in

المسلمون النائمون اليابانيون

المسلمون في اليابان

عن حياة المسلمين في اليابان وتجاربهم الروحية مع الدين الإسلامي، تتحدث سانجينا ساذيان: ”أثناء جولسه في مكتبة الطابق الرابع لدار عبادته، يعيد يوشي دايت Yoshi Date سرد تفاصيل تجربته الروحية، التي لا تختلف كثيراً عما قد تسمعه من رجل غربي اتجه شرقاً وهو يتلهّف للبحث عن المعنى. إلّا أن ما حدث مع يوشي هو العكس؛ نشأ هذا الياباني البالغ من العمر 24 عاماً، في عائلة بوذية ”ظاهرياً“، إلى أن أصبح مفتوناً بالتقاليد الإبراهيمية التي قابلها أثناء دراسته الجامعية في أستراليا ذات الطابع الغربي. وأثناء رحلة بحثه في تلك المعتقدات، قرر أن يبدأ يوشي بالكتاب المقدس، إلّا أنه لم يقتنع تماماً به، مما دفعه بعدها لقراءة القرآن الكريم.

يبدأ يوشي، والذي يعمل في محل لبيع عقود الانترنيت، بسرد قصته: ”لم أكن أعرف أي شيء عن رسالة الإسلام – كل ما عرفته هو بعض الأشياء التي تتعلق بالتفجيرات الإرهابية وما شابه ذلك“. ففي إحدى الليالي، رأى يوشي حلماً غريباً أثناء نومه: قنابل تنفجر، بنادق تطلق النار، وهو مختبئ وراء سيارة. وفجأة، سمع صوتاً قادماً من الخلف ينادي: الله أكبر. الأصوات نادت وكبرت: الله أكبر!

وحين استيقظ يوشي من نومه، سارع إلى البحث عن تلك العبارة على غوغل، لأنه لم يسمع بها من قبل ”حسب قوله“. وبعد تلك الحادثة، بدأ يوشي يعيش كمسلم، حيث انقطع عن أكل لحم الخنزير وشرب الكحول، كما بدأ بدراسة القرآن. وعندما عاد إلى طوكيو بعد أن أنهى دراسته الجامعية، أشهر إسلامه ونطق الشهادة – وهي الإقرار بأن لا إله الا الله، ومحمد رسول الله.

نحن اليوم في مسجد أوتوسكا، والذي يقع في حي سكني في طوكيو. على الرغم من انتهاء صلاة العصر لكن بعض الأصوات المتنوعة مازالت تملأ المكان: أميركي أبيض يغسل وجهه وشعره في حوض اغتسال المكتبة قبل تناول وجبة الغداء؛ امرأة منقبة تقف خارجاً وهي تتحدث اليابانية على هاتفها النقال؛ حوار يدور بين مهاجرين باكستانيين باللغتين الأردية والإنكليزية.

فإضافة إلى شهرتها على أنها أمة متجانسة امتزجت فيها التقاليد البوذية مع تقاليد الشنتو على مدى عصور، تعد اليابان أيضاً موطناً لهذه الشريحة الدينية ذات الإيمان الخاص: مجموعة صغيرة من المسلمين الذين يتزايدون شيئاً فشيئاً، منهم من اختار أن يعتنق الإسلام مثل يوشي، ومنهم المهاجرين من كلّ من اندونيسيا وماليزيا وبنغلادش وباكستان والعديد من الدول الأخرى.

من الصعب معرفة عدد المسلمين المقيمين في اليابان، لأن الحكومة لا تطلب من مواطنيها أن يصرحوا عن انتماءاتهم الروحية والدينية. لكن ما نعرفه بهذا الخصوص أن أعدادهم في تزايد – ففي بحث عام 2006 الذي أجراه الباحث هيروشي كوجيما Hiroshi Kojima، وصل إجمالي عدد المسلمين إلى 5300 نسمة في عام 1984، ثم 30000 نسمة في عام 1995، وثم 56300 نسمة في عام 2003. تختلف التقديرات في هذا المجال، لكن التقديرات الحالية الناتجة عن أبحاث المكتب الوطني للبحوث الآسيوية في سياتل الصادرة عام 2008، قدّرت إجمالي عدد المسلمين المهاجرين بين 70000 إلى 80000 نسمة.

لما هذا التزايد؟ نتيجة التضاؤل في نسبة القوى العاملة المنتجة لديها، فُرض على اليابان قبول العمالة الأجنبية كبديل للعمالة المحلية بسبب حاجتها لقوى عاملة؛ حيث سمحت للمهاجرين من جميع أنحاء آسيا والشرق الأوسط بالعمل لديها، بعضهم كمهنيين وبعضهم كعمّال يفتقرون للخبرة. إلى جانب عملهم في الصناعات المهنية، يستفيد المهاجرون الوافدون من فرص الأعمال التي تتطلب مهارات أعلى، إضافة إلى فرصة التسجيل في جامعات البلاد (والتي غالباً ما تكون أكثر اعتباراً من جامعات بلادهم). وفي أبرز معالم التغيير، وعد رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في حزيران الماضي بتقديم فرص أكبر للمزيد من الأجانب للمساهمة في دعم اقتصاد بلاده، وذلك كجزء من برنامجه المدعو ”أبينوميكس Abenomics“ الهادف إلى إنعاش الأمة.

علم اليابان وتركيا

وفي رواية أخرى عن تجربة أحد مسلمي اليابان، جاء هارون قريشي، وهو رجل أعمال باكستاني، إلى طوكيو في عام 1991 عندما كان طالباً. كان ناشطاً في إطار المشهد الإسلامي في المدينة، ومشهوراً باهتمامه بشؤون المهاجرين الوافدين جديداً لاسيما الذين يشعرون بالوحدة والغربة، وذلك عبر تنظيمهم وتثقيفهم. يعبّر هارون عن امتنانه لأهل بيته في اليابان؛ زوجته اليابانية وابنه التلميذ الممتلئ ذو الملامح الشرق آسيوية التي تبدو واضحة عليه حين يتحدث مع والده مستخدماً اللغة الأردية بطلاقة. ومثل أقرانه الذين غادروا باكستان، فكّر هارون سابقاً بمغادرة بلاده للتوجه غرباً إلى أمريكا أو كندا، لكنّه اليوم سعيد لأنه لم يفعل ذلك. حيث يتساءل أحياناً ”ماذا لو كنت في الولايات المتحدة إبّان أحداث 11 سبتمبر (9/11)؟ بالتأكيد كنت لأكون في السجن.“

الدين بالمعنى الغربي التقليدي لا يوحّد هوية اليابانيين، لاسيما أن اليابان هي موطن طائفة الزن ومذهب الأرض الطاهرة البوذيتين، إضافة إلى الديانة الشنتوية التي سبقت البوذية. فعلى الرغم من ذلك، يعرّف ما يقرب نصف سكان اليابان أنفسهم على أنهم غير متدينين كثيراً، وذلك وفقاً لاستطلاعات أجرتها هيئة الإذاعة اليابانية NHK، حيث يتبع معظعمهم معتقد الشنتو، الأمر الذي يقابل مفهوم الإلحاد لدى الأمركيين. ويقول هارون أن مثل هذا النقص في الهوية الروحية يجعل من المواطنين أكثر قابلية لتغيير دينهم أو معتقداتهم الروحية، و”المسلمون النائمون“ مثالاً على ذلك.

لكن العالم جون نيلسون من جامعة سان فرانسيسكو في مجاله عن العلوم الإنسانية، والخبير في الممارسات الدينية اليابانية المعاصرة، يحذرنا من مشكلة المغالطة بين غياب العقيدة الدينية وقلة ممارسة هذه المعتقدات. حيث يعتبر أن اليابانيين يتعاملون مع مفهوم الدين على أنه معتقد يمكنهم الإلتزام به أو تركه متى يشاؤون وحين يحتاجون.

وهو ما يفسر ندرة نجاح التقاليد التوحيدية في جذب أتباع لها في اليابان. يلخص جون نيلسون الأمر متسائلاً: ”لماذا قد يصبح الشخص مسيحياً أو مسلماً ويختار أن يحدّ نفسه تحت اسم دين معين واحد فقط؟“. فالمسيحية حاولت أن تبسط معتقداتها على اليابان في الفترة التي عاصرت بدء النهضة اليابانية – وقد عارضت التحولات العالمية في مجال التجارة والتكنولوجيا المتطورة إلى أن استجابت لها بشكل بطيء ومتأخر – في نهاية القرن الـ19. حيث قام المسيحيون بتأسيس الجامعات، التي ضمّت نخبة الطلاب من المثقفين والمفكّرين. ويضيف نيسلون: ”في كثير من الأحيان، كان المسيحيون المشهد الوحيد في المدينة. ولكن على الرغم من تواجدهم في مراكز السلطة والنفوذ، إلّا أنهم كانوا غير قادرين على خلق حركة جماهيرية وتغييرات كافية قادرة على جعل الناس يجدون فيها ما يبحثون عنه“. ويقدّر الخبراء أن أقل من 1% من نسبة اليابانيين يعرّفون أنفسهم كمسيحيين.

يلاحظ جون نيلسون تناقصاً في عدد مرتادي المعابد التقليدية وممارسي الشعائر الشنتوية، ناسباً ذلك إلى سلوك الشباب المعاصر والجيل الحديث الذي أصبح بإمكانه الانتماء إلى مجتمع جديد خارج نطاق تلك الأبرشيات والمؤسسات محدودة التفكير. إلّا أن المعابد تستجيب لهذا التغيير، ولن تستسلم للواقع بسهولة. كما توجد بعض الأنظمة العقائدية المحدودة والهامشية، مثل نظام شعائر يوم القيامة المعروف بـ”اوم شينريكيو/Aum Shinrikyo“، التي انحدرت من البوذية الهندية والتبتية، وقد اكتسبت سمعة سيئة خصوصاً بعد حادث هجمات غاز السارين عام 1995 في مترو طوكيو.

هل يكون دخول الاسلام الهادئ لليابان نموذجاً لعملية الاندماج العقائدي السلمي؟

على الرغم من إحتمالية ألّا يصبح الإسلام تياراً عامّاً وسائداً بشكل كبير، لكن الفضول والحب كانا سبباً لكسر الحواجز التقليدية لحوالي 10000 متحول للإسلام – وكثير من هؤلاء هنّ نساء يابانيات ينطقن ”الشهادة“ لأجل الزواج من أجنبي مسلم.

الزواج الاسلامي في اليابان
وثيقة الزواج الديني الاسلامي

قصصهم اليوم هي تطوير لتاريخ ما بعد الحرب، حيث اعتادت النساء المحليات الزواج من الأجانب البيض. ولنأخذ فاطمة، زوجة هارون كمثال. تزوج فاطمة وهارون في عام 2000، بعد عامين من اعتناقها الإسلام. أما اليوم، تقوم فاطمة بتعليم فئة الأطفال الصغار داخل بناء طويل وضيق، يعرف بمسجد اوتسوكا. فاطمة شخصية خجولة وقوية، يقول نيلسون أنها كادت أن تكون دفاعية حين قمت أنا وقريشي بطرق بابها لطلب القليل من وقتها.

كان طريق فاطمة نحو الإسلام قد تمهّد بواسطة الحركة التقدمية في العالم، محاكيةً تجربة يوشي. وكانت قد نشأت كلادينية مع والدها ”الذي يعتبر نفسه إلهاً، وهذا كل شيء“. حيث كانت تدرس في نيويورك، ولطالما انتابها شعور عميق بأن ”هنالك إله واحد، هو الذي خلقنا وهو الذي يدير كل شيء، ويسيطر على كل شيء“، تقول فاطمة أنها كانت متفاعلة مع معظم التقاليد الدينية آنذاك، إلى أن اختارت اعتناق الإسلام لدى عودتها إلى اليابان. واليوم، زوجها هو مواطن ياباني، ومعظم أصدقائهم من المسلمين. أمّا والدا فاطمة؛ اللذان تعيشان بالقرب منها وتهتم برعايتهما، ليسا متصالحين تماماً مع الإسلام. فهما لا يحبذا أي من الأديان، لاسيما الإسلام على وجه الخصوص وذلك بسبب الثياب المفروضة على ابنتهما كالثياب الفضفاضة وتغطية الحجاب، إضافة إلى ارتباط اسم الإسلام بالإرهاب. ومع ذلك، فإن والدها لا يلبث في بعض الأحيان أثناء زيارتها لهما، أن يثني بشكل لطيف على جمالها وهي ترتدي الحجاب.

في الوقت الذي يرتبط اسم الإسلام كثيراً مع معظم الفصائل المتطرفة، هل يمكن أن يكون دخول الاسلام الهادئ لليابان نموذجاً لعملية الاندماج العقائدي السلمي؟ ربما. فيمكن أن تثبت اليابان عكس ما شهدته مدناً مثل لندن وباريس – أي قد يسود التناغم بسبب الافتقار لهذا النوع من الاندماج: الثقافة اليابانية، التي لا تشتهر بثقافة الترحيب بالأجانب، تميل لتشجيع الأقليات على التحفّظ والانغلاق على أنفسهم. في الواقع، شاندرا مظفر Chandra Muzaffar؛ ناشط ماليزي مسلم مهتم بقضايا السلام العالمي والإسلام، يعبّر في كتابته عن وجود صغير للغاية للمسلمين في اليابان، ويتساءل عن المقدار الواجب على المسلمين في اليابان تعلمه من المسلمين في ماليزيا، لاسيما حين يتعلق الأمر بممارسة الشعائر الدينية الإسلامية. ويعتقد مظفر أن الدرس الأساسي والقاعدة الذهبية تتلخص في ”أن يكون المرء متكيفاً، غير متعصب لمعتقداته، وشاملا في انطباعه العام عن الآخرين“.

وأثناء المناقشات التي خضتها مع عدد من المهاجرين، أصرّ معظمهم على مسألة عدم تعرضهم للتمييز مطلقاً. حيث يشير هارون قريشي إلى أن الشعب الياباني عامةً غير مستفز بطبيعته. ويتفق معه أحمد المنصور؛ أستاذ سوري في العلاقات الشرق الأوسطية\اليابانية، قائلاً ”اليابانيون شعب سلمي جداً، إنّهم لا يقدمون حتى على قتل قط“.

تظهر التعددية الثقافية في اليابان ”إذا أردت تسميتها هكذا“، غالباً حين يتعلق الأمر بفرص العمل. حيث يمكنك العثور على مطاعم بشهادة ”الحلال“ بالقرب من مراكز المدن، تقدم الطعام المسموح به بموجب المبادئ التوجيهية الغذائية الإسلامية. في الواقع، هناك حوالي 200 مطعم حلال في طوكيو، حيث يوفّر الكثير منها طبق البينتو أو غيره من المأكولات اليابانية، وذلك وفقاً لموقع HalalInJapan.com. إضافة إلى ذلك، اغتنم عدد من المصدّرين فرصة شحن بضائع بشهادة الحلال إلى دول أخرى، مزودين أسواق الجنوب الشرقي لآسيا بالسلع الشرعية. كما يتم استدعاء موسى محمد عمر؛ أحد أعضاء مجلس إدارة المركز الإسلامي في اليابان، بشكل دوري لتفتيش مرافق الشركات التي تسعى لطلب الماركة الحلال.

وهنالك أيضاً يسري الحمزاوي؛ عضو آخر في المركز الإسلامي في اليابان، والذي يقوم بتعليم اللغة العربية للطلاب اليابانيين الكبار في السن. يعتبر الحمزاوي مهاجرا مصريا عاش في اليابان لمدة 10 سنوات، حيث يقول عن تجربته في التعليم أن معظم طلابه سعوا للتسجيل في هذه الدورات إمّا بداعي الفضول أو بهدف إدارة الأعمال التجارية مع الشرق الأوسط.

تعقد صفوف يسري التعليمية داخل مسجد ”كامي طوكيو Tokyo Cami“؛ المسجد الرئيسي في المدينة والذي بني على الطراز التركي ليوفر نمطاً أنيقاً وعبادةً هادئةً. وفيه يتاح للنساء الجلوس في الصف الثاني بصورة منفصلة عن الرجال، رغم أن ذلك غير مفروض عليهن. أمّا اليوم فهناك عدد من السيدات في منتصف العمر، نصف محجبات، وراكعات، يتحدثن مع بعضهن همساً تارةً، وينشغلن على هواتفهن تارةَ أخرى، وذلك خلال الاستراحات التي تتخلّل التأملات.

مسجد في اليابان

أحياناً أفكر بما قاله أحمد بخصوص موضوع التمييز: ”إن السلطات اليابانية تراقب المسلمين بشكل دائم. إلّا أنها لا تتعامل معهم كما يتعامل معهم الغربيون. فتراها تتواجد حول المساجد كمسجد كامي طوكيو، لكنها سلمية للغاية. وفي الغالب يقتضي الأمر في مساعدتنا لتنظيم الأمور، كركن سياراتنا“.

هذه القصة السردية يمكن أن تخدم المجتمع الإسلامي بشكل كبير. قصة عن علاقة الثقة الودّية والسلمية بين أولئك الذين يَضطهِدون وأولئك الذين يُضطهَدون. فهل هنالك رغبة كافية للحفاظ على هذه القصة حية؟ لا يزال الوقت مبكراً لمعرفة ذلك، لكن إذا كنت تعتقد أن الأمم تطمح للارتقاء بنفسها إلى خيالاتها، فسوف يكون لديك إيمان بأن قصة التعايش هذه كفيلة بالحفاظ على السلام.“

مقالات إعلانية