في الرابع من ديسمبر عام 2012 قام شخص بوضع صورة على موقع 4Chan، تحدى ناشر الصورة الموقعة بالاسم المستعار ”3301“ المستخدمين بأن يكتشفوا الرسالة المخبأة بداخلها، وبهذه الطريقة… قام شخص غامض بإطلاق أحد أغرب الألغاز التي رآها العالم الافتراضي يوماً وهو لغز Cicada 3301 –سيكيدا هو اسم حشرة الزيز أو زيز الحصاد–.
بعد دقائق قليلة من نشر الصورة، اكتشف أحدهم أنه عن طريق فتح الملف بوساطة محرر النصوص يمكن إيجاد سلسلة حروف قابلة للقراءة مدمجة بالصورة، وتحتوي السلسلة أيضاً على شيفرة تنتج عند فكها رابطا لصورة أخرى.
وفي البداية يظهر بأن تلك الصورة هي نهاية الأحجية، ولكن عن طريق استخدام برنامج يدعى Out Guess –والمشار إليه في الصورة الثانية بشكل مخفي– استطاع أشخاص بأن يستخرجوا معلومات مخبأة ضمن الصورة الأولى، التي تقود إلى منتدى على موقع Reddit يحتوي بدوره على معلومات عن كتاب، وباستخدام شيفرة أرقام وأحرف داخل الكتاب تمكن البعض من استخراج رقم هاتف منه والذي عند الاتصال به تُسمع رسالة صوتية مسجلة تقول: ”جيد جداً، لقد قمت بعمل جيد، هناك ثلاث أعداد أولية مرتبطة مع الصورة الأساسية، و3301 هو أحدها، يتوجب عليك إيجاد العددين الآخرين، قم بضرب كل تلك الأعداد ببعضها وأضف إليها .com لتصل إلى المرحلة التالية، حظاً موفقا، وداعاً“.
وفي اليوم التالي تم إعادة نشر الصورة في كامل شبكة الإنترنيت، وسرعان ما قامت فئة واسعة ومتزايدة من المحققين الهواة بالبحث المكثف لمحاولة حل تلك الأحجية الغريبة، ولكن لا أحد منهم كان يعلم بالضبط ماذا كان عليه أن يفعل لحلها. ما هو هدف تلك الأحجية؟ من وراءها؟ ماذا يحصل عندما تصل للنهاية؟
في الواقع، تجاهلها البعض واعتبرها مجرد مزحة لا أكثر، بينما اعتبر آخرون بأن التعقيد الموجود فيها يدحض كونها مجرد خدعة، ولم يطل الوقت حتى بدأت الشائعات تحيط بتلك القصة على أنها من عمل مجتمعات سرية أو منظمات دولية في محاولة لتجنيد الأشخاص البارعين في علم التشفير وعلم التورية وبعض الاختصاصات المشابهة، وبالطبع كانت تلك الادعاءات مجرد إشاعات.
لاحقاً، تم اكتشاف أن العددين المفقودين اللذين تم ذكرهما في التسجيل الصوتي كانا عبارة عن أبعاد الصورة الأصلية، وهما الطول 503 بيكسل والعرض 509 بيكسل، وبعد ضرب الأعداد الثلاثة ووضع اللاحقة .com بعدها واستخدام النتيجة وهي www.845145127.com يتم الانتقال إلى موقع محدد، هذا الموقع الذي كان يتألف حينها من عداد تنازلي بالإضافة إلى صورة ”سيكيدا“، وعندما وصل العداد إلى الصفر تم تحديث الصفحة لتحتوي على إحداثيات.
أشارت تلك الإحداثيات إلى عدة مواقع فعلية محددة مسبقاً حول العالم، وكان عددها 14 موقعاً في خمس دول مختلفة، وفي تلك المرحلة أصبح الأمر بيد المشاركين الذين يقطنون بالقرب من تلك الإحداثيات ليكملوا المغامرة في الشارع، وفي هذه اللحظة شعر الذين كانوا يقولون أن اللغز هو من عمل منظمة دولية غامضة أنهم كانوا على حق، وفقا لهم فإن من يمتلك كل تلك الدوافع والقدرات لصنع لغز بهذا الحجم والغموض لا بد وأن يكون منظمة عالمية، فالألغاز والخدع البسيطة التي يصنعها أشخاص عاديون لا تكون بهذه الدقة والغموض.
في كل إحداثية ظهرت في الموقع وُجدت ورقة مطبوع عليها رمز «سيكيدا» وشيفرة QR يقود لدى مسحه إلى رابط صورة تحتوي لغزاً، يؤدي لدى حله إلى كتاب يؤدي بدوره إلى موقع إلكتروني، ولكن عند هذه المرحلة اتخذت اللعبة منحى غير متوقع، حيث تم في هذه المرة قبول مشاركة عدد قليل من الواصلين الأوائل إلى المواقع للاستمرار حتى المراحل الأخيرة من اللعبة، وبعدها أُغلق الموقع تاركاً رسالة أخيرة تقول: ”نريد الأفضل، وليس التابعين“، تم أيضاً إنذار المشاركين المقبولين بألّا يتعاونوا مع بعضهم البعض أو يشاركوا أية معلومات عن تلك المراحل السرية جداً من اللغز.
مما لا شك فيه أن بعض اللاعبين لم يتقيدوا بتلك التعليمات، وإلا لما سمع أحد بها، ومن المحتمل أنهم قد فعلوا ذلك خلال بلوغهم المراحل الأخيرة قبل أن يصلوا إلى نهاية اللغز.
بعد ما يقارب الشهر، ظهرت صورة على أحد منتديات موقع Reddit تعلن عن نتيجة اللغز، وبهذا تكون عملية الاختيار قد انتهت.
قد يكون «سيكيدا» قد وجد من سماهم بـ”الأشخاص ذوي الذكاء الحاد“ الذين كان يبحث عنهم، وبعدها ما حدث معهم بقي لغزاً إلى حدٍ ما!
وبسبب الغموض الكبير الذي أحاط بتلك الأحجية، فسرها البعض على أنها ليست إلا لعبة سخيفة لإضاعة وقت الذين قد يهتمون بها، فالأسئلة التي احتوتها الصورة الأولى بقيت من دون إجابة؛ ما هو هدف تلك الأحجية؟ من وراءها؟ ماذا يحصل عندما تصل للنهاية؟ ومع ذلك، اتضح لاحقاً بأنها كانت البداية فقط.
الأحجية الثانية:
أيا يكن الشخص وراء تلك اللعبة المعقدة، فقد كان يتصف بالإضافة إلى الذكاء الشديد بالحنكة، فقد عمل على تضمين توقيع رقمي من نوع PGP (وهو مفتاح الكتروني يتم تشفيره بطريقة معينة بطريقة غير قابلة للتزوير ويفيد في التحقق من هوية المرسل) في كل مفتاح من مفاتيح اللغز، وسمح ذلك لمتتبعي الأحجية من التأكد بأن الصورة أو الرسالة قد نُشِرت من قِبَل ”سيكيدا“ نفسه وليس من طرف بعض المنتحلين الذين قاموا بنشر دلائل زائفة لمحاولة تعطيل أو سرقة اللغز، كما حذّر «سيكيدا» من تلك ”المعلومات المزورة“ ودعى إلى إهمال أي شيء لا يحتوي على توقيعه الالكتروني.
لهذا السبب بالتحديد تم نشر صورة بعد مرور عام ويوم بالضبط على اللعبة الأولى، وأخيراً بعد عام كامل من الصور الزائفة التي حاولت انتحال شخصيته، تم نشر صورة تطابق التوقيع الرقمي ذاته وأتت لتعلن عودة «سيكيدا» وبدء الجولة الثانية.
لم تختلف الأحجية الثانية كثيراً عن الأولى حيث احتوت الصورة على رسالة، والرسالة أوصلت إلى كتاب، والكتاب كشف عن رابط، وبهذا بدأت الأحجية تتكشَّف تدريجياً. وفي مرحلة معينة تم الوصول إلى تسجيل بعنوان Instar Emergence أو ”ظهور فترة جديدة“، وقد كان التسجيل عبارة عن معزوفة فقط، واحتوت الأحجية أيضاً على مفتاح آخر يقود إلى حساب مشفر على موقع Twitter الذي قاد بدوره إلى صورة.
كانت تلك الصورة مرحلة مهمة من أجل التقدم في الأحجية، ولكن تلك الأبجدية التي تضمنتها والتي اتضح لاحقاً أنها الأبجدية ”الرونية“ بقي أمرها مبهماً لبعض الوقت، وتماماً مثل الأولى توسعت اللعبة لتمتد إلى العالم الحقيقي عندما ظهرت في إحدى مراحلها إحداثيات أخرى أجبرت المشاركين على النزول إلى الشارع بحثاً عن ملصقات غامضة، وهذه المرة كان عدد الإحداثيات ثمانية وفي أربع دول مختلفة.
في النهاية عاد البرود ليسيطر على الأجواء، واقتربت اللعبة من النهاية، ومرة أخرى تم قبول مجموعة مختارة من الواصلين الأوائل إلى مرحلة أخيرة سرية من اللعبة، ولكن على خلاف الأحجية الأولى لم تنتهِ الثانية برسالة رسمية من «سيكيدا»، فمع انتهائها اختفى هو الآخر تاركاً المتابعين بعيدين كل البعد عن أي تفسير محتمل.. مع ذلك، تلك لم تكن النهاية.
حان موعد الجولة الثالثة:
مرةً أخرى، ظهرت صورة احتوت رسالة والرسالة قادت لكتاب أوصل بدوره إلى رابط، أي أنها مطابقة تماماً للمرات السابقة باستثناء أنه في هذه المرة بدا أن الأحجية تتمحور حول كتاب غامض؛ كان الكتاب بعنوان Liber Primus ويعني «الكتاب الأول» باللاتينية، وقد اتضح بأنه من كتابة «سيكيدا» نفسه، وهنا أتى دور الأبجدية الرونية التي اكتُشفت في عام 2013، فالكتاب كان مكتوباً بشكل كامل بتلك الأبجدية، وحتى بعد ترجمة صفحات منه بقيت معانيها خفية ولم يعرف المقصود منها، حيث كان الكتاب يحتوي على أفكار فلسفية وعقائدية، وبدى أنه البيان الرسمي لصاحب الأحجية أو أصحاب الأحجية.
اعتقد العديد بأن تلك الكتابات الغريبة أقرب ما تكون تعبيراً عن طائفة أو مذهب معين، ومع ذلك احتوى الكتاب بدوره على مجموعة كبيرة من الدلائل والشيفرات، فعلى سبيل المثال: طلبت إحدى صفحات الكتاب من المشاركين أن يذهبوا إلى موقع الكتروني في الشبكة العميقة -الـ(ديب ويب) Deep Web- ولكن الموقع ما يزال غير مكتشف إلى الآن.
وتقود صفحة أخرى إلى موقع يحتوي على تسجيل صوتي آخر بعنوان «الترابط» أو Interconnectedness وتحتوي أيضاً على لحن بسيط، وبقي جزء كبير من الكتاب غير مترجم إلى الآن، فهناك صفحات عديدة منه تحتوي على كتابة رونية مشفرة لم يتم حلها إلى الآن، وعدد الصفحات التي تم ترجمتها هي 19 فقط من مجموع 74 صفحة.
وبعد مرور عام 2015 بدون ظهور لغز جديد، اعتقد العديد بأن «سيكيدا» لن يعود للظهور مجددا إلا إذا تم فك شيفرة الكتاب، وفي بداية عام 2016 ظهرت رسالة جديدة من «سيكيدا» لتحث المتابعين على إلقاء نظرة أخرى على الكتاب، وحتى الآن وبعد مرور 4 سنوات من ظهور اللغز الأخير لم يتم تحقيق أي تقدم ملحوظ ولم يعد «سيكيدا» للظهور أبداً، وذهبت الأسئلة التي طرحت من خلال الصورة الأولى طي النسيان.
ما هو هدف تلك الأحجية؟ من وراءها؟ ماذا يحصل عندما تصل للنهاية؟
النهاية
عندما ظهرت الصورة الأولى عام 2012، افترض العديد أن Cicada 3301 ليست إلا إحدى ألعاب الواقع الافتراضي صممت من قبل شركة معينة للترويج لمنتج أو خدمة جديدة تماما مثلما فعلت شركة Microsoft عام 2001، حيث قامت بتصميم أحجية على الإنترنيت للترويج لفيلم Artificial Intelligence، بالإضافة إلى الحملة الترويجية المشابهة التي سبقت صدور لعبة Halo 2.
لكن تم استبعاد ذلك الاحتمال بسبب الأحجيات المتتالية التي تبعت انتشار تلك الصورة وأيضاً عدم ترافقها مع حملات ترويجية من أي نوع، وإذا ما كانت المعلومات المتسربة بعد نهاية كل مرحلة صحيحة، فمن الممكن أن نُكَوّن صورة بسيطة عن هوية ناشر أو ”ناشري“ تلك الألغاز.
مثلاً، في نهاية الأحجية الأولى تسربت معلومات تفيد بأن المشاركين الذين وصلوا إلى المراحل النهائية تلقوا رسالة إلكترونية من «سيكيدا» أوحت بأنه مجموعة من الأشخاص وليس شخصاً واحداً، فقد قدموا [أي سيكيدا] أنفسهم على أنهم مجموعة دولية تؤمن بأن خصوصية المعلومات هي حق مشروع غير قابل للمصادرة، وقالوا أيضاً بأن الهدف من تلك الألغاز هو إضافة أشخاص جدد للمجموعة يؤمنون بنفس الفكرة ويملكون نفس الشغف لتطوير حلول برمجية لتأمين الخصوصية على الإنترنيت، واحتوت على مجموعة من الأسئلة.
لكن الرسالة الالكترونية كانت مريبة بعض الشيء: أولاً لم تكن تحتوي على التوقيع الرقمي لـ«سيكيدا»، فالناشر قال بأنه قام بحذفه. الأمر الآخر هو أحد تلك الأسئلة التي احتوتها الرسالة وهو: ”هل تعتقد بأن المعلومات يجب أن تكون متاحة دائماً ومجانية؟“، وإذا افترضنا أن أحدهم أجاب بـ”نعم“، فإن الجملة الأولى في الرسالة ذاتها تقول بخط كبير: ”لا تنشر هذه المعلومات أبداً“، الأمر الذي يترك تناقضاً واضحاً، فإن كان المرسل يؤمن حقا بضرورة مجانية المعلومات وتوفرها للجميع فما كان عليه أبدا أن يشترط على إبقاء المعلومات التي يمنحها هو نفسه سرية وغير متاحة للآخرين.
على الرغم من سخافة الفكرة التي تفترض قيام منظمات سرية معينة بتجنيد أشخاص عن طريق أحجيات وألغاز مبنية على التشفير والتعمية، فهذا لا يمنع احتمالية وجودها، فقد اعتمدت بعض الحكومات والمنظمات الدولية تلك الأساليب في الواقع وذلك منذ الحرب العالمية الثانية، ففي عام 2013 قامت وكالة الاستخبارات البريطانية بإطلاق برنامج تجنيد باسم «Can you find it» أو «هل يمكنك إيجادها؟» توجب على المشاركين فيه فك عدة شيفرات تم إخفاؤها في أماكن عديدة على شبكة الانترنيت، وأولئك الذين استطاعوا حل اللغز كاملاً حصلوا على عروض مالية أو على وظيفة في الوكالة. وقامت أيضا شركة غوغل بخطوة مماثلة ولكن باستخدام اللوحات الإعلانية عام 2004 لبث شيفرات تتحدى مهارات الراغبين في التقدم للعمل لديها، كما أن البحرية الأمريكية كانت قد أطلقت مشروعاً مماثلاً عام 2014.
بالعودة إلى موضوعنا، ماذا عن القلة القليلة التي تم اختيارها؟ ماذا حدث لهم يا ترى؟
عام 2015 وفي مقابلة مع مجلة Rolling Stone قام شخصان ادعيا بأنهما من الفائزين في الأحجية الأولى بالكشف عن الأحداث السرية التي تمت بعد المرحلة الأخيرة، فبعد استلام رسالة إلكترونية من «سيكيدا» قادتهم إلى موقع على الشبكة العميقة Deep Web، أصبح بامكانهم التواصل مع ”المجنّدين“ الآخرين بالإضافة إلى أعضاء «سيكيدا» المؤسسين.
وتم إخبارهم بأن Cicada 3301 مشروع تم إنشاؤه من قبل مجموعة أصدقاء يتشاركون بعض ما سموه ”القِيَم العليا“ عن الحماية، والخصوصية، والرقابة. وكان الهدف الرئيسي هو العمل كمجموعة لتطوير تطبيق برمجي يسمح بتجسيد تلك ”القِيَم“، وعن طريق تجنيد الأصدقاء لأصدقائهم أخذ ذلك المجتمع السري يتسع ليصبح منظمة عالمية لا مركزية.
بعد ذلك، تم إسناد مهمة إعداد تطبيق برمجي موافق لأفكار الجماعة إلى الفريق المختار، وكانت وظيفة أعضاء «سيكيدا» الأصليين هي مراقبة التقدم، ومن ثم بدأ أعضاء المجموعة يفقدون الاهتمام بذلك المشروع بعد انتهاء مرحلة حل الأحجيات، الشغف الذي جمعهم في المرة الأولى، ومع نهاية عام 2012 بقي شخص وحيد فقط بعد أن فقد البقية الاهتمام بالموضوع وهجروه، وبعد فترة قصيرة تم إغلاق الموقع ولم يُسمع شيء من «سيكيدا» مرة أخرى إلى يومنا هذا.
ظهر أحد الفائزَين بالأحجية الأولى ويدعى Marcus Wanner في فيديو على قناة Nox Populi على موقع يوتيوب، كما أن صاحب القناة نفسه Nox Populi يدعي بأنه الفائز في الأحجية الثانية والذي قال بأنه بعد أن أنهى المرحلة الأخيرة من الأحجية الثانية تلقى دعوة للانضمام إلى Cicada 3301، ولكن الدعوة لم تكن تقود إلى موقع إلكتروني، بل تم تبليغه بأن يتحلى بالصبر فقط، وفي مايو عام 2013 انقطعت كل سبل التواصل مع «سيكيدا» وتوافق ذلك تقريباً مع إغلاق الموقع المخصص للفائزين بالأحجية الأولى.
وبعد ذلك تواصل Nox Populi مع فائزين آخرين لمشاركة الآراء عن الموضوع ليكتشف أن ما حدث مع الجميع كان متطابقاً، حيث قال بشكل حرفي: ”كل القصص كانت متماثلة، لقد تمت دعوتنا للانضمام إلى Cicada 3301، ثم حدث شيء ما، وبعد أن طُلب منا التحلي بالصبر عمّ صمت تام“.
افترض Nox Populi بأن 5 أشخاص آخرين قد فازوا أيضاً بالأحجية الثانية في حين أن عدد الفائزين في الأولى بلغ العشرين، وبغض النظر عن هوية «سيكيدا» الحقيقة، فإن Nox يفترض بأنهم البقية المتبقية من حركة Cypherpunk التي انتشرت في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، وهي مجموعة صغيرة من الناشطين كانت تشجع على استخدام علم التعمية والتشفير وتقنيات حماية الخصوصية على مجال واسع، ولكن Nox يعترف بأنه ليس هنالك من سبيل لبلوغ الحقيقة.
وفي النهاية، على الرغم من أنه لا يمكن إثبات هوية أصحاب تلك الحسابات الوهمية على الإنترنيت، إلا أنهم يقدمون حجة مقنعة إلى حد كبير على حقيقة «سيكيدا»، فهي قد تكون إلى حد بعيد مجموعة من المطورين المجهولين يحاولون إنشاء تطبيق يحقق الخصوصية العالية، ويقومون بتوظيف أشخاص موهوبين في ذات المجال عن طريق أحجيات وشيفرات يثبت حلها موهبتهم. وبالتأكيد، فإن هذه النهاية ليست مثيرة مثل الفرضيات الأخرى التي قد يفضلها الجميع مثل سيناريو منظمة سرية حكومية تهيمن على العالم أو أي من الفرضيات الخيالية الأخرى ولكنها في الحقيقة أكثر عقلانية وواقعية.
لكن «سيكيدا» قد يكون مجرد شخص واحد قام بحياكة كل هذا التعقيد، وهو أمر وارد الحدوث لأن جميع الأحجيات التي تضمنها المشروع بالإمكان إنجازها بشكل فردي من طرف شخص واحد فقط، حتى أن الملصقات التي انتشرت في إحدى مراحل اللعبة في أكثر من دولة، والتي تم تقديمها مراراً على أنها دليل دامغ على وجود منظمات سرية وراء تلك الألغاز، يتضح أنها دليل على عكس ذلك، ففي الوقت الحالي يمكن لأي كان أن يستخدم إحدى الخدمات العديدة الموجودة على الإنترنيت لتوظيف أشخاص بشكل عشوائي ليقوموا بوضع ملصقات في أي مكان في العالم، أضف إلى ذلك أن جميع الملصقات لم تكن أبعد من بضعة أمتار عن مطارات دولية في كل موقع، مما يعني أن أي شخص يملك الوقت والمال الكافي بإمكانه السفر إلى جميع تلك المواقع وإلصاق تلك الملصقات بسهولة تامة وفي وقت وجيز.
كان آخر ظهور لـ«سيكيدا» في مايو سنة 2017 الذي حذر فيه من المسارات الخاطئة والمعلومات المضللة، فقد يكون ذلك آخر ظهور فعلي له إلى الأبد، كما قد يكون عبارة عن تعبير عن نهاية الأحجية الثالثة وتمهيدا لظهور الأحجية الرابعة، فلا أحد يدري ما سيحدث في المستقبل بالضبط.