in

دخلك بتعرف لماذا قد يجعلك الانخفاض الحاد في درجة حرارة جسمك ترغب في خلع ملابسك

جون سنو في الثلج

يعتبر انخفاض درجة حرارة الجسم تجربةً مريرةً لضحاياه الذين يقومون خلال هذه التجربة بتصرفات مرعبة، لكن من الممكن فهمها. تدعى هذه التصرفات بـ”سلوك الحفر النهائي“، حيث يصابون باضطراب عقلي ويزحفون إلى حفرة ما ويبقون داخلها حتى الموت.

(باتريك دولان) وجماعة (دونر):

في شتاء عام 1847 حاصرت الثلوج جماعة (دونر) [وهي مجموعة من الرواد الأمريكيين بقيادة (جورج دونر)] في جبال (سييرا نيفادا)، عانى أفرادها خلال هذا الحصار من الجوع وانخفاض درجات الحرارة الشديد. واجه الأشخاص الأكثر تحملاً وقوةَ الثلج في الجبال وتابعوا المسير على الطريق الذي كان من المفترض أن تسلكه الجماعة كاملةً، آملين أن يتواصلوا مع الناس الذين يعيشون خلف الجبال ليرسلوا فرقة تنقذ بقيتها.

تعرضت هذه المجموعة للعديد من الكوارث خلال مسيرتها هذه، حيث خسروا فأسهم الوحيدة المتبقية التي انكسرت بينما كان أحد الأفراد يقوم بتقطيع الخشب، وهاجمتهم عواصفٌ ثلجيةٌ قويةٌ جداً. هذا ما جعلهم في مرحلةٍ حرجةٍ من نقص الغذاء وانخفاض الحرارة الحاد.

بعثة جماعة (دونر)
بعثة جماعة (دونر)

قامت أفراد المجموعة بربط البطانيات التي كانت بحوزتهم ليشكلوا خيمةً علّها تحافظ على ما تبقى من حرارة أجسامهم وتبعد عنهم الثلج المتساقط، لكن بالنسبة لشخصٍ واحدٍ منهم لم يكن هذا كافياً..

نال الضعف من (باتريك دولان) خلال هذه الأيام الصعبة التي مرت بها المجموعة، وفي أول ليلةٍ بعدما خسرت المجموعة النار التي كانت تستخدمها للتدفئة، بدأ (باتريك) بالهذيان وبدأ يتمتم بكلمات غير مفهومة، وخلع عنه بعضاً من ملابسه البالية وهرب من الخيمة التي أعدتها المجموعة إلى الخارج حيث كانت الثلوج ما تزال تتساقط، ولشدة الضعف الذي أصاب المجموعة لم يلحق به أحد، وبعد عدة ساعاتٍ عاد ليتجول بالقرب من الخيمة فذهب أحدهم ليقنعه بالعودة ولم يفلح في ذلك، ومنه اضطرت البقية إلى سحبه عنوةً وهو يصرخ عارياً تقريباً إلى داخل الخيمة، ثم توفي لاحقاً في تلك الليلة.

التعري والحفر:

رجل يركض في الثلج

سجلت في الفترة ما بين 1974 و1994 العديد من الوفيات بسبب انخفاض درجة حرارة الجسم، وفي دراسة استقصائية كانت نتائج 69 حالة فقط من حالات الوفيات واضحة.

انقسمت وتنوعت أماكن الوفاة إلى وفياتٍ حصلت خارجاً في الخلاء ووفياتٍ حصلت داخل المنازل، وكانت الجثث في 25% من الحالات عاريةً جزئياً أو عاريةً تماماً. وبالعموم فإن الضحايا كانوا يبدأون بخلع ملابسهم التي تغطي القسم السفلي من أجسامهم –خلعوا السراويل والأحذية قبل أن يخلعوا القمصان والسترات-، وفي حالات الوفيات التي حصلت في الخلاء فإن الضحايا خلّفوا وراءهم أثراً يتكون من ملابسهم التي قاموا بخلعها بينما كانوا يسيرون.

في 14 حالة من أصل 17 حالة قامت الضحايا بالتجرد من ملابسهم، كما وجدت الجثث في وضعياتٍ تدل على أنهم كانوا يحاولون حشر أنفسهم في أماكنٍ ضيقةٍ. وُجدت إحدى الضحايا النساء، التي تناولت جرعةٍ زائدةٍ من دواءٍ مضادٍ للقلق في ليلة باردة، محشورةً جزئياً تحت سيارتها الخاصة، في حين أن بعض الضحايا الآخرين عُثر عليهم في وضعيات تُشير إلى أنهم كانوا يحاولون الحفر في الأرض أو في الثلج تحت جذوع الأشجار أو بين كومات الصخور.

أما بالنسبة للضحايا الذين عُثر عليهم داخل المنازل، فإن الجثث عُثر عليها تحت المقاعد والطاولات أو داخل الخزانات، وتدل الأماكن التي وجدت فيها الجثث على أن الضحايا كانوا يحاولون أن يجدوا مأوى ليحصلوا فيه على بعض الدفء، ولكن كونهم عراة تقريباً يشير إلى دافعٍ أخر لهذا التصرف.

في المراحل النهائية من انخفاض حرارة الجسم الحاد، فإنه من المعروف بأن الضحية تفقد التفكير المنطقي وتصاب أعصابها بالتلف، وهذا ما يجعلها تشعرو بحرارة مرتفعة جداً، فتلجأ إلى ”التعري المتناقض“، حيث تقوم بخلع ملابسها ظناً منها أنها تقوم بتبريد نفسها على الرغم من كونها تتجمد في الواقع، ولم يُحدد بعد السبب الذي يجعل الضحايا يحشرون أنفسهم في أضيق الأماكن التي يجدونها.

اللغز:

ما من طريقةٍ أخلاقيةٍ للتأكد من دوافع الضحايا لقيامهم بهذه التصرفات –التعري المتناقض، وسلوك الحفر النهائي– لأنها تحدث في المراحل الأخيرة من انخفاض درجة حرارة الجسم الحاد، وتعد محاولة محاكاة هذه الظروف في المختبر خطيرةً جداً، وحتى لو استطعنا تدبيرها في المختبر فإن هذه التصرفات لم تظهر إلا في ربع الحالات المعروفة، وهذا ما يتركنا أمام نمطٍ عجيبٍ وحزينٍ من التصرفات.

كل ما نعرفه أنه عندما يستسلم الناس للبرد فإنهم يميلون للهروب من موقعهم الحالي بعيداً عن الأشخاص الذين من الممكن أن يساعدوهم ويقومون بخلع ملابسهم خلال سيرهم، وأخيراً عندما يشعرون بقرب النهاية فإنهم يحاولون إيجاد مكان هادئ ومخفي ليموتوا فيه.

مقالات إعلانية