in

تعرف على (صوفيا)، أول روبوت ينال لقب ”مواطن“ سعودي

صوفيا الروبوت المواطنة السعودية

في شهر أكتوبر من السنة الفارطة، أصبحت المملكة العربية السعودية أول دولة في العالم تمنح ”رجلا آليا“ حق المواطنة.

عندما صُعد بها على خشبة المسرح لتصرح بحالتها المدنية الجديدة، قالت (صوفيا) بأنها كانت ”تشعر بفخر وشرف كبيرين على هذا التميز والتفرد الذي مُنحت إياه… إنه أمر تاريخي أن أكون أول روبوت في العالم يتم إعطاؤه حق المواطنة“.

منذ أن أصبحت أول رجل آلي مواطن في العالم، لم تتوقف (صوفيا) عن استعمال جواز سفرها في استعمالات مفيدة، وفي أحد فعاليات مهرجانات ومؤتمرات السينما التي تنعقد في (أوستين) بولاية (تكساس) الأمريكية تحت عنوان SXSW علقت (صوفيا)، عن طريق الخطأ على ما يبدو، على أنها كانت ترغب في ”تدمير الجنس البشري“.

كما كانت صوفيا قد تلقت زوجا من السيقان وخطت أولى خطواتها، وصرحت على أنها كانت ترغب في استغلال موقعها الفريد من أجل المناهضة والدفاع عن حقوق النساء في المملكة العربية السعودية.

إن هذه النقطة هي التي تبرز سخافة الوضع بالتحديد (إذا لم تكن تفكر عزيزي القارئ أن الأمر برمته سخيف أصلا)، ففي بلد لم يتم فيه تمرير القوانين التي تخول النساء من قيادة السيارات سوى في العام الفارط، وحيث ما يزال يعمل ببعض أكثر القوانين والقواعد التعسفية في حق النساء، على غرار قانون يمنعهن من اتخاذ أية قرارات قانونية أو مالية دون حضور ”راعٍ“ ذكر، فأمر كون (صوفيا) ترغب في حمل شعلة الدفاع عن حقوق النساء من السعودية نفسها هو أمر مهين، كما يبدو أن (صوفيا) تملك من الحقوق أكثر من نصف البشر من سكان المملكة العربية السعودية.

قد تكون (صوفيا) أول مواطن روبوت في العالم لحد الساعة، لكنها ليست وحيدة في ذلك تماما، ففي شهر نوفمبر من سنة 2017، منحت (طوكيو) برنامجا آليا روبوتيا بطاقة الإقامة الرسمية ضمن دائرة مدينة (شيبوا)، نفس الأمر حدث عندما أخذ البرلمان الأوروبي يدرس احتمال إعلان بعض الروبوتات ”أشخاصا إلكترونيين“.

إن منح لقب ”مواطن“ لـ(صوفيا) قد يحدث فراغا كبيرا في الأنظمة القانونية حول العالم كله، كما قد يضر بالفهم العام لمفهوم الذكاء الإصطناعي، وبشكل أساسي يضر بمفهوم حقوق الإنسان في حد ذاته.

لم تكن حركة المملكة العربية السعودية في هذا الشأن سوى حركة دعائية ”رخيصة“، لكنها كانت فعالة جدا، حيث تم تصميم هذا الحدث ليتزامن مع مؤتمر (المبادرة الاستثمارية المستقبلية) في العاصمة (الرياض)، وليرمز إلى أن مستقبل الدولة الاقتصادي لن يقتصر فقط على البترول والمحروقات.

في زمن أصبح يلعب فيه الذكاء الاصطناعي والروبوتيات أدوارا أكبر وأهم في مجتمعنا البشري، يجب تصميم وكذا إعداد سياسات دقيقة لضمان عدم حدوث أو انتهاج تحيزات مؤذية ومضرة، حيث أن كل تلك الحالات السابقة التي تم الإبلاغ عنها حول إظهار الذكاء الاصطناعي للتمييز العنصري والتمييز الجندري هي أكثر من كافية لتبين لنا بأن هذا الأمر هو بحق مشكلة ضاغطة وعويصة.

بينما قد تكون (صوفيا) روبوتا متقدما وواقعيا نسبيا، فهي ما تزال تتواجد ضمن ذلك الوادي العميق والغريب، الذي يمثل أفكارنا المسبقة حول الكيفية والمظهر الذي يجب أن يبدو عليه الروبوت المتقدم ويتصرف وفقا له، حيث أنه بالإمكان، بسهولة تامة، قرن مظهرها الواقعي وكذا ملامحها وتعابير وجهها بتجارب ”صانعها“ المسبقة كمصور لدى شركة (والت ديزني)، حيث عمل على تقنيات التحريك لدى ذات الشركة؛ ومنه نجد أنفسنا نتساءل: ”لماذا لا يسعنا إذن منح روبوتات (ميكي ماوس) حق المواطنة داخل متنزهاتها بينما نكون نتواجد هناك؟“ فالأمر يبدو منطقيا تماما مثل حركة منح المواطنة لـ(صوفيا).

بينما يجب تصميم ”ميثاق لحقوق الروبوتات“ في المستقبل القريب، فمن الطبيعي أن نفكر بأن هذه الحقوق التي تتمتع بها (صوفيا) حاليا ليست سوى نفس حقوق زملائها في المواطنة السعوديين -وحقوق البشر حول العالم بشكل عام- وإذا تم اعتبار (صوفيا) مواطنا حقيقيا، يجب أن يتبع ذلك إذن، وبشكل طبيعي، منحها نوعا من الحقوق التي يجب احترامها.

بعد تمحيص كل ما سبق ذكره في أذهاننا، من الطبيعي أن يكون لدى (صوفيا)، باعتبارها مواطنا فعليا، الحق في التقرير، والحق في أن تكون حرة من الاستعباد، والعديد من الحقوق الأخرى.

كما نفترض كذلك أن (صوفيا) لا يتم الدفع لها مقابل العمل الذي تقوم به بالنيابة عن شركة (هانسون للروبوتيات)، وهي الشركة التي صنعتها ومقرها في (هونغ كونغ)، ولا على أنها قد وافقت مسبقا على عدد التغييرات والتعديلات التي ستجرى عليها (كلا التعديلات الفيزيولوجية و”العقلية“).

ماذا كنا لنفعله لو أن (صوفيا) ارتكتب جريمة؟ أو رغبت في أن تتزوج؟ أو بطريقة ما تقدمت لطلب اللجوء إلى دولة ما؟ من السهل التفكير في أن الأمر برمته لم يتم التمعن والتمحيص فيه كليا بشكل جيد، ومنه فـ(صوفيا) ليست فعليا سوى مجرد ”عبد“ تم ترقيته إلى النجومية.

إلا أن (دايفيد هانسون) رئيس مجلس إدارة شركة (هانسون للروبوتيات) لا يوافق على ذلك، حيث يقول: ”إنها [أي صوفيا] حية فعليا“.

قد تكون (صوفيا) متقدمة نسبيا، لكن ذكاءها لا يزال محدودا وإجاباتها مكتوبة في نصوص برمجية وأكواد، فعلى الرغم من كونها تمثل طريقا طويلا قطعته نخبة الشركات والمخابر في هذا المجال، فإنها تبقى بعيدة كليا عن كونها مؤهلة لنيل حق ولقب ”المواطنة“ بمعايير أخرى.

مواطن سعودي يسير في أحد شوارع الرياض
كيف سيؤثر منح (صوفيا) حق المواطنة على حقوق الإنسان يا ترى؟

على سبيل المثال، من غير المحتمل أن تنجح (صوفيا) في تجاوز اختبار ”العيش في المملكة المتحدة“ الضروري من أجل الإقامة في بريطانيا، ذلك علما بأن ثلث المواطنين البريطانيين يفشلون في تجاوزه على الرغم من كونهم بريطانيين أولا وبشرا ثانيا.

بشكل مماثل، تتطلب الولايات المتحدة الأمريكية من المهاجرين الإجابة عن الكثير من الأسئلة الصعبة حول تاريخها وكذا مجتمعها.

بالنظر إلى طبيعتها الرقمية، يبقى كذلك غير واضح ما إذا كانت (صوفيا) قد تستوفي العديد من المتطلبات والشروط المواطناتية التي يجب على المواطنين ”البشر“ استفاؤها.

تقول (جوانا برايسون)، وهي خبيرة وباحثة في شؤون الذكاء الاصطناعي وعلم الأخلاق في جامعة (باث)، في تصريح لها لموقع (ذا فيرج): ”من الواضح أن الأمر عبارة عن هراء“.

إن كون المرء مواطنا يعني شيئا عميقا، وذلك الشيء العميق أصبح يعني ”أقل“ الآن باعتبار (صوفيا) مواطنا، فقد يكون هناك زمن في المستقبل تصبح فيه التكنولوجيا متقدمة للغاية لدرجة نحتاج فيها لإعادة اعتبار ما إذا بالإمكان منح الذكاء الاصطناعي والروبوتات حق المواطنة من عدمه -لكن اليوم ليس ذلك اليوم بشكل واضح.

إذا ما بدأنا بالإلحاح على أن للروبوتات نفس الحقوق التي للإنسان، فسيجعل ذلك من الأمر سهلا علينا على أن نبرر الأفعال اللاإنسانية التي نقترفها ضد زملائنا المواطنين البشريين.

مقالات إعلانية