in

دخلك بتعرف شجرة (نيوتن) الشهيرة التي سقطت منها التفاحة ”على رأسه“ كما يشاع

سقوط التفاحة على راس نيوتن
صورة: Johann Brandstetter/akg-images

كلنا سمعنا بقصة (نيوتن) والتفاحة التي سقطت على رأسه، كلنا اعتقدنا أن المصادفة هي التي ساعدت (نيوتن) على اكتشاف الجاذبية، ولكن الحقائق الموجودة بين أيدينا والمذكّرات المكتوبة بخصوص هذا الأمر لا تدل على ذلك.

دعونا نرى هل فعلاً سقطت التفاحة على رأس عالمنا الشهير؟ أم أن هذه الأمور ما هي إلا مجرد تلفيقات لإضفاء طابع الإثارة على قصة اكتشاف الجاذبية؟ والتي توصلنا في أيامنا هذه لاستنتاجات مخالفة عما استنتجه صديقنا (نيوتن)؟

طبعاً، نحن لا نقلل من شأن (إسحاق نيوتن)، ولكن في زمانه كان أمر اكتشاف الجاذبية والقوانين التي نتجت عنها أمراً غيّر تفكير البشرية ودفع عجلة التطور نحو الأمام.

قصة السير (إسحاق نيوتن) والتفاحة التي سقطت على رأسه هي واحدة من أحلى القصص العلمية وأكثرها ظرافة، حيث كان يجلس تحت شجرة تفاح في حديقة منزله عندما سقطت على رأسه إحدى ثمارها، وبلمعة فطنة سريعة عصفت بدماغه أتانا إسحاق بنظرية الجاذبية المعروفة!

القصة نوعاً ما مزخرفة، أو كما نقول بلهجتنا العامة ”مضاف لها بعض البهارات“ -على الأقل الجزء الذي يقول بأنها سقطت على رأس (نيوتن)- لكن على الرغم من كل هذا فهناك بعض الأجزاء الحقيقية منها.

كان أول ذكر لقصة التفاحة الساقطة على رأس عالمنا الشهير موجودا في مذكرات (جون كونديت)، وهو مساعد (إسحاق نيوتن) في دار الـRoyale Mint وزوج ابنة أخيه، وفي عام 1726، أي في نفس السنة التي تُوفي فيها (نيوتن)، تحدث (جون) عن الحادثة واصفاً إياها بالتفاصيل التالية:

”في عام 1666 تقاعد (نيوتن) مجدداً من (كامبريدج) وذهب ليعيش مع والدته في (لينكولنشاير)، وبينما كان يمشي شارد الذهن بشكل متعرج في الحديقة أتت على باله فكرة أن قوة الجاذبية -والتي أسقطت التفاحة من على الشجرة إلى الأرض- لم تكن محددة بمسافة معينة عن الأرض -أي أن تأثيرها مقتصر على بضعة أمتار عن سطح الأرض، لربما كانت هذه القوة تتجاوز حدود تصورنا لتصل إلى القمر، لربما كان للأرض تأثيراً على حركة القمر وجذبه نحوها، وهذا هو الأمر الذي يبقيه في مداره الثابت، هذا ما دار في عقل (نيوتن) قبل أن يجلس ويبدأ بحساباته المبنية على هذا الافتراض، وما الذي يمكن أن ينتج عنه؟“

الشجرة الشهيرة التي يقال بأن التفاحة سقطت منها على رأس (نيوتن)، وهي موجودة في مزرعة (وولسثروب) في (لينكولنشاير) في إنجلترا.
الشجرة الشهيرة التي يقال بأن التفاحة سقطت منها على رأس (نيوتن)، وهي موجودة في مزرعة (وولسثروب) في (لينكولنشاير) في إنجلترا – صورة: Dun.can/Flickr

يبدو أن (نيوتن) هو الذي خلد بنفسه قصة التفاحة الساقطة، وذلك عنما قام بإخبارها لمعارفه وبعض الأشخاص المقربين منه.

ففي ذكرى أخرى من ذكريات (نيوتن) التي نُشرت في عام 1752، كتب الكاتب (ويليام ستوكيلي) فيها عن محادثة أجراها مع (نيوتن) تضمنت ما يلي:

”ذهبنا إلى الحديقة وشربنا الشاي تحت ظل شجرة تفاح، أنا وهو فقط، وفي منتصف الحديث أخبرني (نيوتن) بأنه كان في نفس الوضعية عندما لمعت في ذهنه فكرة الجاذبية، قال لنفسه: ’لماذا يجب على هذه التفاحة أن تسقط دائماً بهذا الشكل العمودي على الأرض؟‘ قال ذلك وشرد ذهنه وبدأ بالتأمل في السبب: ’لماذا لا تسقط إلى الأعلى أو بشكل جانبي؟ لماذا دائماً على الأرض بشكل عمودي؟ أنا متأكد من أن الأرض هي التي تقوم بتوجيه التفاحة.

يجب أن تكون هناك قوة سحب وجذب للأرض، ويجب أن تكون محصلة قوة الجذب الأرضية موجودةً في مركز الأرض وليس في أي جانب منها، في المركز والمركز فقط، وعليه أتساءل: أتسقط التفاحة بشكل عمودي أم تسقط باتجاه المركز؟ إن كانت المادة تجذب المادة؛ يجب أن يكون هناك مسألة تناسب كمّي، وعليها تجذب التفاحة الأرض كما تجذب الأرض التفاحة‘.“

في تلك السنة التي قيل فيها بأن حادثة التفاحة قد وقعت، كان (نيوتن) يقيم في مزرعة (وولسثروب) قرب (غرانثام) في (لينكولنشاير).

كانت مزرعة (وولسثروب) مسقط رأس (إسحق نيوتن) ومنزل عائلته أيضاً، عاد (نيوتن) إلى هناك بعد أن أُغلقت أبواب جامعة (كامبريدج) بسبب انتشار داء الطاعون، وهناك في مسقط رأسه قام بالعديد من تجاربه الشهيرة، وأبرزها تجاربه التي تمت على الضوء والبصريات.

خريطة مزرعة (وولسثروب) في (لينكولنشاير) في إنجلترا
خريطة مزرعة (وولسثروب) Woolsthorpe Manor في (لينكولنشاير) في إنجلترا.

على الرغم من أن (نيوتن) لم يُحدد بالضبط أين لاحظ سقوط التفاحة، كانت هناك شجرة تفاح واحدة تنمو في حديقة المزرعة، وبطبيعة الحال يمكننا الجزم بأن هذه الشجرة هي شجرة (نيوتن) الشهيرة.

اعتنت أجيال من عائلة (وولرتون) Woolerton بهذه الشجرة منذ خمسينيات القرن الثامن عشر، ولكن في عام 1816 هبت عاصفة أوقعت الشجرة، ولكن بقي جزء كبير منها وتم إعادة زرع تلك البقايا من جديد.

مزرعة (وولسثروب) Woolsthorpe Manor في (لينكولنشاير) في إنجلترا
مزرعة (وولسثروب) Woolsthorpe Manor في (لينكولنشاير) في إنجلترا – صورة: Michael Fay/Flickr

لا تزال تلك الشجرة موجودة إلى يومنا هذا، وقد أخذت جمعية (الثقة الوطنية) National Trust -جمعية معنية بالاهتمام بالأبنية والنُصب والمناطق والأشجار التاريخية في إنكلترا- على عاتقها مهمة رعاية هذه الشجرة والاهتمام بها، ولقد تم توزيع طعوم من شجرة تفاح (نيوتن) وزراعتها في مختلف نواحي المملكة المتحدة وحتى خارجها.

هناك عينة -نسل من الشجرة الأصلية- تنمو في حديقة قسم الفيزياء في جامعة (يورك)، وأخرى تنمو خارج البوابة الرئيسية لكلية (ترينيتي) في (كامبريدج) تحت الغرفة التي عاش ودرس فيها (نيوتن) هناك، يمكنك حتى العثور على واحدة أخرى في معهد (باريلوش) في Bariloche في الأرجنتين.

الخلاصة:

لم يُذكر في أي مكان أن التفاحة قد سقطت على رأس (نيوتن) وأن هذا السقوط هو الذي جعل (نيوتن) يكتشف وجود الجاذبية، فجُلّ ما ذُكر كان أن (نيوتن) لاحظ سقوط التفاحة من هذه الشجرة، وأثناء التفكير والتأمل في هذا الأمر لمعت في باله تلك الفكرة العظيمة.

سليلة من شجرة (نيوتن) الأصلية في كلية (ترينيتي) -الثالوث- في جامعة (كامبريدج)
سليلة من شجرة (نيوتن) الأصلية في كلية (ترينيتي) -الثالوث- في جامعة (كامبريدج) – صورة: Sam Rae/Flickr
لوحة تحت سليلة لشجرة تفاح (نيوتن) في معهد (ماساتشوستس) للتكنولوجيا في (كامبريدج)، الولايات المتحدة الأمريكية
لوحة تحت سليلة لشجرة تفاح (نيوتن) في معهد (ماساتشوستس) للتكنولوجيا في (كامبريدج)، الولايات المتحدة الأمريكية – صورة: Mathieu Thouvenin/Flickr
سليلة لشجرة تفاح (نيوتن) موجودة في (غووبانغ) في (نيوساوث ويلز) في أستراليا
سليلة لشجرة تفاح (نيوتن) موجودة في (غووبانغ) في (نيوساوث ويلز) في أستراليا – صورة: corrieb/Flickr
شجرة نيوتن
صورة: ndrwfgg/Flickr
سليلة لشجرة تفاح (نيوتن) في (تيدينغتون) Teddington في لندن
سليلة لشجرة تفاح (نيوتن) في (تيدينغتون) Teddington في لندن – صورة: sardinista/Flickr

مقالات إعلانية