in

لماذا كان الروس يعلقون سجاداتهم على الحائط بدلاً من وضعها على الأرض؟

بفضل الإنترنت، لعلّك شاهدت الكثير من الصور الساخرة من حياة سكان الأرياف الروس على وسائل التواصل الاجتماعي، فترى مثلاً سيدة عجوزاً تحمل بندقية كلاشنيكوف أو شاباً مرتدياً بنطال وسترة «أديداس» وهو يحتسي الفودكا من الزجاجة وسط الثلج، وعلى الأرجح أنك غالباً ما شاهدت صوراً ساخرة لمجموعة من الروس، ورأيت في الخلفية سجادة معلقة على الجدار، وليست موضوعة على الأرض.

شيء غريب حقاً، إذ من الطبيعي أن توضع السجادة على الأرضية كي تدفئ الغرفة والبلاط، إذاً ما السبب وراء ذلك؟

السجاد في تاريخ روسيا

كان امتلاك سجادة يتطلب انتظاراً طويلاً، فكان امتلاك سجادة يعني أن صاحبها شخصية مهمة أو ثرية. صورة: V. Kalinin/Sputnik

بالطبع، عرف الروس السجاد قبل مجيء الاتحاد السوفياتي، بل كانت أفخم أنواع السجاد تُصنع في أجزاء من الإمبراطورية الروسية، كطشقند وتركمانستان وكازاخستان. وكان القياصرة الروس يفاخرون بساجادتهم المزخرفة وباهظة الثمن، والتي كانت أقرب إلى تحفة فنية منها إلى سجادة للتدفئة.

عُرف السجاد في أوروبا عموماً جراء الهدايا والتجارة من بلاد المسلمين، بالتالي كان السجاد في أوروبا خلال العصور الوسطى غرضاً للزينة. وفي بلاد فارس، كان السجاد يُعتبر كنزاً ثميناً جراء الجهد الكبير والتفاني في تصنيعه.

وهكذا، أصبح امتلاك السجاد في أوروبا دليلاً على المكانة الاجتماعية الرفيعة لمالكه، وكذلك الأمر في روسيا، حيث كان السفراء يحملون معهم السجاد هدايا للقياصرة الروس. فغرفة القيصر (أليكسي)، الذي حكم في القرن السابع عشر، كانت مليئة بالسجاد المعلق على الجدران والأرضية والسقف حتى.

وصلت هذه الموضة أيضاً إلى النبلاء الروس والأثرياء، واستمرت الموضة خلال القرن التالي. سابقاً، كان (بطرس الأكبر) قد أسس أول مصنع للسجاد لأنتاج البسط الفاخرة من أجل تزيين قصوره وغرفه. وفي القرن التاسع عشر، وصلت موضة امتلاك السجاد إلى منازل الروس العاديين، فكان سكان البلدات يشترون السجاد ليظهروا ثرائهم أو مكانتهم في المجتمع.

السوفيات وجنون السجاد

الكتل السكنية السوفيتية الشهيرة، والتي لم توفر لأصحابها الدفئ الكافي فاضطر الروس والأوكرانيون إلى تعليق السجاد على الحائط للحفاظ على دفء المنزل. صورة: Wikipedia

في العصر السوفياتي، كان السجاد أيضاً دليلاً على الراحة المادية للعائلة، فلم يعد السجاد رخيصاً كما كان في السابق، بل أصبح السجاد العادي باهظ الثمن أيضاً. كان راتب الموظف الشهري في الستينيات يتراوح بين 120 إلى 150 روبل، بينما كانت السجاد الواحدة تكلف أكثر من 125 روبل، وفي السبعينيات، قفز سعرها ليصل إلى 300 روبل وأحياناً 500 روبل. ومع ذلك، كان الروس يرغبون دائماً بشراء السجاد، فقط ليعلقوه على الجدران، لماذا برأيكم؟ في الحقيقة، هناك مجموعة عوامل وراء هذا التقليد.

في البداية، يجب أن نوضح فكرة مفادها أن الروس لم يعيشوا هكذا قبل حدوث الثورة الصناعية في روسيا، فلم تكن الشقق السوفياتية التي نعرفها بشكلها الحالي موجودة في السابق. في الستينيات، أراد السكرتير العام للحزب الشيوعي (نيكيتا خروتشوف) تحديث البلاد، فبدأ بناء تلك المجمعات السكنية المتكتلة على بعضها والتي تشبه علب الكبريت، ولأن معظم الشعب كان يعيش في القرى، فازداد الطلب على المسكن، ما أدى إلى بناء تلك الشقق بطريقة تسمح بتوفير المال وتوفر السكن لملايين الروس الذين باتوا يعملون يومياً.

ارتأى (خروتشوف) أن تُبنى تلك الشقق من الإسمنت (الخرسانة)، وعُرفت تلك الشقق باسم (خروشتشيوفسكي)، نسبة إلى الزعيم السوفياتي، وكانت شديدة البرودة في الشتاء لأنها مصنوعة من الخرسانة أولاً، ولأن جدرانها رقيقة جداً كي تمنع البرودة، لدرجة أنك قد تسمع صوت التلفاز في الغرفة المجاورة حتى لو كنت في المطبخ مثلاً، فما بالك بأصوات الجيران وبكاء أطفالهم مثلاً. لذا جاء السجاد ليكون وسيلة لعزل البرودة بالدرجة الأولى، والأصوات بالدرجة الثانية، تحديداً في أماكن روسيا الباردة كالأقاليم الشمالية أو الشرق الأقصى.

يُعتبر تعليق السجاد على الحائط من التقاليد الموروثة في روسيا وأوكرانيا، لكنه لم يعد موجوداً اليوم بكثرة.

يقول أحد المدونين من سيبيريا: ”لم نهتم بشكل السجاد المعلق على الحائط، فعندما تكون درجة الحرارة في الخارج 40– درجة سيليزيوس، لدرجة أنك تشعل عود الثقاب في المنزل فترى النار تشتعل نحو الأسفل بسبب تيار الهواء البارد الهابط، سيكون السجاد وسيلتك الأفضل للتدفئة أثناء النوم“. ولأن السجاد يعزل الصوت، وجدران الشقق السكنية رقيقة جداً، كان الروس يعلقون السجاد كي يعزلوا الصوت أيضاً وينعموا بليلة هادئة.

أما السبب الأخير لهذه الموضة، فهو نفس السبب الذي دفع النبلاء إلى اقتنائها، فهي تضيف لمسة جمالية إلى الغرفة، تحديداً أنواع السجاد المصنوعة يدوياً. فكان وجود السجادة في المنزل يعني أن هذه العائلة السوفياتية تملك المال أولاً، وذات شأن رفيع ثانياً. فالمشكلة لم تكن دائماً بالمال.

حتى لو توفر لديك المال الكافي في زمن الاتحاد السوفياتي، لن تتمكن ببساطة من النزول إلى المتجر وشراء سجادة وتعليقها على حائطك، إذ كان السوفيات يضطرون للتسجيل ضمن قائمة طويلة مرتبة حسب زمن تقديم الطلب من أجل الحصول على سجادة، حيث لم يكن بإمكانك حينها اقتناء شيء أو غرض ما بدون أن ”تستحقه“. بالتالي، كان الروس ينتظرون شهوراً أو حتى أعواماً للحصول على سجادة، ولم تقتصر قوائم الانتظار تلك على السجاد، إذ كان على الروسي التسجيل والانتظار للحصول على خزانة أو غسالة أو آلة لتقطيع اللحم أو حتى تماثيلاً للزينة.

كان السجاد أيضاً قطعة محببة لدى الأثرياء والأمراء والملوك والقياصرة، لذا تعليق السجاد على الحائط ليس من عادات الفقراء مثلاً. صورة: Oberto Gili

لكن عندما يجمّع السوفياتي أغراض منزله كاملة، يصبح حينها واحداً من سكان المدن الذين ينعمون بمزايا الشيوعية التي تضعهم في طبقة مختلفة عن تلك الطبقة العاملة التي لا تحصل سوى على أساسيات الحياة. وبالتالي، استمر السجاد بكونه أداة لعرض الثروة والمكانة الرفيعة، وإن استطاع سوفياتي تعليق سجادة على الحائط ووضع أخرى على البلاط، فهذا يعني أنه ثري جداً.

أصبح السجاد جزءاً من حياة الروس في الاتحاد السوفياتي، لدرجة أن بعض الخرافات والأفكار السطحية المتعلقة بالسجاد قد ظهرت أيضاً، فهناك مثلٌ يقول ”عليك ألا تعلّق سجادة على الجدار لأنها قد تؤدي إلى نشوب خلاف وصدع في العائلة“، وهذا المثل مشابه للمثل المتعلق بسكب الملح ”إذا سكبت الملح، فتأكد أن لا أحد يراك، وإلا نشب خلافٌ بينك وبين الشخص الذي رآك تسكب الملح“. يؤكد هذان المثلان أهمية وندرة المادة التي يتحدثان عنها، فالسجاد، كالملح سابقاً، كان من ضروريات الحياة الباهظة بالنسبة للسوفيات.

هل استمرّ الروس بتعليق سجادهم على الحائط؟

للسجاد اليوم مكانة في الفن، إذ أن الكثير من الفنانين صمموا أعمالهم الفنية على السجاد. صورة: Sergey Smolsky/TASS

اليوم، قد تجد بعض العائلات الروسية التي تعلق سجادها على الحائط، لكن أغلب الظن أن هذه العائلات تسكن في القرى والأرياف، وهي فقط تحافظ على التقليد لا أكثر.

أما في المدن، ومع أن هذه العادة لم تعد حاضرة بقوة، ستجد الكثير من الفنانين أو جامعي التحف الذين يهتمون كثيراً بالسجاد واقتنائه. بل ستجد الكثير من الشباب والشابات يتصورون صوراً مضحكة أمام سجادات معلقة على الحائط على سبيل المزاح، وهم بذلك يخرجون المغزى الذي عُلّق من أجله هذا السجاد على الحائط، ويجعلونه مجرد تقليد روسي مثير للضحك. لذا، إن زرت منزلاً ما ولاحظت وجود سجادة على الحائط بدلاً من الأرض، فربما عليك ألا تستغرب كثيراً، خاصة إن كان المنزل لأشخاص روسيين، فهؤلاء يقدرون سجادهم كثيراً.

مقالات إعلانية