in

كيف تصنع بلداً متخلفاً؟

لتصنع بلداً متخلفاً ما عليك إلا أن تعكس ما عليك فعله لتصنع بلداً متقدماً، نعم… هكذا بكل ببساطة. فدعونا نكتشف العوامل المطلوبة لصنع بلد متقدم.

لكن أولاً، ما هو البلد المتخلف وكيف يختلف عن البلد المتقدم؟

يحدد الاقتصاديون الفوارق بين البلد النامي والمتقدم بعدة مؤشرات، ومن أهم المؤشرات على البلد المتقدم هي الإنتاجية العالية للفرد، فالبلد غير المنتج هو بلدٌ فقير مهما كثرت موارده الطبيعية.

وتأتي الإنتاجية العالية نتيجة نظام منظم وعالي الفعالية يحث على الإبداع والإنتاج، وهناك عوامل كثيرة يجب أن تُؤمّن لزيادة متوسط إنتاجية الفرد، تلك العوامل ليست سرية أو خفية أو محتكرة على جهة ما، وببساطة يمكن لأي حكومة أن تطبق وصفة — تكاد تكون سحرية — من السياسات لتضع أي دولة على سكة النمو الاقتصادي والتقدم، هذه الوصفة جربت مرات عديدة ونجحت في كل مرة تقريباً.

بالطبع، يوجد اختلاف على تفاصيل الوصفة التي قد تسرّع قليلاً أو تبطئ من النمو والتحول، لكن الوصفة كفيلة بتحقيق التغيير. وقد جربت هذه الوصفة دول كثيرة كانت فقيرة ونجحت بالالتحاق بركب الدول المتقدمة مثل: ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، وكوريا الجنوبية وماليزيا وإلى حدٍ ما الإمارات العربية المتحدة.

ففي كل البلدان المتقدمة يمكننا أن نلاحظ بضع عوامل مشتركة تجمع تلك الدول:

1. البنى التحتية القوية والمنظمة:

البنى التحتية القوية والمنظمة

تخيل شعباً يقضي معظم وقته عالقاً بازدحام السير بسبب رداءة الطرقات المليئة بالحفر وبسبب انعدام وسائل النقل العامة المنظمة والسريعة. تخيل الساعات التي ستضيع لكل فرد في كل يوم من العام بسبب ذلك؟ تخيل بلداً مقطع الأوصال لا تربطه سكة قطارات سريعة يصعب التحرك بين مناطقه، أي نوع من الإنتاجية نتوقع من بلدانٍ بلا بنى تحتية؟ أو مصانع وشركات تنقطع عنها الكهرباء؟ أو شركات بلا إنترنت سريع؟

البنى التحتية الضعيفة قد تكلف البلدان المليارات من الدولارات سنوياً وقد تشل من إنتاجية أي بلد، لذلك يعتبر الاستثمار في البنى التحتية من أولويات التقدم في أي بلد.

2. النظام والدقة:

النظام في كل شيء يؤدي لزيادة الفعالية والإنتاجية، وكمثال لو قمنا بتجربة بسيطة وقسنا الوقت المطلوب لمجموعتين مؤلفة من عشرين شخص كل منها تذهب لخباز مختلف، الخباز المنظم الذي يفرض على زبائنه الوقوف بصف مستقيم ومرتب، وخباز لا يترك زبائنه الفوضويين أن يتدافعوا ليقوم بخدمتهم بعشوائية. سنجد أن الخباز المنظم سيستطيع خدمة الصف المنظم بوقت أقصر بأضعاف وبذلك تزيد إنتاجيته ويطعم الخبز لعدد أشخاص أكبر بكثير في اليوم.

الآن تخيل تطبيق النظام على بلد كامل، بوسائل نقله ومكان العمل والمنزل والمدارس، تخيل حجم الزيادة بإنتاجية البلد؟

3. التعليم:

لا يمكن لأي بلد أن ينمو بدون قوى عاملة ذات مهارات عالية أو قوى عاملة عالية الفعالية. وعلى نظام التعليم في الدول المتقدمة أن يحث الطالب على التفكير النقدي والتفكير بشكل علمي والبحث والعمل بفعالية، لا أن يضيع وقته بحفظ النصوص عن ظهر قلب، ففي الدول المتقدمة كل دقيقة تساوي ملايين الدقائق المهدورة. فالسوق المليئة بالمهارات العالية هي سوق جاذبة للمستثمرين وهي سوق أكثر إنتاجية.

4. ضمان اجتماعي:

في كل الدول المتقدمة يوجد شبكات ضمان اجتماعي لمساعدة المحرومين والفقراء على النهوض والعودة من جديد للاتحاق بسوق العمل.

لا يمكن لدولةٍ متقدمة أن تترك الفقر ينهش جزءاً كبيراً من مجتمعها، فالإنتاجية عالية وهنالك ما يكفي الجميع. لكن في الوقت نفسه لا يجب أن تكون هذه الشبكة سخية جداً وإلا فلا داع للعمل.

4. تطبيق القانون على الجميع وبسرعة:

تطبيق القانون على الجميع وبسرعة

القانون يجب أن يُطبق على الجميع في كل الأحوال وبسرعة، فلا أحد يريد أن يستثمر في بلدٍ تُهضم به الحقوق أو في بلدٍ تأخذك محاكمه البطيئة أعواماً لتسترجع حقك.

5. قلة الفساد والاستبداد:

الفساد يعني أن هناك الكثير من الأشخاص الذين يقومون بأعمال قد لا يكونون الأصلح لها. وحيث ينتشر الفساد ينتشر الهدر المالي والرشاوي وهذا يجعل من التجارة والاستثمار أمراً معقداً جداً.

ويمكن إنجاز ذلك عن طريق اتباع سياسات الشفافية والديمقراطية والمشاركة السياسة في الحكم وإدخال الحكومة الإلكترونية حيث تسنح الفرصة التي تقلل من سهولة اقتراف جرائم الفساد.

6. المساواة والتسامح:

في سوقٍ إنتاجي تنافسي سريع، لا مكان للتهميش والتمييز الجنسي والعرقي. على الجميع أن يشعر بالانتماء للمجتمع وعلى الجميع أن يشارك بالإنتاج.

7. مساحة من السوق الحر:

مساحة من السوق الحر

تأمين سهولة تأسيس المتاجر والشركات عن طريق التقليل من البيروقراطية والرخص غير المفيدة التي عادةً ما توضع بهدف جمع الرشاوي في الدول المختلفة. فعلى المستثمر أن يشعر بسهولة إنشاء المشاريع.

الآن لنعد لعنوان المقال، فما علينا إلا أن نصنع عكس ذلك تماماً وسنحصل على بلدٍ متخلف حيث البطالة العالية والفقر وصعوبة المعيشة وصعوبة الحصول على طبابة وانتشار الجهل وخطر الحروب والنزاعات الدائم.

مقالات إعلانية