تقول إحداهن: ”عندما كنت أدرس في الثانوية، اكتشفت أن صديقاتي لم يكنّ يحببني في الواقع، فقد أخبرتني إحدى الفتيات ضمن مجموعة أصدقائي أنني لم أكن مدعوة لحفلة عيد ميلادها لأن الجميع ’يعتقد أنني مزعجة‘، وهو الأمر الذي قد يكون صحيحا عندما كنت أبلغ من العمر 15 سنة، ولمدة أشهر بقيت منبوذة. استغرقني الأمر بعض الوقت حتى أعود إلى موقعي السابق ضمن مجموعة صديقاتي وأصدقائي، لكن حتى ذلك الوقت، لقد كنت مصدومة بشدة، ومنذ ذلك اليوم أقسمت على أن أصبح شخصا أنيساً وحلو المعشر“.
غير أن الأمر ليس على هذا النحو تماما، ومثلما يصفه (دايفيد فوستر والاس) في Infinite Jest: ”لن يحبك بعض الأشخاص ببساطة مهما حاولت“، ومهما كنت تعتقد نفسك خفيف الظل أو حلو المعشر، فأنت لن تظفر بإعجاب كل شخص تلتقي به. تقول (كلوي بروثريدج)، معالجة بالتنويم المغناطيسي وخبيرة في علاج القلق: ”أنت تملك شخصيتك الفريدة من نوعها، وهذا يعني أن بعض الناس سيحبونك، والبعض الآخر قد لا يفعل“.
بالطبع قد يكون من السهل فهم هذا التصور في البادئ، غير أنه من الصعب أن تبقى متفهما طوال الوقت عندما تكتشف أنك لا تتم دعوتك لمشاركة الآخرين ساعات فرحهم، أو تجد صعوبة في عقد صداقات جديدة مع أشخاص يعجبونك، أو عندما تسمع بعض معارفك أو رفاقك يغتابونك بالسوء. الرفض مؤلم في أي شكل من أشكاله، سواء كان ذلك على الصعيد الاجتماعي أو العاطفي، وإنه لصفعة قوية في وجه كبرياء المرء أن يتم إخراجه عنوة من حلقة أصدقائه والمقربين من مجتمعه.
قبل أن تصاب بالهلع، عليك أن تتذكر جيدا أن عدم إعجاب الآخرين بك أحيانا هو طبيعي فقط، بل هو صحي أيضا، فالرفض والنبذ هو طريقة تجعلنا نغربل من هو مناسب لنا ومن هو ليس كذلك، وتماما مثلما يتركك هجر صديقك الحميم لك تبحث عن شخص يناسبك أكثر، فإن إخراجك من مجموعة اجتماعية ما يفسح لك المجال نحو العثور على أشخاص يناسبونك أكثر.
أضف إلى ذلك أن عدم الاكتراث من عدم إعجاب الآخرين بك ومحبتهم لك يمنحك شعورا بالقوة —غير أن هذا لا يعني أنه بإمكانك التجول خارقا كل عرف وقاعدة اجتماعية—، وأنت عندما لا تكون بصدد هدر طاقة عظيمة في سبيل تغيير شخصيتك حتى تتناسب مع شخص آخر، ستعثر على أشخاص يشبهونك أكثر ولا يجعلونك تشعر بالحاجة لأن تتغير لأجلهم، وهذا هو نوع العلاقات الذي يتطلب أقل مجهود للحفاظ عليه.
مع ذلك، من المريع دائما أن تشعر بأنك منبوذ، في مقالنا هذا على موقعنا «دخلك بتعرف»، أعددنا لك قائمة بطرائق فعالة ستساعدك على تجاوز كون بعض الأشخاص لا يحبونك دون أن تشعر بأدنى شعور بالكآبة:
1. عليك أن تعلم أنه من الطبيعي أن تشعر ببعض الألم:
البشر كائنات اجتماعية، ومنه نحن نشعر باستجابات بيولوجية مؤلمة تجاه الرفض والاستبعاد، تشرح (بروثريدج) هذه النقطة في قولها: ”تاريخيا كان هذا الأمر ضروريا من أجل استمراريتنا“، وأضافت: ”عندما كنا بصدد التطور وكنا لازلنا نعيش في النظام القبلي، فإن كون الفرد منبوذا ومستبعدا من طرف المجموعة كان يعني مسألة حياة أو موت“.
عندما نجد أنفسنا مستبعدين أو منبوذين، فإن أدمغتنا تقوم بتسجيل استجابة كيميائية عاطفية قوية لدرجة تتسبب لنا في ألم جسدي، كما أنه من المحتمل أن نخوض في دورات وسلاسل من الاستجابات التي لا تكون مختلفة كثيرا عن مراحل الحزن والأسى، التي تبدأ أولا بلعبة الإلقاء باللوم على الذات، يقول (شون غروفر)، وهو معالج نفسي ومؤلف كتاب «عندما يتولى الأطفال زمام الأمور»: ”تكون أول محطة لهذا القطار هي إلقاء اللوم على الذات، كأن يحدث المرء نفسه: ’الخطأ خطئي، لقد قمت بأمر ما لجعلهم يستاؤون‘“. بعد ذلك يأتي الشعور بالعار، يقول (غروفر): ”تشعر بالعار، وتشعر بالإهانة، وتشعر بالضعف“، ثم على شاكلة أي فرد تم التخلي عنه ونبذه، ستحاول إرضاء الشخص أو المجموعة التي نبذتك وأن تكسب رضاها من جديد، يقول (غروفر): ”ليس بالضرورة لأنك ترغب منهم أن يعجبوا بك، بل لأنك لا تحب شعور أن تكون منبوذاً وغير محبوب“، ويضيف: ”الأمر أشبه بـ: ’دعني أجعلك تعجب بي مجددا حتى أشعر بشكل أفضل تجاه نفسي‘“. وأخيرا وليس آخرا، ستشعر على الأرجح بأنك فاشل، وهنا تصبح الأمور أسوء، يقول (غروفر): ”إن هذه مشاعر بدائية جدا وقديمة. عدم إعجاب شخص ما بك يحفز لديك نوعا من الانتكاسات النفسية“، ويضيف: ”بصفة عامة يعيدك هذا الأمر إلى المدرسة الثانوية أو المتوسطة أو الابتدائية حينما كان جل الحياة متمحورا حول كونك ظريفاً في نظر الآخرين من عدمه، وبمجرد أن تعلق في هذا الشعور، يسحبك إلى الأسفل حقا، ثم تجد نفسك تعاني كثيراً“.
ليست هذه المشاعر بالمشاعر الجميلة أو المحببة، غير أنها صحية تماما وطبيعية جدا، طالما لا ينتهي بك الأمر عالقا في براثنها تمنع نفسك من المضي قدما في حياتك.
2. عليك أن تعلم أن الخطأ ليس خطأك (كلياً):
يكون هذا النوع من الرفض والاستبعاد على مستوى شخصي، ومن السهل على المرء أن يبتّ في مساءلة نفسه ويشكك في قيمته الذاتية عندما يجعله شخص أو مجموعة ما يشعر أنه غير محبوب. غير أننا جميعنا نتصرف بناء على تجاربنا السابقة وما عشناه فيها، وفي معظم الأحيان، يكون عدم الانجذاب أمرا متبادلاً ويتعلق بالملائمة المتبادلة كذلك، لذا فالأمر لا يمتحور حول أن الخطأ ليس خطأك بل خطؤهم هم، بل الأمر أقرب لما يكون أن الخطأ خطأ الجميع إن صحّ التعبير، تقول (جينيفر فيردولين)، خبيرة في سلوكيات الحيوان وبروفيسورة مساعدة في جامعة (دوك): ”لدينا كلنا تفضيلات فيما يتعلق بالشخصية، ولا يعني هذا أن [في حالة الرفض] شخصيتك سيئة، بل هي مختلفة عن شخصيتي، وأنا أفضل أن أقضي وقتي مع الأشخاص الذين يشبهونني“.
أحيانا، يرى بعض الناس الذين لا تعجبهم بأن بعض أوجه شخصيتك لا يتناسب مع شخصياتهم، وأحيانا أنت لا تقدم لهم ما يكفي من رأس المال الاجتماعي لتستحق وقتهم، تقول (فيردولين): ”لأننا نوع اجتماعي جدا مع نظام هيمنة هرمية تنافسي جدا، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعمل، وأحيانا في بعض الوضعيات الاجتماعية، يقوم الناس ببعض التحالفات الاستراتيجية كما يقومون بتغيير هذه التحالفات حتى تتناسب واحتياجاتهم التي يحددونها“، وأضافت: ”لذا سيحاول الناس الوصول إلى الرفعة والمقام في معظم الأوقات، وسواء كانوا يحبونك أم لا، فقد لا يكون للأمر أية علاقة بمن تكون أو بشخصيتك“.
في كلتا الحالتين، فإن الإعجاب يتعلق كثيرا بما تعرضه على الآخرين سواء كنت تدرك ذلك أم لا، تقول (فيردولين): ”نحن نشاهد هذا السلوك عند جميع الأنواع، فهم يفضلون قضاء الوقت، خارج مجال التزاوج، مع الأفراد الذين يضاهونهم مكانة ومقاماً، أو أفراد يشبهونهم من ناحية الشخصية، أو أشخاص يشبهونهم من الناحية الجينية مثل العائلة“، وأضافت البروفيسورة: ”لذا إن كنت لا تملك أي عامل مشترك ذا قيمة بالنسبة لكلا الطرفين، فمن المحتمل أن يتم رفضك واستبعادك، الأمر أشبه بأمر محتوم لا يمكن تفاديه“.
3. لكن عليك أن تنتبه للعلامات التي تدل على أن سلوكاتك سيئة:
بينما لا يجدر بك دوما إلقاء اللوم على نفسك في حالة لم يعجب أحدهم بك، فإنك إن لاحظت أن الأمر يتكرر معك كثيراً ويصبح نمطيا نوعاً ما، فقد ترغب هنا في أن تلقي نظرة حيادية وموضوعية على سلوكاتك. يقول (غروفر): ”عندما أضع الناس في مجموعات علاجية، يسعني ملاحظة على الفور المشاكل أو العادات الاجتماعية السيئة التي يعانون منها“.
يتذكر (غروفر) أحد مرضاه الذي كان رجلا وسيما وناجحا والذي كان يعاني من عجز في الحفاظ على العلاقات العاطفية التي يقيمها، وعندما لم يستطع الإثنان [المريض والمعالج] حل المشكلة لمفردهما في جلسات فردية، تمكن (غروفر) من إقناع المريض بأن ينضم لمجموعة علاج جماعي، يقول: ”في غضون دقائق أذهلني ما رأيته“، ويضيف: ”يصبح [المريض] قلقا جدا في حضرة الناس، ومن أجل إخفاء قلقه يتصنع الثقة الزائدة، التي تتحول إلى تعجرف. علَّقت النساء في المجموعة العلاجية على شخصيته بأنه كان يصبح أقل شعبية كلما تعرفن إليه أكثر“.
كان قلق المريض الاجتماعي يستظهر نفسه بطريقة جعلته يواجه صعوبة في التعامل مع الناس في المجتمع، ولأن الأنا داخل كل واحد فينا يميل إلى حمايته من أخطائه، فإنه لم يكن واعيا بعاداته السيئة تلك، يقول (غروفر): ”تعين علي مساعدته على أن يصبح واعيا بالصورة التي كان قلقه يستظهر بها نفسه“، وأضاف: ”قد يجعل القلق الناس يتصرفون بعدوانية أو بقلق شديد، وفي وضعية جماعية؛ من الفعال جدا رؤية هذا الأمر“.
تقول (فيردولين) أن من بين السبل لمعرفة ما يحدث، هو أن تسأل لماذا لا يحبك الناس وتحاول أن تحصل على بعض الردود الصريحة، ثم، في حالة ما أخبرك أحدهم أنك مزعج على سبيل المثال أو أنك متبجح بشكل مبالغ فيه أو مهووس بنفسك كثيراً، يمكنك أن تتراجع خطوة إلى الخلف وتقتطع بعض الوقت لتفحص ما إن كان ما يقولونه صحيحاً أم لا، تقول (فيردولين): ”في نهاية المطاف يجب عليك أن تعرف نفسك بشكل جيد وكافٍ يخولك من أن تقول: ’حسنا تبدو هذه المعلومة صحيحة نوعاً ما، فأنا أميل حقا للقيام بذلك، يمكنني أن أرى لم لا ينجذب إلي بعض الناس، لذا سأعمل على تغيير ذلك“، وتضيف: ”قد تمنحك بعض الردود التي تحصل عليها معلومات يتوجب عليك معاينتها بجدية تامة، وتفصحها من أجل التأكد من صحتها من عدمها“.
مع ذلك، يجب عليك أن تتذكر أنه بينما قد تبعد بعض سلوكاتك الآخرين عنك، فإن الإعجاب والمحبة عبارة عن طريق ذو اتجاهين، يقول (غروفر): ”إنه في أغلب الأحيان عبارة عن انعكاس لتاريخ [الطرف الآخر]، وتعصبه، ومخاوفه“.
4. عليك أن تذكّر نفسك أن عقد صداقات جديدة ليس أمراً سهلاً:
تقول إحداهن أن واحداً من أكبر مخاوفها هو أن تبدأ وظيفة جديدة أو أن تنتقل للعيش في مكان جديد حيث لا تعرف أي أحد، وتجد نفسها في حاجة إلى عقد صداقات جديدة.
قد يكون تغيير دائرة معارفك الاجتماعية أمرا يبعث على العزلة، وهنا يتعاظم احتمال أن تشعر بأنك غير محبوب، أو أن تعاني من بعض القلق الاجتماعي، تقول (فيردولين): ”أعتقد أن لدينا بعضا من التوقعات غير الواقعية التي تجعلنا نظن أننا بإمكاننا الاندماج في أي مجموعة اجتماعية في أي مكان، ومع جميع الناس“، وتضيف: ”عندما تحاول في البادئ تأسيس علاقة مع الناس، لِنَقُل في محيط عمل جديد، فأنت هنا بصدد محاولة دخول ديناميكية موجودة مسبقاً: هنالك مسبقاً زُمرٌ اجتماعية، وهنالك مسبقا شخصيات مختلفة، وهنالك مسبقا ديناميكيات، وأنت لا تملك أدنى فكرة عما أنت بصدد دخوله“.
تقترح (فيردولين) على كل شخص يجد نفسه في محيط عمل جديد أو ما شابه أن يتمهل بعض الشيء ويشق طريقه ببطء ويسر نحو سبر أغوار محيطه الجديد هذا، فهي تقول: ”فيما يتعلق بالحيوانات، فهي تندمج أحيانا في مجموعاتها بعد أن تكون قد قامت بعيّنة من المعاملات القبلية مع جميع من فيه المجموعة، وذلك قبل اتخاذها أي قرار، يشبه الأمر تفحص الأرض قبل البناء عليها“.
فيما يتعلق بمحيط عمل جديد على سبيل المثال، قد يكون من الأفضل الذهاب لتناول وجبة الغداء مع فرد من أفراد المجموعة على حدى في كل مرة، حتى تعثر على أفضل نقطة دخول إلى المجموعة، تقول (فيردولين): ”يرحب بعض الناس بالقادمين الجدد بحرارة، وبعضهم الآخر ليس كذلك“. عليك أن تتعرف على الأشخاص الجدد في حياتك ببطء، وأن تركز طاقتك على الأشخاص الذين تجدهم أكثر استقبالا وانفتاحاً، بدلا من هدرها على أفراد المجموعة الأكثر تحفظاً، أو الأصعب مراساً.
5. اقضِ المزيد من الوقت مع الأشخاص الذين يحبونك:
حتى عندما تجد نفسك خارج دائرة إعجاب بعض الأشخاص في محيطك، فإنك على الأرجح تعرف بعض الأشخاص الذين يمكنك الرجوع إليهم عندما تشعر بالإحباط، تقول (بروثريدج) في هذا الصدد: ”بإمكان قضاء الوقت مع الأشخاص الذين يهتمون لأمرك أن يعزز من تقديرك لذاتك ويساعدك على الشعور بأمان أكثر“، هذا إلى جانب كونه يمثل نوعا من الضمادات التي تضعها على الأنا المجروح بداخلك، فإن تركيز طاقتك على العلاقات التي تربطك بالأشخاص الذين يقدرونك بحق، سيكون في جميع الأحوال استغلالاً أفضل لوقت وطاقتك الاجتماعية.
كما عليك أن تتذكر دائماً أن أفضل طريقة لعقد صداقات حقيقية هي أن تتصرف على سجيتك، يقول (غروفر): ”إذا كان جل اهتمامك هو أن تكون مرغوباً ومحبوباً، فإن هذا قد يكون مرهقا جدا، وبإمكان الناس قراءة هذا على أنه غير حقيقي وغير أصلي“.
6. ولا تنس أن تخبر الكارهين بأن يذهبوا إلى الجحيم:
على الأقل أخبرهم بهذا في ذهنك وليس بصوت مرتفع. يقول (غروفر) أنه عندما يفشل كل ما سبق، من الأفضل على المرء أن يتقبل واقع أن لديه بعض الأعداء، ويضيف: ”حقاً، فقط استمتع بالأمر“. بعد كل شيء، ومثلما يصف (غروفر) الأمر، من الأفضل أحيانا أن تتصرف على سجيتك مهما كان الأمر، يقول كذلك: ”إذا كان الناس غيورين أو ما شابه، فإن جميع المشاعر مرحب بها“، لا يعني هذا أن تقضي معظم وقتك في مضايقة الآخرين، لكن إن كان أحدهم لا يحبك وكان الشعور متبادلا، فأنت لست في حاجة إلى الحياد عن سبيلك وهويتك في سبيل إرضائه بالضرورة.