in

تعرّف على جزيرة فلوريس الإندونيسية، التي يقطنها بشر وثدييات أصغر وأقصر بكثير من الحد الطبيعي

لوحظ وجود أنواعٍ من الفيلة يصل وزنها إلى 300 كلغ فقط، أي أقل من وزن مثيلاتها في باقي أنحاء العالم بـ18 مرة، فلا يتعدى ارتفاع هذه الفيلة كتف الإنسان متوسط الطول!

منذ 16 عاماً، عثر العلماء في جزيرة (فلوريس) شرقي إندونيسيا على بقايا تعود إلى ما أسموه «إنسان فلوريس» أو Homo floresiensis بالإنجليزية، وهو نوع من جنس الهومو عُرف بلقب ”الإنسان القزم“ أو the Hobbit، وهو نوعٌ منقرض من البشر قصيري القامة بشكل غير طبيعي.

ومنذ ذلك الاكتشاف، أصبح العلماء مهووسين بهذه البقعة من الأرض، فمن الواضح أن الكائنات –والثدييات تحديداً– التي تعيش عليها قصيرة وصغيرة بشكل مثير للدهشة.

خريطة طوبوغرافية توضح موقع جزيرة فلوريس. صورة: Wikimedia Commons

انتشرت قصة الجزيرة عام 2004، عندما عثر العلماء على بقايا إنسان يصل طوله لنحو 1.1 متر في كهف (ليانغ بوا)، وعُثر لاحقاً على بقايا هياكل عظمية تعود لـ9 أشخاص آخرين، وأظهرت التحليلات التي أجريت على الهياكل العظمية وجود نوع مجهول من الهومو، وأطلق عليه اسم «هومو فلوريس».

يُعتقد أن هذا الإنسان عاش على جزيرة فلوريس منذ 190 ألف وحتى 50 ألف سنة، ويصل طوله إلى 1.1 متر، وهكذا يكون إنسان فلوريس أقصر من الأقزام في العصر الحديث، لذا أُطلق عليه لقب ”الإنسان القزم“. ويعتقد العلماء أن إنسان فلوريس هو سلف الأقزام الذين يعيشون على جزيرة فلوريس، وهو أمر منطقي تماماً، حتى تبيّن أن البشر الذين يعيشون على الجزيرة لا يملكون أي شيء مشترك مع إنسان فلوريس، وأن سبب قصر القامة يعود إلى الجزيرة نفسها! ويؤكد ذلك تحليل نُشر في مجلة العلوم Science، فلم يستطع القائمون على التحليل إيجاد DNA مشترك بين إنسان فلوريس والبشر الذين يعيشون حالياً على الجزيرة.

تقع جزيرة فلوريس شرق جزيرة بالي الإندونيسية على بعد 400 كم تقريباً.

في عدد من القرى المحيطة بالكهف، يبلغ طول الإنسان البالغ 1.49 متر وسطياً. افترض العلماء في بداية الأمر أن السكان هنا ينحدرون من إنسان فلوريس المنقرض، لذا حصل تزاوج بين إنسال فلوريس وإنسان النيندرتال. يشترك سكان الجزيرة اليوم مع إنسان فلوريس بالقامة القصيرة، لكنهم لا يحملون نفس الحمض النووي.

طلبت بعثة علمية أخرى عام 2013 إذن رئيس قبيلة (رامباساسا) قرب كهف (ليانغ باو) كي يسمح لهم بجمع عينات من لعاب السكان لتحليل المورثات، لكن النتيجة التي نُشرت في العام التالي صدمت العديد من العلماء.

النسخة الثانية من إعادة تشكيل ملامح الوجه الأثرية لإنسان فلوريس. صورة: Cicero Moraes et alii/CC BY 4.0

حيث تبيّن أن سكان الجزيرة يشتركون مع إنسان النيندرتال بالكثير من المورثات، كجميع سكان شرقي وجنوبي آسيا، لكنهم لا يحملون أي شيء مشترك مع إنسان فلوريس.

من المعروف أن الإنسان العاقل، أو الـHomo sapiens، هاجر إلى جزيرة فلوريس خلال حدثين تاريخيين خلال الأعوام الـ70 ألف الماضية، وأن طول الإنسان العاقل أصبح أقصر بشكل شديد خلال المرتين، وعلى الأغلب أن هذا ما حصل لإنسان فلوريس قبل وصول الإنسان العاقل.

لكن الإنسان ليس الوحيد الذي يعاني من مشكلة قصر القامة على هذه الجزيرة، حيث لوحظ وجود أنواعٍ من الفيلة يصل وزنها إلى 300 كلغ فقط، أي أقل من وزن مثيلاتها في باقي أنحاء العالم بـ18 مرة، فلا يتعدى ارتفاع هذه الفيلة كتف الإنسان متوسط الطول!

ومع غياب أي مادة وراثية يمكن نسبها إلى إنسان فلوريس، ومع وجود حيوانات قزمة ومهددة بالانقراض على الجزيرة، يعتبر العلماء هذه الجزيرة مرتعاً للقزامة. ويبدو أن سبب القزامة لا يعود إلى التزاوج الحاصل بين إنسان فلوريس وأنواعٍ أخرى من البشر، إنما السبب هو الاصطفاء الطبيعي.

جمجمة إنسان حديث (على اليمين) إلى جانب جمجمة إنسان الكهف (على اليسار). صورة: MJ Morwood/AFP/Getty Images
جمجمة إنسان حديث (على اليمين) إلى جانب جمجمة إنسان الكهف (على اليسار). صورة: MJ Morwood/AFP/Getty Images

يقول البروفيسور Peter Visscher من جامعة كوينزلاند: ”لاحظنا المتغيرات لدى سكان الجزيرة وسألنا: هل يملك هؤلاء البشر متغيرات جينية مسؤولة عن قصر القامة؟ وذلك تماماً ما عثرنا عليه، هناك الكثير من المتغيرات الجينية المسؤولة عن قصر القامة في العينات المأخوذة من جزيرة فلوريس مقارنة بالعينات المأخوذة من الجنوب الشرقي لآسيا وقارة أوقيانوسيا“.

يمكنكم أيضاً مشاهدة هذا الفيديو باللغة الإنجليزية الذي يتحدث عن هذه القصة:

لا يُعرف السبب الرئيس الذي أدى لقصر قامة الثدييات وصغر حجمها في هذه الجزيرة منذ عشرات آلاف السنين، لكن بعض العلماء يعتقدون أن السبب قد يكون مرتبطاً بشح الغذاء، حيث يكون من السهل تأمين الغذاء لكائن بجسد صغير. لكن أحد الألغاز التي لم يستطع العلماء حلها هو السبب الذي يجعل من سكان جزيرة فلوريس صغاراً جداً من ناحية الحجم مقارنة بسكان الجزر المحيطة.

أوضح عالم الأحياء القديمة (باستيان لاماس) من جامعة أديليد في حديث له مع قناة ABC: ”إن السكان الأقزام يعيشون فقط على هذه الجزيرة في إندونيسيا، أم الجزر الأخرى فعاش عليها البشر ولم يصبحوا أقصر ولم يصغر حجمهم. لذا لا بد من وجود شيء يحدث لهؤلاء السكان حتى أصبحوا مختلفين عن جيرانهم من البشر الطبيعيين في الجزر الأخرى، وتقترح الدراسة أن الاصطفاء هو السبب“.

وقال عالم الوراثة (ريتشارد إي. غرين) من جامعة كاليفورنيا سانتا كروز: ”مهما كانت العوامل البيئية المؤدية إلى القزامة على هذه الجزيرة، فمن الواضح أنها حاضرة بقوة هناك. وهذا ما يجعل القصة مثيرة للاهتمام“.

وهذا فيديو آخر من إنتاج قناة BBC، يحكي عن سكان الجزيرة، وهل هم حقاً أسلاف إنسان فلوريس؟ إن شاهدتم الفيديو، ستلاحظون أن معظم السكان لا يتجاوز طولهم 150 سم، فهل هذا سببٌ كاف لإرجاع أصلهم إلى الإنسان القزم؟

يتضح لنا أن العيش على جزيرة فلوريس أدى إلى تغييرات في بنية الكائنات هناك، حيث تشير الدلائل إلى صِغَر حجم البشر ونوعٍ واحد من الثدييات على الأقل، لكن لماذا حدث ذلك؟ لا نعرف تماماً، ونعتمد على العلم في كشف هذا اللغز.

مقالات إعلانية