كنت اراه يسير بعيداً، متلافياً الاقتراب وازعاج الطلبة الجامعيين، كأنه امتلك المشاعر من خجل وكرامة واحترام لخصوصية الآخر؛ لونه الابيض ميزه أثناء تنقلاته في حدائق الحرم الجامعي المزهوة بالخضرة والورود والأشجار، هذا الحيوان الذي لم يعتدي يوماً على أحد، ولم يشكل خطراً حتى على الذين يخشون الكلاب، مات.
الكلب الأبيض الذي اتخذ من الحرم الجامعي لكلية الهندسة – جامعة صلاح الدين في إربيل مسكناً له لسنوات خلت، لم يعد يسكنها، فقد غادرت روحه ورُمي جسداً بعد ان تم قتله لسبب غير معلوم، فعلى الرغم من مرور حوالي السنتين من تخرجي من تلك الكلية، إلا أنني استطعت تمييز شكل هذا الكلب المقتول المستلقي بسلام وسكينة بعد مشاهدتي صورته في الفيسبوك.
في صباح يوم الخميس المصادف 16/2/2017، وعندما كان أحد الاساتذة في قسم هندسة الحاسوب يُلقي المحاضرة على طلبته، اهتزت مسامعهم جميعاً بصوت قوي وقع في أحد المواقف الداخلية للقسم، كان الصوت كما صوت إطلاقة نارية، حينها قال الاستاذ المحاضر: ”لقد قُتل الكلب“. فخيمت ملامح الحزن والاستنكار على وجه الكثير منهم وشعور بالحسرة والندم أحاطهم كأنما هم من قتلوه، فقد توجه الطلبة المهتمين بالموضوع لمكان وقوع الحادث وسارعوا لالتقاط صورة للجناية.
تمت الجريمة على أيدي من أسموهم بـ”الجهات المختصة“، الذين استعملوا الطلقة للتخلص من هذا الحيوان، وقد اتهم ”بعض“ الطلبة عبر الفيسبوك عمادة كلية الهندسة لإتخاذها قرار التخلص من الكلاب السائبة عن طريق القتل، الحديث عن ما حصل مستمر والاستنكار يتسع يوماً بعد آخر، والصورة الملتقطة للكلب المقتول انتشرت كالنار في الهشيم على حسابات وصفحات جامعية واجتماعية وعامة على الفيسبوك ومواقع اخرى للتواصل الاجتماعي في كل انحاء اقليم كُردستان، العراق، منهم من يعلن اسفه للحيوانات، ومنهم من يخاطب ويعاتب الجاني، ومنهم من يكتفي بالتعليق بالصور المعبرة أو الشعر أو ”الايموجيات“ الحزينة.
ردود الافعال هذه تُبين أن هناك من يملك مشاعر إنسانية ”صاحية“، كما أن الموضوع تطور لتنظيم احتجاج بسيط من قبل الطلبة المهتمين بالأمر أمام عمادة الكلية، رافعين لافتات بالإنكليزية والكُردية فيها شعارات تطالب بوقف قتل الحيوانات.

في الجانب الآخر، هناك فئة من العامة يَرَوْن أن قتل ذلك الكلب أخذ حيزاً أكبر بكثير من حجمه، وعلى حساب المشاكل الأخرى كالأوضاع الاقتصادية الصعبة والأزمة المالية التي تعصف بالإقليم، والرواتب المتلكئة منذ أكثر من سنة، المشاريع المتوقفة، محاربة الپيشمرگه لتنظيم الدولة الإسلامية، ارتفاع نسب البطالة والهجرة …إلخ لذا ومن وجهة نظر هذه الفئة أن يتم الاهتمام بالأهم ثم المهم. مع ذلك، فإن الاهتمام بالمواضيع الرئيسية لن تمنع للنظر بعين العطف لما جرى.