in

دخلك بتعرف القصة الحقيقية للكلب Balto الذي أنقذ بلدة كاملة من الموت المحتوم

تمثال الكلب (بالتو) البطل في نيويورك

في سنة 1925، واجه سكان بلدة (نوم) Nome الصغيرة الواقعة في (ألاسكا) وباء قاتلا، ولم تكن هناك خيارات كثيرة متاحة في سبيل إنقاذهم من الموت المحتوم الذي كان يخيم عليهم، فقدم إلى نجدتهم في نهاية المطاف العديد من فرق الزلاجات التي تجرها الكلاب، هذه الكلاب التي مازال سكان هذه البلدة الصغيرة يحتفلون بواحد منها إلى يومنا هذا.

في شهر يناير من تلك السنة المشؤومة، بدأ المعالجون والأطباء في بلدة (نوم) يشهدون أعراض مرض الديفتيريا بين بعض سكان البلدة، مما تسبب في قلق كبير، حيث أنه خلال سنة 1921 -أي قبل أربع سنوات- أدى هذا المرض المعدي، الذي يسبب نزيف الأنف والحنجرة، إلى هلاك ما ينوف عن 15000 مواطنا أمريكيا.

وفيما يتعلق بحالة بلدة (نوم)، كان العلاج الوحيد -مصل الدم المضاد للتسمم- يقع على بعد حوالي 750 كيلومتر تقريبا في بلدة تعرف باسم (أنشوراج)، وبإضافة انعدام وسائل النقل تقريبا إلى هذا المزيج الخطير المتكون من وباء الدفتيريا الفتاك وشتاء (ألاسكا) العنيف؛ سيبدو لك الموت والهلاك مصير بلدة (نوم) المحتوم الذي لا مفر منه.

لكن فريقا من سائقي الزلاجات التي تجرها الكلاب المدربة أبدى استعداده لمحاولة إنقاذ سكان (نوم) من هذا الموت المحتوم، وانضمت على إثر ذلك العديد من الفرق إلى هذا المسعى تباعا، وقاموا بتحضير مواردهم ومعداتهم وتهيأوا لقطع تلك المسافة الشاسعة بين بلدة (نوم) والدواء المخلّص لسكانها الذي يقع في بلدة (أنشوراج)، في سباق تتابعي عرف باسم (سباق الرحمة العظيم) The Great Race Of Mercy، أو سباق سنة 1925 لتوصيل ”مصل الدم“ إلى قرية (نوم) النائية.

صورة تعود لبدايات القرن العشرين لزلاجات تجرها الكلاب في (ألاسكا)
صورة تعود لبدايات القرن العشرين لزلاجات تجرها الكلاب في (ألاسكا).

كان يربط بين هذين البلدتين الآنف ذكرهما طريق وحيد يبلغ طوله 1046 كيلومترا يمر خلال براري (ألاسكا) القاسية، مما جعل تقدير مدة توصيل الدواء إلى (نوم) قد تستغرق حوالي الشهر، وهي مدة طويلة جدا بالنسبة للحالة الاستعجالية التي تواجهها البلدة.

لكن تقسيم الرحلة على مراحل متعددة تتابعية قد يستغرق وقتا أقل، ومنه بدأ السباق العظيم في السابع والعشرين من شهر يناير سنة 1925، مع سائق زلاجات الكلاب (شانون) الملقب بـ(وايلد بيل) Wild Bill.

استلم (شانون) المصل من محطة مدينة (نينانا)، حيث تم نقله من (أنشوراج) بواسطة القطار، ثم انطلق وفريقه من الكلاب القوية خلال درجة الحرارة البالغة -50 درجة مئوية باتجاه (نوم).

نجح (شانون) في توصيل المصل وتسليمه إلى الفريق التالي على الرغم من كونه فقد أربعة من كلابه، كما تحول لون أنفه إلى اللون الأسود القاتم جراء قضمات الصقيع التي تعرض لها خلال طول الرحلة الشاقة.

الكلب بالتو ومالكه كازن
كان الكلب (بالتو) على قدر التحدي، وقام بإنقاذ بلدة كاملة عندما كانت بحاجة إليه.

تناقلت العديد من فرق مزالج الكلاب هذا المصل تباعا، قبل أن يصل أخيرا إلى فريق (ليونهارد سابيلا).

كان (سابيلا) سائق زلاجات كلاب نرويجي المولد، وأحد سكان بلدة (نوم)، وكان قد استورد فريقا من كلاب الهاسكي من (سبيريا) من أجل جر الزلاجة في توصيل المصل خلال مسافة الرحلة التي تكفل بها، وهي أصعب مرحلة منها.

قاد الكلب (طوغو) ذو الإثني عشر عاما فريق كلاب الهيسكي الخاص بـ(سيبالا) في جر الزلاجة.

خلال هذه الرحلة التاريخية التي جرت في سنة 1925، قاد الكلب (طوغو) فريق (سيبالا) على مسافة 270 كيلومترا خلال درجات حرارة قاتلة وصلت إلى -65 درجة مئوية، وذلك خلال مساحات واسعة من البحيرات المتجمدة، وعبر تسلق جبال (ليتل مكينلي) البالغ ارتفاعها 1524 مترا.

سافر هذا الفريق إلى غاية وصوله إلى فريق سائق الزلاجات (تشارلي أولسون)، الذي أوصل بدوره المصل إلى (غونار كازن)، الذي بدوره أوعزت إليه مهمة إكمال الـ88 كيلومترا المتبقية من الرحلة نحو بلدة (نوم) اليائسة.

مع (كازن) نلتقي بالكلب (بالتو)، بطل هذه القصة الملحمية، الذي قبل سباق توصيل المصل هذا، لم يكن أحد ليتوقع أن كلب هيسكي أبيض وأسود اللون قد يدخل التاريخ.

كان (بالتو) كلبا بطيئ الحركة، وكان سائقوا زلاجات الكلاب يتجنبون إيعاز مهمة قيادة قطيع الكلاب إلى كلب بطيء الحركة على شاكلة (بالتو).

تمثال (بالتو) في متنزه (سنترال بارك) في (نيويورك)
تمثال (بالتو) في متنزه (سنترال بارك) في (نيويورك)، لا يزال هذا التمثال الخاص بـ(بالتو) منتصبا إلى يومنا هذا.

إلا أن هذا كان قد تغير في شتاء سنة 1925، حيث أن (كازن) اختار (بالتو) لقيادة الفريق وتوصيل المصل إلى سكان مدينة (نوم)، وهو المسعى الذي نجح فيه الفريق في نهاية المطاف، حيث سلم (كازن) وفريقه من الكلاب المصل إلى الدكتور (ويلش) في (نوم) في الثاني من شهر فبراير من نفس السنة، أي بعد ستة أيام فقط من بدأ هذا السباق التتابعي الكبير.

من بين مسافة الألف كيلومتر التي سافر خلالها 20 سائق زلاجة وحوالي 150 كلبا، خاض (كازن) وكلبه (بالتو) خلال مسافة الثمانية والثمانين كيلومتر المتبقية والأخيرة منها فقط، لكن هذا لا يعني أن (بالتو) لم يستحق الثناء الذي حصل عليه، ففي إحدى مراحل الرحلة، واجهت (كازن) عاصفة ثلجية لم يستطع فيها هو ولا أي واحد من كلابه رؤية شيء على الإطلاق، لكن (بالتو) قادهم رغم ذلك خلال العاصفة الهوجاء، ولم يحد عن مساره أبدا.

في نهاية المطاف، أوصل (بالتو) فريقه إلى البلدة التي كانت تنتظر وصولهم على أحر من الجمر.

تم الاحتفاء بـ(بالتو) من طرف سكان (نوم) على الفور، ونال تقريبا كل الثناء على توصيل المصل إلىيهم ربما بسبب كون وجهه كثيف الفرو أول من دخل تلك البلدة المتوتر أفرادها.

أصبح اسم (بالتو) اسما رائجا في كل بيت من بيوت (نوم) تقريبا، كما كرمته مدينة (نيويورك) من خلال تمثال تذكاري يحمل ملامحه مخصص له لتخليد ذكراه في متنزه (سنترال بارك) في جزيرة (مانهاتن) بعد عام على عودته بالمصل.

في سنة 1995، أطلقت شركة (يونيفرسال بيكتشرز) Universal Pictures فيلم رسوم متحركة موجها للأطفال تبرز فيه الرحلة الملحمية للكلب (بالتو)، مما يعتبر إضافة إلى إرثه المحفوظ.

مات (بالتو) في سنة 1933 عن عمر 14 سنة، وتم حفظ جثته التي مازال بالإمكان رؤيتها في متحف (التاريخ الطبيعي) في (كليفلاند) بـ(أوهايو).

جثة الكلب (بالتو) المحفوظة في متحف التاريخ الطبيعي.
جثة الكلب (بالتو) المحفوظة في متحف التاريخ الطبيعي.

مقالات إعلانية