in

دخلك بتعرف أكثر الأمهات اجتهاداً على الكوكب

إنها أنثى أخطبوط المحيط الهادئ العملاق، من أكبر الأخطبوطيات على الإطلاق.

إنه موسم حضن البيوض بالنسبة للطيور، وموسم المعاناة بالنسبة للأخطبوط، إذا كنت أخطبوطاً عملاقاً يعيش في المحيط الهادئ، فمن المؤكد بأنك مررت بهذه التجربة، وعانيت هذه المعاناة، ولقيت حتفك في نهاية هذه القصة الحزينة التي يشرحها (جيمس كوسغروف) في محاضرته التي عنونها «ما من أم تستطيع التضحية بأكثر من هذا».

تبدأ قصتنا بأخطبوط حامل في الشهر الرابع أو الخامس، تحمل هذه الأم البيوض داخل جسمها إلى أن تصبح درجة حرارة الماء مناسبة في وسط الشتاء، فتبدأ بإخراج هذه البيوض واحدةً تلو الأخرى من جسدها إلى الماء، وتطرح على مدار ما يقرب الشهر 56000 فرداً.

تبقى هذه البيوض حرة في الماء إلى أن تجمعها الأم وتجدلها وتخيطها في مجموعات، فيصبح شكلها مشابهاً لستار مصنوع من المسابح كالذي يوجد في المطاعم الصينية، مشكلةً بذلك ”عرينها“ الذي غالباً ما يكون موجوداً في كهف ما تحت الماء محمياً بالصخور التي وضعتها عند مدخله لتبقي سرطانات الماء الجائعة ونجوم البحر والأسماك بعيدةً عنه.

بيوض الأخطبوط.
بيوض الأخطبوط. صورة: Fred Bavendam/Minden Pictures/Getty Images

ترقد الأم تحت صغارها بعد أن تكون قد ألصقت حوالي 170 من هذه الجدائل (مجموعة بيوض مرتبطة ببعضها) بسقف الكهف. تحرس الأم هذه البيوض البيضاء اللامعة التي هي بحجم حبة الأرز وشكلها يشبه القطرة، تحرسها على الدوام لعدة أشهر.

تشرح (ويندي ويليمز) في كتابها الجديد Kraken كيف تمضي الأم خمس أو ستة أشهر في حراسة صغارها حيث كتبت: ”تبقى الأم تلوح بأطرافها على جدائل البيوض لامسةً إياها بلطف للتأكد من عدم وجود ما يؤذيها، وتدفع برفق تياراً من الماء فوقها بواسطة ممصّها [أنبوب أسفل رأس الأخطبوط يستخدمه عادة للسباحة] لإمدادها بالأكسجين. لا تغادر الأم عرينها وتستخدم أذرعها لإبعاد المفترسين المحتملين قدر المستطاع بعيداً عن البيوض والعرين. لا تأكل الأم خلال كل هذه الفترة مستهلكةً بذلك كل الطاقة الموجودة في جسمها حتى تكاد تموت جوعاً إلى أن تفقس البيوض“.

الأخطبوط الأم وهي تحرس عرينها الذي توجد به بيوضها.
الأخطبوط الأم وهي تحرس عرينها الذي توجد به بيوضها. صورة: Stuart Westmorland/Corbis

وفقاً لـ(كوسغروف)، فإنه حين يأتي هذا اليوم الموعود يكون قد ”تعفن جلدها واضحمل مغيراً لونه من الأحمر الآجري إلى الرمادي“، وبالرغم من ضعفها و”لهاثها“، وكل هذه الملامح التي تدل على الاحتضار، فإنها تعيد تموضع نفسها وتبدأ بنفخ صغارها من العرين إلى المياه مستخدمةً الممصّ، وبعد الفقس يعرف الصغار تماماً ما يجب أن يفعلوه.

يقول كوسغروف: ”إنهم مذهلون، طولهم ستة ميليمترات ووزنهم 0.092 غرام فقط، إنهم صورةٌ طبق الأصل عن والديهم، لهم ثمانية أذرع مزخرفة بممصات، وقادرون على تغيير لونهم مباشرةً بعد الفقس، حتى أنهم يستطيعون أن ينفثوا دفعةً صغيرةً من الحبر عندما يتم إزعاجهم مثل والديهم تماماً“.

صغير الأخطبوط.
صغير الأخطبوط. صورة: Stuart Westmorland/Corbis

تمتنع الأم عن الأكل طوال فترة الحضانة وهذا ما يجعلها مرهقة جداً، ولعلّ سبب امتناعها عن الطعام يكمن في أن الطعام من الممكن أن يجذب انتباه المفترسين القريبين منها، أو لأن بقايا الطعام يمكن أن تقرب الطفيليات من بيوضها. تتابع الأم ضخ الماء بلطف على صغارها دافعةً إياهم بعيداً عن العرين حتى تصبح هي ذاتها حرةً وعلى بعد مترين أو ثلاثة من فتحة الكهف تلفظ آخر أنفاسها وتموت.

يذهب بعض صغارها مباشرةً إلى سطح المحيط حيث يحصلون على الغذاء ويبدأون بالنمو، والبعض الآخر يغور في عمق المحيط متفادياً قناديل البحر والقروش والحيتان الزرقاء آملاً بالنجاة، ويبقى السؤال كم عدد الصغار الذين سيصلون لمرحلة البلوغ من أصل 56000 صغيراً ليصبحوا أكبر أخطبوطات العالم؟

وفقاً لـ(كوسيغروف) فإن أخطبوطين اثنين ذكراً وأنثىً فقط ينجوان ليصبحا بالغين، وعادةً ما تكون المحصلة ثابتة، أي أنَّه بعد كل هذه الشهور الطويلة من المعاناة، وكل تضحيات الأم التي تقدمها فإن كل ما ينجو من الصغار هو اثنين فقط يقومان بتعويض والديهما.

مقالات إعلانية