من الصعب جداً أن نتخيل كيف كانت الحياة قبل ظهور التصوير الرقمي، والتصوير الفوتوغرافي عالي الدقة، والتعديلات المجهرية، فقد كانت الطريقة الوحيدة لرؤية العالم الطبيعي عبر النظر إليه بواسطة العين.
قبل وقت طويل من ظهور الصور الفورية، كان على البشر الاعتماد بشكل كبير على مخيلتهم وذاكرتهم لاستعادة وتذكر الأشياء المذهلة التي صادفوها في البرية، كانت النتائج مذهلة ونابضة بالحياة وبعضها خيالي جداً.
كان التوضيح النباتي يعتبر شكلاً من أشكال الفنون لمدة قرون، حيث كان البشر في مصر القديمة يستخدمون الرسم لمساعدة الناس على التمييز بين النباتات الصالحة للأكل والنباتات التي يمكنهم استخدامها لاستخراج الصباغ، كما تم استخدام الرسم التوضيحي للنباتات في هولندا خلال القرن السابع عشر لمساعدة جامعي بصيلات زهرة الخزامى لتسجيل الاختلافات النادرة بين هذه الأزهار.
كانت الرسوم التوضيحية للنباتات شائعة فهي تشرح لنا أقسام النبات ومراحل نموه وحياته، وقد قدمت هذه الرسوم للعالم الطبيعي خدمات كبيرة على مدى قرون، فقد كانت في كثير من الأحيان أكثر دقة من الصور الفوتوغرافية الحديثة.
يقول (روبين جيس)، مدير برنامج الفن والرسومات النباتية في الحديقة النباتية في نيويورك: ”يمكن للرسم التوضيحي أن يُظهر أجزاءً مختلفة من النبات في نفس الوقت، وهو أمر لا يمكن للصورة أن تصوره“، وأضاف (لورانس جيه دور) من البرنامج النباتي: ”الرسم التوضيحي أفضل من أي وسيلة أخرى لتصوير النبات“.
ومع هذا فقد أصبحت الرسوم التوضيحية أقل شيوعاً بعد اختراع الكاميرا، كما أثرت النفقات التي تتطلبها مثل هذه الرسوم على اختفائها شيئاً فشيئاً.
في الآونة الأخيرة، قامت مكتبة تراث التنوع البيولوجي BHL بالتعاون مع مؤسسة (سميثسونيان) التعليمية برقمنة الرسوم التوضيحية للطبيعة منذ أوائل القرن الرابع عشر في مجموعة متاحة للعامة، حيث تضم هذه المجموعة على رسومات بالأبيض والأسود وأخرى ملونة، بغرض تعريف الناس وفتح الباب أمامهم لاستكشاف عالم النباتات والحيوانات القديمة قبل أن تتأثر بالتغيرات المناخية التي يشهدها عصرنا.
الهدف الرئيسي من هذه المجموعة هو التثقيف وليس الإبهار، فبغض النظر عن مدى جمالها فقد كانت هذه الرسومات أداة مفيدة لحفظ وفهرسة أنواع النباتات.
كما يعتقد الباحثون في مكتبة تراث التنوع البيولوجي BHL أن مثل هذه الأعمال الفنية القديمة يمكن لها أن تساعد علماء الحشرات في عصرنا الحديث على فهم كيفية تأثر حياة الحشرات بالكوارث الطبيعية كحرائق غابات أستراليا، كما يمكنها أن تساعد الباحثين في محاولاتهم لإعادة إحياء النظم البيئية المتضررة في أعقاب الكوارث الطبيعية.
لاحظ الباحثون أن بعض النباتات التي تظهر في هذه المجموعة قد تغيرت بشكل كبير الآن مما يدل على قدرتها على التكيف مع التغيير.
كما تبين لنا هذه الصور مدى الاختلاف الكبير بين طريقة تفكير البشر قديماً بالعالم الطبيعي وطريقة تفكير علماء اليوم، فعلى سبيل المثال العديد من الرسوم التوضيحية للحيوانات تصور لنا مخلوقات في وحدات أسرية مما يجعلها أكثر ارتباطاً بالبشر وفقاً للمعاير الاجتماعية الخاصة بهم قديماً.
فمثلاً في العديد من صور الفيلة يظهر فيها الفيل الأب والفيلة الأم بصحبة صغيرهما، ولكن للأسف فشلت الرسوم التوضيحية للعالم الطبيعي وفقاً للمعايير الاجتماعية في تصوير كيف تعيش هذه الحيوانات بالفعل، ففي الواقع تعيش الأفيال الصغيرة مع أمهاتها فقط بينما تميل الأفيال الذكور للتجول بمفردها.
تم افتتاح مكتبة تراث التنوع البيولوجي BHL في عام 2006، وهي تعتبر أكبر مكتبة رقمية في العالم تتيح لروادها الولوج إلى أرشيف التنوع البيولوجي، حيث تهدف المكتبة لتزويد روداها بإمكانية الوصول إلى المواد المؤرشفة التي تتوفر فقط في المكتبات الصغيرة أو المجلدات القديمة.
تساعدنا هذه المكتبة الرقمية الجديدة على فهم الفنون القديمة والتعلم منها، كما أنها تساهم في زيادة تقدير أهمية التنوع البيولوجي في جميع أنحاء العالم، إليكم 34 صورة موجودة ضمن هذه المكتبة الرقمية: