in

”نبيذ الانتصاب“ و”سمكة القضيب“، تعرّف على الأطعمة ”الرجالية“ في كوريا الجنوبية

سمكة القضيب كوريا الجنوبية

يشتهر سكان كوريا الجنوبية بعشقهم لاستهلاك لحوم الكلاب على مستوى عالمي، ومما سلط الضوء مجددا على هذا الجانب هو الألعاب الأولمبية الأخيرة التي أقيمت في البلد، وانكباب كل من الرياضيين والمشجعين من مختلف الأعمار وأطياف المجتمع ومن جميع بقاع العالم على كوريا الجنوبية، غير أن ما يجهله الكثيرون حول موضوع رواج استهلاك لحوم الكلاب هو العلاقة بينه وبين تقليد عريق منتشر في كوريا منذ القدم يتعلق بالأطعمة المميزة على أساس ”جندري“، خاصة الذكورية والرجالية منها.

يتم اعتبار الكثير من الأطباق والأطعمة في كوريا الجنوبية، على غرار حساء لحم الكلب، على أنها جيدة بالنسبة للرجال فقط، انطلاقا من الأطعمة التي تستهلك بمعدل يومي مثل حساء الثوم أو الثوم المعمر، وحساء الأنقليس أو ”سمكة القضيب“ –كما في الصورة البارزة أعلى المقال–، وهي عبارة عن نوع من الكائنات البحرية التي تشبه في شكلها شكل القضيب البشري.

يتم الإشادة بهذه الأطعمة ومكوناتها لقدرتها المزعومة على تحسين الأداء الجنسي للرجل، ومنها نجد نبيذ الانتصاب الذي هو عبارة عن نبيذ يحضّر أساسا من الأرز وبعض الفواكه، ويأتي داخل قوارير ذات سدادات تشبه القضيب البشري وهو في حالة الانتصاب، وله وجه مبتسم علاوة على ذلك!

الـ Beolddeok-Ju أو "نبيذ الانتصاب" الكوري الجنوبي:
الـBeolddeok-Ju أو ”نبيذ الانتصاب“ الكوري الجنوبي – صورة:

غير أن هذه العادات أخذت تتغير بشكل سريع في كوريا الجنوبية مؤخرا؛ أصبحت الأجيال الصاعدة من الشباب تعزف شيئا فشيئا عن هذه المعايير المتوارثة التي أُسِّس لها منذ القدم، مما يعني أن الرغبة في تناول الأطعمة ”الجندرية“ الذكورية أو الرجالية بشكل خاص أصبح يتحول تدريجيا إلى سمة تميّز بعض الرجال في سن معينة دون غيرهم –بشكل خاص لم يعد يلتزم بها سوى المسنون تقريبا–.

أطعمة الـJONGRYUK:

في اللغة الكورية يدل مصطلح JONGRYUK على شدة التحمل، ويستعمل بشكل يومي للدلالة على الطاقة بالإضافة للدلالة على الأداء الجنسي للفرد. غير أنه يستعمل في غالب الأحيان للدلالة على المفهوم الأخير.

تتأثر هذه الأطعمة بشكل كبير بالطب الصيني التقليدي وفلسفة الـ(يينغ) والـ(يانغ) –الحراراة والتبريد–، كما تكون مرفوقة بتراثها الشعبي الخاص الذي يحتفي بـ”فحولة“ الرجل، ومن بين هذه الأطعمة نجد لحم الكلاب، الذي يقال عنه في كوريا الجنوبية أنه جيد بشكل خاص لجسم الرجل خلال فصل الصيف وشهوره الحارة.

نبيذ الـBokbunja
نبيذ الـBokbunja – صورة: Mummys Wine Diaries

من هذه الأطعمة كذلك يوجد الـBokbunja وهو نبيذ يتكون في جوهره من التوت العليق الذي يستهلك بشكل أكبر من طرف الرجال المسنّين. تفيد إحدى الأساطير التي ترتبط بهذا الشراب بأن أحد الرجال في قديم الزمان تناول هذا النبيذ وتبول بشكل قوي لدرجة ملأ بها وعاء الغرفة الذي يتبول فيه –في إشارة لشفائه من تقطع البول وعسره الذي يصيب الرجال المسنين بشكل خاص– كما أن اسم هذا النبيذ نفسه في اللغة الكورية عبارة عن لفظة مجانسة تعني ”الشخص الذي يملأ وعاء البول خاصته“.

يقول (جونغ سيو يونغ) وهو ”شيف“ –رئيس مطبخ– ومؤسس (بوري كيتشن) وهي مدرسة طبخ تقليدي كوري جنوبي: ”إن المجتمع الكوري محافظ جدا بطبعه، ويعتبر الحديث فيه عن الحياة الجنسية أمرا محرّما“، ويضيف: ”لذا فإن التحدث عن شدة التحمل أو الأداء الجنسي يعتبر طريقة جيدة للتطرق للموضوع“.

إلى جانب ارتباطها بمفاهيم الشفاء والعلاج التقليدية، ترتبط الأطعمة ”الذكورية“ كذلك غالبا ببعض الصفات الأخرى، يقول (جونغ): ”على سبيل المثال، تتحرك أعضاء الأخطبوط المشابهة لشكل القضيب البشري المنتصب بحيوية ونشاط، ومنه تجد بعض النصوص القديمة من عهد سلالة (شوسن) الحاكمة تنصح الرجال باستهلاكها من أجل شدة التحمل والأداء الجنسي“.

أخطبوط
أخطبوط حي جاهز للذهاب إلى بطون الزبائن في المطعم

تخبرنا (جينا بارك)، شابة تبلغ من العمر 26 سنة ومتخرجة حديثا من جامعة (سيول)، بأن حبيبها السابق كان دائما يخبرها أن لا تأكل سمكة الأنقليس كاملة عندما يخرجان في موعد إلى أحد المطاعم على وجبة العشاء، فتقول: ”…حيث كان يقول أن ذيل السمكة هو أقوى جزء في جسمها، وهو حكر على الرجال مثله فقط ليتناولوه ولا يجب أن تتناوله النساء“، ومن جهة أخرى تبقى الأمور الجنسية الأنثوية أمرا محرما هي الأخرى، كما تركز الأطعمة في كوريا المخصصة للنساء على موضوعين اثنين وهما الجمال والأمومة.

تقول (جينيفر فلين)، خبيرة في أنثروبولوجيا الأطعمة في جامعة (كيونغ هي) في (سيول): ”الـMiyeok-Guk أو حساء النباتات البحرية هو طعام جيد جدا بالنسبة للنساء اللواتي في مرحلة الإرضاع، أو النساء اللواتي يحاولن استرجاع طبيعة وشكل أجسامهن بعد الإنجاب“، وتضيف: ”لكن لا يوجد هناك أي طعام خاص بالنساء لمساعدتهن على إطالة فترة العملية الجنسية“.

تقوية الروابط والعلاقات الذكورية:

في كوريا الجنوبية، ليس الطعام فقط ما يخضع للتمييز الجندري، بل حتى الفضاءات والأمكنة حيث يتم تناول هذا الطعام كذلك. يلاحظ أي زائر لمطاعم كوريا المختصة في أطباق اللحم الواسعة الانتشار على غرار طبق Kogi Jib أو الشواء، وGamjatang أو حساء عظام الخنزير المتبلة، وGalbitang أو حساء عظام العجل، كيف أن الكثير من هذه المطاعم يهيمن عليها العنصر الرجالي من الزبائن على مختلف الأطياف العمرية.

في مجال الأطعمة في كوريا الجنوبية، مازال نظام الفصل بين الجنسين قائما، كما يقول (شو هاي ليم) بروفيسور دراسات التطوير الجندري في جامعة (إيهوا) للمرأة في (سيول): ”أعتقد أن الأمر جزء من ثقافتنا التقليدية المتوارثة، حيث من النموذجي أن يتحدث الرجال حول السياسة والعمل، بينما تهتم النساء بشكل أكبر بالعناية بالأطفال والمنزل أو تقديم الدروس الخصوصية“.

تقول (فلين) خبيرة أنثروبولوجيا الأطعمة أنها في أول مرة خاضت تجربة تناول لحم الكلاب في (سيول) كانت منذ عشرين سنة مضت، وتقول بأن زملاءها الذكور حاولوا ثنيها وإقناعها بالعدول عن مرافقتهم إلى تلك المطاعم ”الذكورية“، فتقول: ”قالوا لي ’يمكنك أن تجربي ذلك هذه المرة فقط، لكنك تتميزين مسبقا بقوة مفرطة كونك امرأة من العالم الغربي‘“، وتضيف: ”كانوا كذلك يخبرونني بأن الـBosintang سيجعلني قوية جدا، فهم يعتبرون أن تناول الأطباق الذكورية هو نشاط يجمع الذكور فقط“.

نحن بأفضل حال، شكرا لك:

لكن (يون وون جين)، مقاول في (سيول) يبلغ من العمر 34 سنة، يقول بأن الاهتمام بلحم الكلاب إلى جانب أنواع أخرى من الأطعمة الذكورية وكل الثقافة التي تحيط بها آيل إلى الزوال، حيث لم يعد الشباب الكوريون حديثي السن مهتمين بفكرة شدة التحمل أو الأداء الجنسي التي تعرضها هذه الأطعمة، فيقول: ”يعلم أقراني وأبناء جيلي ما يعنيه طعام شدة التحمل بالضبط، لكننا في غالب الأحيان لا نكترث لأمره ولا نرغب في تناوله“.

اكتشف استبيان أجرته مؤسسة (غالوب) للأبحاث سنة 2016 أن 20 بالمائة فقط من الرجال في كوريا الجنوبية في العشرينات من أعمارهم قالوا بأنهم تناولوا لحم الكلاب في تلك السنة، مقارنة مع 50 بالمائة من الرجال في الخمسينات والستينات من أعمارهم.

تتعلق أطعمة وأطباق شدة التحمل بشكل كبير بالقوة وتقدير الذات، وبين هذين يكمن الهدف الذي كان الهدف الأسمى في وقت مضى في الثقافة الكورية وهو ”تأسيس عائلة“، وهو الأمر الذي لم يعد أولوية في كوريا الجنوبية في أيامنا هذه. يوافق على هذا الأمر (شو) في جامعة (إهوا) للمرأة، ويستطرد بأن كلا من معدلات الزواج والخصوبة في كوريا الجنوبية وصلت لأدنى مستوياتها منذ التاريخ، وأصبح عدد أكبر من الأشخاص يحبذون نمط الحياة الفردية والعزوبية بشكل أكبر، فيقول: ”في جيل والدي، كان الناس يعتقدون بأن الحظي بأكبر عدد ممكن من الأطفال فضيلة، وهو الأمر الذي سيساعدك تناول أطعمة شدة التحمل كثيرا على تحقيقه، لكن هذا الأمر آخذ في التغير الآن“.

كما قد يكون لحركة #MeToo –وهي حركة نسوية هادفة لنشر الوعي حول التحرش ضد النساء– التي لاقت رواجا كبيرا في كوريا الجنوبية تأثير كبير على هذا الموضوع.. موضوع الأطعمة الذكورية، حيث في خضم هذا المحيط الذي يتزايد فيه الوعي حول المساواة بين الجنسين، أصبح يُنظر إلى مناقشة فحولة الرجال على أنه أمر غير لائق. يقول (شو) بأن ثقافة اجتماع الرجال لتناول أطعمة شدة التحمل الذكورية ومناقشة المواضيع الذكورية أو الرجالية أصبحت ”ثقافة تحتضر“.

مقالات إعلانية