in

روسيا تعيد فتح التحقيق في حادثة معبر (دياتلوف) الغامضة التي وقعت في سنة 1959

يتلخص حادث معبر (دياتلوف) في الموت الغامض الذي حلّ بتسعة متزلجين شباب عُثر عليهم في حالة مربكة جدا ومحيرة: كانوا عراة، ومصابين بإصابات بليغة، مع كون بعض أعضاء أجسامهم مفقودة.

مخيم المتزلجين في معبر (دياتلوف). يمكننا أن نرى من هنا بوضوح أن الخيمة قد تمزقت، سنة 1959.

في 23 يناير سنة 1959، خرج تسعة متزلجين متمكّنين كانوا يدرسون في معهد (أورال) التقني، في نزهة طويلة سيرا على الأقدام في جبال (أورال) الشمالية، ولم يشاهَدوا أحياء أبدا بعد مغامرتهم تلك.

لم ير العالم منهم بعد ذلك سوى بعض الصور من أيامهم الأخيرة، ومشهد مربك للموقع الذي خيّموا فيه، وكذا نتائج تشريح جثثهم التي كانت محيرة هي الأخرى. منذ ذلك الحين وحادثة معبر (دياتلوف) تمثل مورداً غزيرا لنظريات المؤامرة التي تنوعت من التستر الحكومي على بعض العمليات السرية، إلى بعض الظواهر الخارقة للطبيعة، وكل ذلك لسبب وجيه بالطبع بالنظر إلى طبيعة الحادثة التي تحير ألمع العقول.

الآن؛ أعاد المسؤولون الروس فتح القضية الغريبة، ذلك أن ”أقارب الضحايا، ووسائل الإعلام والرأي العام“ مازالوا يطلبون من النيابة العامة الإفصاح بالحقيقة فيما كان قد حصل في ذلك اليوم، مثلما صرح به (ألكسندر كورينوي)، الممثل الرسمي للنائب العام في روسيا لشبكة CNN.

قبل ستين سنة من الآن، قاد الطالب الجامعي الشاب (إيغور دياتلوف) سبعة من رفاقه الشباب وامرأتين في خرجة ترفيهية لتغطية مسافة 260 كيلومتر في غضون 16 يوماً عابرين جبال (أوتورتن) و(كولات سياكل) في شمال (أورال). كانت المجموعة تنوي الوصول إلى قرية تدعى (فيتزاي) تقع وراء الجبال، والتي كان من المقرر أن يرسلوا منها رسالة تيليغرام يختمون بها رحلتهم.

الشباب: (دوبينينا)، و(كريفونتشينكو)، و(تيبو-برينيول)، و(سلوبودين) خلال أيامهم الأخيرة سنة 1959، بكاميرا (يوري كريفونتشينكو). صورة: Yuri Krivonischenko’s

بالطبع لم يحدث ذلك أبداً، وتم بعد اختفائهم لوقت طويل الشروع في حملة بحث واسعة عن مجموعة الشباب المفقودين تلك في العشرين من فبراير من نفس السنة، وما وجده فريق البحث بعد ستة أيام مازال يحير العقول إلى اليوم: خيمة ممزقة إلى نصفين وجثتا (يوري دوروشينكو) و(يوري كريفونتشينكو) عاريتان على بعد كيلومتر ونصف عن الخيمة. عثر على ثلاثة متزلجين آخرين من المجموعة بعد بضعة أيام، بمن فيهم (دياتلوف)، أما الأربعة الباقون فعثر عليهم بعد شهرين عندما ذابت الثلوج.

تعرض بعض الشباب المتزلجين الضحايا إلى كسور قوية على مستوى الصدر لن يستطيع إحداثها سوى حادث سيارة خطير، وكانت إحدى الفتاتان قد فقد لسانها، وعيناها، وجزء من شفتيها، وقسم كبير من جلد وجهها، كما كان جزء من جمجمتها مفقوداً.

جثث (يوري كريفونتشينكو) و(يوري دوروشينكو).
جثتا (يوري كريفونتشينكو) و(يوري دوروشينكو). صورة: Russian National Files

على الرغم من أن قضية تحقيق قد فتحت في نهاية شهر فبراير بداعي أن جريمة قتل جماعية قد تكون وقعت، فإنها خلصت إلى أن ”قوة طبيعية عفوية“ كانت السبب في موت المتزلجين. أبقى السوفييتيون على سرية القضية إلى غاية سبعينات القرن الماضي، عندما حظيت باهتمام محلي ودولي كبيرين.

لمدة تجاوزت نصف قرن من الزمن، ظل المحققون في حيرة من أمرهم لا يدرون فعليا ما الذي كان قد وقع في معبر (دياتلوف).

المسؤول الروسي (أندري كورياكوف) في المؤتمر الصحفي في (ييكاترينبيرغ) في روسيا في يوم الاثنين الفارط.
المسؤول الروسي (أندري كورياكوف) في المؤتمر الصحفي في (ييكاترينبيرغ) في روسيا في يوم الاثنين الفارط. صورة: Donat Sorokin/Getty Images

وفقا لمكتب المدعي العام، فقد خرج الناس بأكثر من 75 نظرية حول ما كان قد وقع في تلك السنة في معبر (دياتلوف)، وقد تنوعت هذه النظريات من اختطاف على يد كائنات فضائية، إلى التعرض للاغتيال على يد شعب (المانسي) –الذين هم عبارة عن عشيرة تقدس هذه الجبال وترى فيها مصدر روحانيتهم ويؤمنون أنها يجب حمايتها–، واقترح آخرون أن الحدث كان عبارة عن خدعة تم تلفيقها من أجل إبعاد الأنظار عن مشاريع وبرامج ضخمة وسرية لبناء أسلحة فتاكة في المنطقة واختبارها.

غير أن هذا التحقيق الجديد الذي أعيد فتحه، لن يأخذ بعين الاعتبار سوى ثلاثة نظريات محتملة التي كانت محصورة في أسباب على علاقة بالطقس والأحوال الجوية، يقول (كورينوي): ”لدى كل [هذه النظريات] عامل مشترك وهو الظواهر الطبيعية“، وأضاف: ”تم إسقاط نظريات الفعل الإجرامي، حيث أنه لا يوجد أي دليل حتى وإن كان غير مباشر ليشير في هذا الاتجاه. قد يكون الحادث قد وقع سواء بسبب انهيار جلدي، أو انزلاق صفيحة جليدية ضخمة، أو بسبب إعصار“.

قدم متحدث رسمي باسم مكتب المدعي العام لمنطقة (سفيردلوفسك) الروسية ملف القضية الأصلي الذي يتكون من 400 صفحة من الوثائق والأدلة خلال ندوة صحفية بحر هذا الأسبوع.

نصب تذكاري تخليدا لأرواح المتزلجين الشباب.
نصب تذكاري تخليدا لأرواح المتزلجين الشباب.

في الشهر القادم؛ برمجت هيئة النيابة العامة زيارة لموقع حادثة (دياتلوف) مع طاقم من وحدات الإنقاذ والخبراء، بمن فيهم خبراء الأدلة الجنائية.

يقول (بيتر بارتولومي)، وهو صديق سابق للشاب (دياتلوف) الذي حضر المؤتمر الصحفي، أن الرجل الشاب كان: ”شخصا واسع المعرفة، ورياضيا، وكان دائما على استعداد..شخص كان بوسعك الاعتماد عليه دائما“، واستطرد: ”يمكنني أن أقول نفس الشيء على بقية المجموعة، على الرغم من أن لا أحد فينا خرج في الكثير من الرحلات مثلما فعله (إيغور دياتلوف)، وأنا سعيد بأنه بعد عدة سنوات أعيد فتح تحقيق من مستوى رفيع من أجل فهم ما كان قد حصل في الواقع“.

يبقى ما إذا كان هذا التحقيق الجديد الذي فتحه المسؤولون الروس للبحث في القضية سيقربنا أكثر من معرفة الحقيقة وفهم ما كان قد حدث أمرا مجهولا حتى الساعة، ولا يسعنى إلا أن نأمل أن ينجحوا في فك الغموض عن هذه القضية القديمة والمحيّرة.

مقالات إعلانية