in

قصص إلحاد الأنبياء في زمن المعجزات

قد تاتي كلمة إلحاد بمعناها المعروف في المعجم وهو‏ الكفر بكل الأديان وعدم الاعتراف بها ولا بوجودها، أو الشك في قدرات الرب الموصوفة في كتبه، وقد يكون المقصود منها العدول عن الحق كما ذُكر في المعجم أيضًا، لذا لنقرأ تلك القصص ومن ثم نختار أي المعاني نقصد بقولنا ”إلحاد الأنبياء“.

إذا قمت بسؤال أحد المؤمنين حول شكوكه أن يكون متمسكًا بالوهم بدلًا من الحقيقة المطلقة؛ غالبًا ما سوف يسارع لإسكاتك مُعلنًا أنه والحمد لله قد ولد على الدين الصحيح بغض النظر عن هوية ديانته بلا ذرة شك، أو على الأكثر سيُخبرك عن رحلته من الشك إلى اليقين إسوة بالدكتور مصطفى محمود، والتي اقتلعت شجيرات الشيطان التي نبتت في وقت التيهة داخل قلبه من جذورها. هل امتلك معلومة تثبت بالدليل القاطع صدق الرواية التي يتبعها؟ هل شاهد معجزة ما بشكل شخصي؟ لا يهم أي من ذلك فالأهم هو أنه الآن يمتلك الحقيقة المُطلقة سواء كان قادرًا على اقناعك أو لا.

نعرف أن غالبية الأديان حينما قسمت منازل الجنة أو الملكوت قد راعت أن يكون الأنبياء أكثر قربًا من عرش الإله، ومن ثم الأتباع من الصحابة والتلاميذ، وبعد ذلك يأتي الدور على المؤمنين باستثناء بعضهم الذين قاموا بأفعال نادرة أمنت لهم تذكرة بجوار الأنبياء، ولكن يبدو أن تلك القسمة ليست عادلة وإلا فكيف يضع الإله مَن لم يملك ذرة شك فيه وفي قدراته ورحمته وحكمته بعيدًا عنه، ويقرر عوضًا عن ذلك مجاورة الأنبياء الذين لطالما شككوا في كل ما سبق؟ كيف ومتى حدث ذلك.. لنروي لكم قصص قد تكون مرت عليكم دون الانتباه الكافي.

قصة إبراهيم.. 3 معجزات لا تكفي!

ستكون البداية مع إبراهيم باعتبار أننا سنختص الأديان الإبراهيمية في هذا المقال. في الحقيقة قد يكون إلحاد النبي إبراهيم هو الأغرب وغير المُبرر إطلاقًا، فتخيل مثلًا لو قام الرب بالحديث إليك مباشرة وأرسل إليك ثلاثة من ملائكته لكي تؤمن به دون شك، ورزقك بوِلد كثر كما طلبت منه في دعائك، وعلى الرغم من ذلك ظل قلبك غير مطمئن أنه بالفعل الإله خالق الكون، ألا يبدو لك ذلك كُتلة من الجحود بالتسهيلات التي لم يُقدم مثلها أي إله للمؤمنين به؟

القصة، أنه بعد نجاح إبراهيم في اختبار طاعة الله وكان على وشك ذبح ابنه إسماعيل كما أُمر؛ دعا لله أن يرزقه بالكثير من الذرية بعدما انخلع قلبه أثناء الاختبار الذي كاد يودي بحياة ابنه الوحيد، ولكن المشكلة أن سارة زوجته كانت في عمر لا يسمح لها بالحمل والولادة، فأرسل الله ثلاثة من ملائكته لكي يبشروهما بالاستجابة لدعوة إبراهيم! [مصدر]

ماذا حدث بعد ذلك؟ هل شعر إبراهيم بأنه يمتلك الحقيقة المُطلقة التي يمتلكها اليوم ذريته؟ لا، لم يطمئن بعد، وقرر مفاتحة ربه في ذلك الأمر، بل واختار بنفسه اختبار يُرضيه ويُنهي أي قدر من الشك وعدم الراحة داخل قلبه، ألا وهو اختبار ”إن كنت إلهًا فقم بإحياء الموتى أمام ناظري“، وهذا ما حدث بالفعل بعد قبول الرب لهذا التحدي السهل، وهكذا وأخيرًا سيستطيع إبراهيم النوم ليلًا مطمئنًا. [مصدر]

قصة موسى ومحمد ومراجعة الرحمة المُطلقة

في حال أردت إجراء حوار مع أحد المؤمنين حول ما يخص الرحمة في عالمنا، فبالتأكيد ستتردد على مسامعك مقولة: ”هل أنت أكثر رحمة من الله بمخلوقاته؟“ وقد يبدو هذا منطقيًا إذا ما افترضت امتلاك الإله للرحمة المطلقة إلى جانب الحكمة المطلقة أيضًا، فإنك لن تستطيع الإقدام على مراجعته في كلاهما.

لكن النبي موسى وفقًا للمسلمين كانت له وجهة نظر أخرى قام النبي محمد بتأييده فيها، نتحدث هنا عن قصة فرض الصلوات على أمة الإسلام، إذ أنه خلال رحلة الإسراء والمعراج التي خاضها محمد وفقًا للروايات الإسلامية وعندما تقابل الإثنان وعلم موسى بمقدار فرض الصلوات على أمة محمد؛ نصحه بأن يرجع إلى الرب ليُخفف عددها شفقة على المشقة التي سيتكبدها المسلمون إذا ما قبل محمد بالأمر الأول، وبالفعل رجع محمد إلى الله الذي وافق على التخفيف، ومن ثم عاد محمد إلى موسى ليخبره بنجاح الخطة؟ ولكن موسى لا يرى أن الرحمة قد بلغت الحد المطلوب لذا فها هو يأمر محمد بالعودة إلى الرب وطلب التخفيف مجددًا، وهكذا حتى وصلت الفروض إلى خمسة فقط.

هل كان موسى أرحم من الله بمخلوقاته؟ لماذا شكك أصلًا بأن ما فُرض على أمة محمد لا يسع الإنسان فعله طالما أن الله لا يُكلف النفس إلا وسعها؟ حتى مقولته لمحمد ”إني قد جربت الناس قبلك“ توحي بعدم عِلم الله بتلك المعلومات.

على كل حال، إذا ما كان موسى ومحمد يؤمنان حقًا بأن الله مطلق الرحمة والحكمة والمعرفة ولا يكلف النفس إلا وسعها بلا شك، فلربما كان المسلمون يقيمون الفروض الآن 24 ساعة يوميا، إلا أن رحمة موسى وعِلمه بالنفس البشرية كان لها مفعول السحر.. أليس كذلك؟ [مصدر]

المسيح: ”إلهي لماذا تركتني؟“

على الرغم من معرفة يسوع لكامل الخطة الموضوعة من الرب لتخليص البشر من العذاب الذي كان قد حضره لهم، إلا أن يسوع هو الآخر قد شك في الكثير من الأشياء حينما وصل الأمر إلى صلبه.

الشك الأول في رحمة الرب الذي تركه للعذاب والألم، ولا نعني هنا أن اللاهوت قد ترك الناسوت ولكن المقصود بمقوله لماذا تركتني ”إيلي إيلي لما شبقتني؟“ أنه كان بمقدور الرب تخفيف حجم الألم على المسيح أو حتى تخليصه منه تمامًا، ولم يفعل.. لك أن تتخيل أن يقع أحد المؤمنين في كرب ما فيتطلع إلى السماء قائلًا: ”لماذا تفعل هذا بي؟“ أو ”لماذا تركتني أعاني يا الله“، بالطبع سيأتيه الرد سريعًا بتنبيهه ألا يكفر وأن يتقبل ما حدث له بإيمان ودون شك في رحمة الله، إيمان لم يعرفه المسيح على صليبه حتى.

الشك الثاني في خطة الرب والتي كانت مبنية في الأساس على تعذيب المسيح حتى يتم تخليص كل البشر من العذاب العظيم، وإما أن المسيح كان يعرف ذلك ولكنه تعرض إلى أكثر من المتفق عليه، أو أنه لم يعرف ذلك وشك في حكمة الرب من عدم التدخل وفي الخطة كاملة نفسها. [مصدر]

أما بعد.. بالطبع يُمكن لأي رجل دين أن يبرر كل قصة من القصص السابقة ويُبدل مشاعر الشك في الرحمة والحكمة والألوهية إلى قمة مشاعر الإيمان، فهذا هو عمله في النهاية، ولكن تلك القصص في حقيقتها تحتوي على سؤال منطقي إلى من يدعي أنه يمتلك الحقيقة المطلقة: ”هل تؤمن بالله أكثر من ابراهيم؟“ ”هل تؤمن برحمة الله وحكمته وواسع معرفته أكثر من موسى ومحمد والمسيح؟“

إذا كانت إجابتك هي ”لا“، إذا فمن أين أتيت بالإيمان المطلق دون أدنى شك لعلنا نعرف ما الذي فاته أنبياء الله ولم يفت عليك؟! كيف تدّعي أنك تتبع الحقيقة المطلقة في الوقت الذي شك فيها من كلم الرب مباشرة ومن رأى ملائكته ومن اشترط معجزة ما أن تحدث حتى يطمئن قلبه؟ أعتقد أن بعد كل تلك المعجزات التي حدثت لهؤلاء الأنبياء كما تؤمن، فمهما كانت معجزتك أو إشارتك فهي لا تُقارن مع معجزاتهم، لذا إن كان مسموح لهم بالشك والمراجعة ولو لمرة فهذا يعني أنه ليس من المنطقي ألا تقضي حياتك كلها دون أن تصل إلى شعور امتلاك الحقيقة المُطلقة.

والسؤال الأهم.. إذا كان الله قد ضمن الجنة لمن شك فيه أو في حكمته ورحمته برغم تواصله معه شخصيًا أو عبر ملائكته، فكيف سيُعذب من يشك فيه دون التواصل معه أو معاصرة معجزة عظيمة في زمن انتهاء المعجزات.. ولكن ذلك أمر آخر ربما سنتحدث عنه فيما بعد.

مقالات إعلانية