in

فينيقيون أم عرب؟ جدلٌ يبدو أن لا نهاية له في لبنان

عشتروت ألهة الحب والجمال لدى الفنيقيين - رسم روزيتي
عشتروت ألهة الحب والجمال

”أنا فينيقية، ولست عربية“، هكذا كان رد (ريبيكا يزبيك)، الشابة اللبنانية ذات العشرين ربيعا، مؤكدة عندما طُلب منها تحديد هويتها، ولم تكن تملك أي دليل لإثبات ما قالته عدا عن كونها واثقة جدا منه، غير أن لبنانيا آخر، وهو (شهد سقلاوي)، يرى الأمر من منظور مختلف، فهو يقول: ”لا يوجد أي شك في كوننا عرب“، واستطرد هذا السائق البالغ من العمر 50 سنة: ”نحن نعيش في محيط عربي“.

نشب جدل شائك حول الهوية الوطنية في لبنان منذ مستهل القرن العشرين، مع كون الكثير من المارونيين، وهم طائفة المذهب المسيحي السائد في هذه البلد المتعدد الديانات والمذاهب، يقولون بأنهم نسل ينحدر مباشرة من الأسلاف الفينيقيين، وذلك في خطوة للتميز والتفرّد عن بقية المسلمين المنتشرين في الشرق الأوسط.

مع فجر الحرب الأهلية التي نخرت لبنان في سنة 1975، أصبح الجدل حول الهوية الوطنية أكثر حدّة حينما بدأ مصطلح ”فينيقي“ يستخدم كسلاح آيديولوجي وكوسيلة لتفريق المسيحيين عن المسلمين وتمييزهم عنهم، غير أن عدة أبحاث علمية تم تناولها في السنوات الأخيرة ساهمت في نفي فكرة أن السلف الفينيقي يرتبط بأية طريقة من الطرق بدين أو بآخر، أو بجنسية وطنية معينة.

يقول (بيير زلوعة)، عالم وباحث لبناني أجرى بحثا يهدف إلى تتبع الأصل الجيني لشعوب الشرق الأوسط: ”يمكنك أن تكون مسلما أو مسيحيا وأن تحمل بصمة فينيقية“، واستطرد شارحاً بأن الشعوب المنتشرة على طول الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط —سوريا ولبنان وفلسطين— تتشارك نفس التركيبة الجينية تقريباً، فهو يقول: ”عاش الفينيقيون قبل الديانات السماوية والتقسيمات السياسية والجغرافية“، تم نشر أبحاث (بيير زلوعة) في المجلة الأمريكية للجينات البشرية وحوليات الجينات البشرية.

يملك 30 في المائة على الأقل من اللبنانيين، بغض النظر عن ديانتهم، طابعا جينيا يحمل علامة الأسلاف الفينيقيين، على حد تصريح (زلوعة) لوكالة الأنباء الفرنسية، الذي أضاف قائلا: ”لقد كان من المفاجئ معرفة أنه بعد آلاف السنوات مازالت هناك الكثير من الآثار للجينات الفينيقية“.

قام (زلوعة) في بحثه هذا يجمع عينات من الحمض النووي لتعقب أثر الجينات الفينيقية لدى الشعب اللبناني اليوم، يقول: ”يظهر هذا أننا لا نختلف كثيرا عن بعضنا البعض“.

غير أن العلم لن يكون كافيا لإقناع بعض اللبنانيين، مثل (ريبيكا يزبيك)، بأنهم ليسوا فينيقيين، فهي تقول: ”بالطبع أنا أنحدر من أصل فينيقي“، وأضافت الشابة الشقراء ذات العيون الخضراء: ”لا أعتقد أن اللبنانيين عرب، لقد تطورت الحضارات، غير أننا كنا هنا على مر قرون“.

يشير بند في الدستور اللبناني الذي تم اعتماده في سنة 1943 إلى أن لبنان كانت دولة ”بوجه عربي“. غير أن هذا البند قد تم استبداله في نهاية الحرب الأهلية في سنة 1990 ببند آخر يشير إلى البلد على أنه ”بلد عربي“.

عبر الفينيقيون القدماء البحار منذ سنة 1200 قبل الميلاد، وكانوا يمرون بما يعرف اليوم بلبنان وإسبانيا والمغرب عبر قبرص وقرطاج، التي كانت مدينة مزدهرة قاموا بتأسيسها بأنفسهم في ما يعرف اليوم بتونس.

نقش سفينة فينيقية على حجر
كان الفينيقيون شعبا رائدا ومقداماً، وتجارا عابرين للبحار يرجع لهم الفضل في استخدام أول أبجدية على نطاق واسع.

كانت مدينة (صور) الساحلية اللبنانية المدينة الرئيسية في الدولة الفينيقية قديماً، والتي كانت تغطي نفس المساحة التي تغطيها لبنان كلها اليوم، ومن بين المراكز الحضرية المزدهرة في الدولة الفينيقية قديما إلى جانب (صور)، كانت هناك مدينة (جبيل)، و(صيدون)، وبيروت اليوم.

يرى المؤرخ اللبناني (بطرس لبكي) أنه بينما يتفق اللبنانيون اليوم على واقع كونهم لبنانيين، فإنهم يختلفون في واقع ما إذا كانوا يتشاركون نفس الهوية، يقول في تصريح له لوكالة الأنباء الفرنسية: ”مازال الجدل حول كيف تحدد هويتك كلبناني قائما منذ عقود“، وأضاف: ”من أجل الترويج لمشروعها السياسي الخاص؛ قامت كل فئة في المجتمع بمنح شرعية لنفسها من خلال صياغة هوية خاصة بها في سبيل تجندي الدعم اللازم لها“.

يعني هذا أنه بينما يتفق كل من السائق (سقلاوي) والشابة (يزبيك) بأنهما لبنانيان، فإنهم يختلفان في تحديد أصولهما، مما بعث العديد من الدول العربية الأخرى للسخرية من هذا الجدل. حتى الرئيس السوري (بشار الأسد) علق بشكل ظريف خلال حوار صحفي له مؤخرا بأنه متفاجئ بكون بعض اللبنانيين مازالوا يشيرون إلى أنفسهم على أنهم فينيقيون.

بالنسبة لـ(ماريان)، صديقة (يزبيك) التي رفضت الإفصاح عن لقبها، فإنه لا يوجد مجال للشك حيال الأمر، حيث قالت: ”لا يمكننا نفي هويتنا العربية“، وأضافت الشابة ذات الـ22 سنة: ”لكننا لسنا عرباً حقاً. فنحن منفتحون أكثر من البقية“.

مقالات إعلانية