن هناك عرجت إلى كورنيش عين المريسة، ووصولي هناك أجاب على تساؤلاتي حول اختفاء الناس من المدينة.

الكورنيش للجميع

المارة يتمشون في المكان المخصص لركوب الدراجات، وراكوبو الدراجات يقودون بين الإزدحام. الكورنيش ليس ضيّقاً، والمقاعد ليست قليلة، إنما الروّاد كُثر، ولا يتّسع لهم سوى البحر، البحر للجميع.

في البداية تلاحظ من يركض ويستمع للموسيقى، ثم ترى العائلات الصغيرة، والكبيرة ايضا التي يتوزع أفرادها على مقعدين، محضرين معهم البيبسي والبزر. بعدهم ترى العشاق وترى البحر في أعينهم، يمارسون غزلهم على مرأى المارة.

عجوزان يضعان طاولة صغيرة وكراس قصيرة، يلعبان الدّاما، يلتصقان بالحافة، لا يحركهما شيء ولا يحركان سوى أيديهما لشرب القهوة ولتحريك الأحجار، خلفهما جمهور عريض يصطف على الحافة، يتابع حدثاً غير اعتياديّ، شابّان اسمران لم يتجاوزا الثّامنة عشر يقفزان من الكورنيش باتجاه المياه السوداء الباردة كوننا في أواخر تشرين، يقدمان عرضاً فريداً، القفزة تلو الأخرى، لا يملان من تحيات الجماهير التي تنهال عليهما من كل صوب. علاء وأحمد، هكذا كانا يناديان بعضهما، وفي وسط الحشد الغفير وعلى صوت التصفيق الحار علمت أنّ البلاد التي لا تسمح شوارعها بالعروضات وبالقبعات وبالقطع النقدية، يرمي شبّانها أنفسهم في البحر.

قليلا الى الأمام سيارة ”فولز“ مركونة بمحاداة الكورنيش، أبوابها مفتوحة على وسعها، تنبعث منها أغنية لهاني شاكر، زمرة من الشباب أمام السيارة يدخنون السجائر ويضحكون بصوت مرتفع. يصفهم بعض المولعين بالغرب الذين يقولون عن أنفسهم مثقّفين بـ”النّور“، عداك عن هذه الصفة العنصرية فحقا لا أعلم ما يريد هؤلاء، ربما لو كانت الأغنية لدايفد بووي وكان الشباب يتكلمون بلكنةٍ بليدة لكان الوضع اختلف، لكن سحقاً لهذا الفكر الأعوج.

كلاب الكورنيش في صدد الملكية

في النهاية عندما يتسع الكورنيش بالقرب من رسمة الشطرنج على الأرض يتجمع أصحاب الكلاب، والكلاب هنا في صدد ملكيّة، هنالك من يسير مع كلبه بهدوء، ولكن الغالبية هم شبان يتنافسون فيما بينهم على لقب صاحب أقوى كلب، تتعارك الكلاب وتنزف دماً في حين يصفق الجمهور للفائز، عداك عن أن هذه جريمة يعاقب عليها القانون في البلدان المتحضرة إلا أن العجيب هو أن أي لبناني يمكنه اقتناء كلب، يكفي أن يضع طوقا في رقبته، لا يهم إن كان يعلم ما هو طعامه المخصص وأنه يجب أن يطعّم للكلب ضد الأمراض وأن يأخذه بشكلٍ نظامي إلى الطبيب البيطري، لا يهم هذا كله، المهم هو أن يكون الكلب شرسا وأن يضع له صاحبه طوقا.

البحر أكرم من شوارع المدينة

قرابة الحادية عشر يرحل الجميع، العجلات والكلاب وضحكات الأولاد الصغار، يبقى صيادو السمك وصوت الأمواج، وهذا الفراغ الكبير بعد الإزدحام كفيل بأن يثبت بأن اللبنانيين لا يعرفون الكثير عن الكلاب، وربما ليسوا جيدين في صيد السمك ولا في انتقاء الأغاني العالمية، حتى إنهم لا يبتعدون عن مسار الدراجات الهوائية، ولكن رغم ذلك ينزلون إلى الكورنيش في نهاية الأسبوع، يتركون الشوارع التي لا تحوي قبعات وموسيقى ونقود معدنية، ويرمون بأنفسهم في البحر.

مقالات إعلانية