in

ما الذي يجعل الجريمة جريمة كراهية؟

جريمة كراهية

يتم تصنيف الجرائم إلى عدة أصناف من خلال العديد من الطرق، فهناك أنواع الجرائم التي تشاهدها يوميا في الأخبار على غرار السرقة والسطو والإعتداء والقتل، وهناك في الجهة المقابلة جرائم الكراهية، والتي تضاف إلى اتهامات أخرى وتترتب عنها عقوبات أشد.

مفاهيم:

– جرائم الكراهية:

جرائم الكراهية (أو كما يشار إليها أحيانا بجرائم التعصب أو جرائم التحيز)، هي جرائم ناتجة عن التعصب، تكون في الغالب عنيفة، والتي تحدث عندما يقوم المعتدي باستهداف الضحية بناء على انتمائه (أو اعتقاده بانتمائه) إلى مجموعة إجتماعية معينة.

قد تتضمن أمثلة عن مميزات هذه المجموعات الإجتماعية التي يتم غالبا استهدافها من طرف المعتدين على سبيل المثال لا الحصر: الدين، اللغة، الجنسية، الإعاقة، المظهر الخارجي، الهوية الجندرية أو التوجهات الجنسية، كما أن الأفعال غير الإجرامية التي تستهدف أيا أو بعضا من هذه الفئات والتي تنشأ غالبا عن الدوافع السابقة ذكرها تعتبر ”حوادث تعصب“.

وتتم الإشارة بـ”جرائم الكراهية“ في الغالب إلى الأفعال الإجرامية التي ينظر إليها على أنها نابعة من دوافع تعصبية تتضمن بعضا أو العديد من الفئات الإجتماعية الآنفة ذكرها، أو الفئات المشتقة عنها، وقد تتضمن الجرائم من هذا النوع الإعتداء الجسدي أو الإضرار بالممتلكات، أو التنمر، أو التحرش اللفظي أو الجسدي، أو حتى الرسائل التي تتضمن الإهانات تجاه الأشخاص أو المجموعات.

– قوانين جرائم الكراهية:

تعتبر قوانين جرائم الكراهية قوانينا تم إنشاؤها لردع هذا النوع من الجرائم، كما تتميز عن القوانين الرادعة لخطابات الكراهية، وتقوم قوانين تجريم جرائم الكراهية بتشديد العقوبات على المعتدين فوق عقوبات الجرائم التي ارتكبوها، والتي تندرج ضمن قوانين موجودة مسبقا تحكمها، بينما تجرم قوانين خطابات الكراهية فئة معينة من الخطابات، وتوجد قوانين خطابات الكراهية في العديد من البلدان حول العالم، وفي الولايات المتحدة الأمريكية تدعم كل من المحاكم العليا والمحاكم الدنيا قوانين جرائم الكراهية.

تتعلق جرائم الكراهية بالدرجة الأولى بالحافز أو الدافع من ورائها: فهل كانت الجريمة بسبب تحيز ضد عرق الضحية أو دينها أو توجهها الجنسي أو أمور أخرى ذات علاقة بهويتها التي يحميها القانون؟ وتتم صياغة قوانين جرائم الكراهية عادة لتتماشى مع نوع الجرم الذي تم اتهام المتهم به، على شاكلة الإعتداء أو القتل، مما يضيف عقوبات أكثر على الجريمة الأصلية بسبب اكتسابها طابع الكراهية، فعلى سبيل المثال، إنه ليس من القانوني أن تتلفظ بعبارات عنصرية، فالقانون يعاقب على مثل هذه التصرفات، إلا أن حجم العقوبة لن يكون بنفس حجم عقوبة أن يدفعك تعصبك العنصري هذا أن تقوم بالإعتداء على أحدهم بالضرب مثلا، مما يستدعي عقوبات أكبر من طرف القانون.

قانون

ولفهم أوسع، بما أن جرائم الكراهية تتعلق بنوايا المعتدي، فإن الضحية لا يجب أن تكون عضوا أو جزءا من الفئة التي إعتقد المعتدي أنها تنتمي إليها عندما قام بتنفيذ جريمته حتى يتم تصنيف ذلك كجريمة كراهية، فمثلا إن حدث وهاجمك أحدهم بالإعتداء لإعتقاده بأنك يهودي مع أنك في الحقيقة مسلم، تبقى الجريمة جريمة كراهية على الرغم من ذلك، بكلمات أخرى، أن تكون مخطئا لدى استهدافك لضحيتك، لا يعتبر عذرا قانونيا لتبرير تعصبك الأعمى، فأنت لا تستطيع بكل بساطة أن تسير داخل قاعة المحكمة وتخبر القاضي بأنك كنت تعتقد بأن الضحية كان يهوديا وتعتذر على ذلك وتخرج، كما في مثالنا السابق.

تاريخ:

جاء مصطلح ”جريمة الكراهية“ إلى الوجود في الولايات المتحدة الأمريكية خلال ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن المصطلح كان غالبا ما يستخدم بأثر رجعي من أجل وصف بعض الأحداث التي وقعت قبل ذلك، فمنذ بدء الرومان بصلب المسيحيين إلى إعدام النازيين لليهود، تم ارتكاب جرائم الكراهية من طرف كل من الأفراد والحكومات على حد سواء قبل زمن طويل من استخدام المصطلح من طرف الولايات المتحدة الأمريكية حديثا.

مع بداية غزو الأوروبيين للعالم منذ القرن السادس عشر، أصبحت الشعوب الأصلية في هذه المناطق؛ التي تعرضت للغزو على شاكلة الأمريكيين الأصليين، أصبحت أكثر فأكثر أهدافا للعنف والجرائم ذات الدوافع العنصرية والتعصب.

كما أنه خلال العقدين الماضيين، إرتفعت نسب هذه الحوادث من جرائم الكراهية في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن الأمثلة على ذلك: الإعدام خارج إطار القانون الذي كان ينفذ على كل من الأفراد الأفرو-أمريكيين بشكل واسع في الجنوب، والمكسيكيين والصينيين في الغرب، والحرق على الصليب من أجل ترهيب الحقوقيين السود، والإبقاء على مجتمعاتهم في الأحياء المخصصة لهم، بالإضافة إلى الإعتداءات على المثليات والمثليين ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسيا، ورسم الصلبان المعقوفة النازية على ”الكنس“ من معابد اليهود، والردود العنيفة استجابة لرهاب الأجانب الممارسة على فئات أقلية منهم.

إذا كانت الممارسات الموسومة كجرائم كراهية مثل السطو والإعتداء هي جرائم بذاتها، ما حاجتنا إلى قوانين أخرى لتخبرنا بأنها جرائم كراهية إذن؟

إن جرائم الكراهية يتم التحريض عليها أو تحفز بماهية الضحية أكثر من أي من أفعالها أو كلماتها، مما يجعلها جرائم مرعبة بالنسبة لكل من الضحية والمجموعة التي تنتمي إليها كلها، ووفقا لمكاتب محاميي الولايات المتحدة الأمريكية:

”إن واقع أن المعتدي قد قام باختيار ضحيته بناء على خصائص معينة فيها على شاكلة العرق والدين والتوجهات الجنسية بإمكانه أن يتسبب لكل المجموعة التي تتشارك معها تلك الخصائص بالشعور بنفس الشعور بالضعف والتعرض للخطر، جاعلا من المجموعة كلها ضحية ثانية له، لأن خوف المرء من أن يصير ضحية لجريمة ما قد يكون قاهرا وبنفس الضرر الذي يحدثه التعرض للجريمة نفسها.

إن الرسالة التي تبعثها جرائم الكراهية قد تكون مدمرة للغاية لتشمل تماسك المجتمع كله، كما قد تقود إلى مشاكل جمة في تنفيذ القانون أو قد تؤدي إلى التنافر والشقاق بين مختلف تركيبات المجتمع وفئاته الدينية والعرقية“.

تغطي قوانين جرائم الكراهية داخل الولايات المتحدة الأمريكية فئات مختلفة من الأشخاص، بالإضافة إلى تلك الفئات المحمية سابقا من طرف القوانين الفيدرالية تحت قانون ”الحقوق المدنية“ لعام 1968.

إلا أنه حتى في بلد حريات مثل الولايات المتحدة الأمريكية توجد حوالي خمس ولايات فيها ليست لديها قوانين مكتوبة ضد جرائم الكراهية، غير أن العديد من باقي الولايات تتضمن قوانينا من هذا النوع مفصلة بدقة تشمل في بعضها جرائم الكراهية الناجمة عن التحيز ضد ذوي الإحتياجات الخاصة، والتوجه الجنسي، والهوية الجندرية، والمتحولين جنسيا، والعمر، وحتى التوجهات السياسية.

كما أن القدرة على تصنيف جريمة على أنها جريمة فدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية يساعد مكتب التحقيقات الفدرالية على التدخل في القضايا التي لا تستطيع السلطات المحلية أو لا ترغب في معالجتها، كما أنها قد تمد يد العون للشرطة المحلية أثناء قيامها بمحاربة هذا النوع من الجرائم.

على سبيل المثال، أدت قضايا الجرائم ضد كل من ”ماثيو شيبارد“ و”جايمس بيرد الإبن“ إلى تأسييس قانون ردعي في سنة 2009، والذي وسع من صلاحيات المكتب الفدرالي بالإضافة إلى جعل مصطلح جريمة الكراهية أوسع ليشمل التوجه الجنسي والهوية الجندرية بالإضافة إلى الإعاقة الجسدية للضحايا.

وللتعريف بالقضيتين، فقد كان ماثيو شيبارد طالبا جامعيا مثلي الجنس، الذي تعرض للضرب والتعذيب وترك ليموت في سنة 1998، وتعرض لكل ما تعرض له لا لشيء إلا لكونه مثليا، وقد كان آنذاك التوجه الجنسي فئة غير محمية من طرف القانون، مما جعل القضاء عاجزا عن الإقتصاص للضحية ومساعدة الشرطة المحلية في ”لارامي“ بـ”وايومينغ“ على حل القضية، وقد كلفت القضية الكثير، حتى مركز الشرطة الذي قام بتسريح خمسة من عناصره حتى يستمر بأداء عمله.

أما ”جايمس بيرد“ فقد كان رجلا إفريقيا-أمريكيا يعيش في تكساس، والذي تم تربطه إلى مؤخر شاحنة وجره حتى الموت في سنة 1998، وعلى الرغم من كون ولاية تكساس من الولايات التي تتضمن قوانينا تدين جرائم الكراهية، إلا أنها بقيت ساكنة ولم تفعل شيئا.

إلا أن قوانين جرائم الكراهية تعد متناقضة في بعض جوانبها، فقد عبر بعض الناشطون الحقوقيون المدافعون عن حرية التعبير عن قلقهم من أن يتم إستغلال قوانين جرائم الكراهية لتقييد حرية التعبير، غير أن هذه القوانين تغطي في معظمها الأفعال الإجرامية، وليس خطابات الكراهية.

في سنة 2004، قامت ولاية جورجيا الأمريكية بتعليق قوانين جرائم الكراهية بحجة أنها واسعة المفهوم وشمولية لغتها، لأنها لم تحدد الفئات التي تتولى هذه القوانين حمايتها، فهي غطت كل الضحايا التي يتم اختيارها بناء على التحيز أو التعصب، وفي شهر مايو من سنة 2017، قامت ولاية تكساس بتوسيع الفئات التي تحميها قوانين الكراهية لتشمل أفراد قوات الشرطة كفئة محمية، عقب الكمين الذي تعرضت له عناصر الشرطة في ”دالاس“ سنة 2016، الذي خلف ستة قتلى في صفوفها.

لكن إذا كانت جرائم الكراهية تتعلق بالطريقة التي ينظر بها المعتدي إلى فئة من المجتمع وكرهه لها، هل تعتبر الهجمات الإرهابية جرائم كراهية كذلك؟

لا تكون الهجمات الإرهابية دائما جرائم كراهية، إلا أنها قد تكون كذلك في بعض الأحيان.

يعرف مكتب التحقيقات الفيدرالي الإرهاب على أنه فعل عنيف موجه لترهيب المدنيين أو للتأثير على سياسات الحكومات، وقد يتضمن الدمار الشامل، والإغتيال، أو الإختطاف.

على سبيل المثال، قام مكتب التحقيقات الفيدرالي بتصنيف إطلاق النار الذي حدث في الملهى الليلي بـ”أورلاندو“ في صيف سنة 2016 على أنه عمل إرهابي وجريمة كراهية في آن واحد، لأن مطلق النار كانت تدفعه حوافز وتحيزات معادية للمثلية، ولأنه صرح بأن أفعاله تلك كانت إنتقاما من الحكومة الأمريكية بسبب تنفيذها ضربات جوية على منطقة الشرق الأوسط.

الآثار النفسية المترتبة عن جرائم الكراهية:

stop hate

قد يترتب عن جرائم الكراهية آثار نفسية وخيمة، وليس فقط على الضحايا المباشرة لها، بل تتعدى لتشمل فئات إجتماعية بأكملها.

في دراسة أمريكية أقيمت سنة 1999 وتناولت ضحايا جرائم العنف المتعصبة الموثقة التي استهدفت المثليين والمثليات أن هؤلاء إختبروا مستويات أعلى من المعاناة النفسية والضرر بما في ذلك أعراض الإكتئاب والقلق المزمن، أكثر من المثليين والمثليات الذين تعرضوا لنفس الجرائم والتي لم تكن ذات دوافع متعصبة معادية للمثلية.

– الأثر الذي تخلفه في الضحية المباشرة:

تتمثل في إضطرابات عاطفية، وإضطرابات في هوية الضحية وتقديرها لذاتها، والتي غالبا ما تتضخم وتسوء نتيجة لجرائم الكراهية أكثر من الجرائم الأخرى التي لا تتعلق بالكراهية.

– الآثار التي تترتب عن استهداف مجموعة ما:

تتمثل هذه الآثار في الرعب الذي يعتري المجموعة بأكملها التي تنتمي إليها الضحية، وشعور عام بالخطر بين أفراد هذه الفئة، والذين يعتبرون أنفسهم ويخشون أن يكونوا الضحايا التالية لهذا النوع من الجرائم.

– الآثار المترتبة لدى فئات أقلية أخرى:

يترتب عن جرائم الكراهية كذلك آثار سيئة للغاية لدى الفئات التي تعتبر أقليات في المجتمع، بالإضافة إلى كل فئة تعتبر نفسها ذات صلة بالفئة التي استهدفتها الجريمة، خاصة إذا كانت الجريمة مبنية على دوافع أيديولوجية أو مذهبية ما متبعة من طرف مجموعات معينة من الفئات.

– آثارها على المجتمع ككل:

تؤدي جرائم الكراهية إلى تصعد وانتشار الحزبية والإنقسامات التي تضر بالأخص بالمجتمعات المتعددة الثقافات، وتقود إلى تفكك وحدتها.

يوضح بحث أوروبي-أمريكي بأن التفجيرات الإرهابية تتسبب في انتشار الخوف من الإسلام والمسلمين والتصعيد في جرائم الكراهية، التي تهدأ قليلا في الأوقات السلمية، مع أنها تبقى مرتفعة نسبيا، ويعتبر الرسالة الأساسية التي يرغب الإرهابيون في إيصالها هي نشر الخوف وثم الخوف بالدرجة الأولى، والذي يعتبر شعورا قويا وأساسيا لدى الإنسان يولد حاجات دفاعية ردعية ويشوش النظرة التي ينظر بها إلى المسلمين المعتدلين في هذه الحالة.

التعصب ضد المسلمين

كما يبدو أن التعصب ضد المسلمين الواسع الإنتشار يساهم بشكل كبير في حدوث جرائم الكراهية المعادية للمسلمين، إلا أنه وبطريقة غير مباشرة، تعمل الهجمات الإرهابية والتعصب الأعمى ضد المسلمين كنافذة فرص كبيرة للمجموعات المتطرفة وشبكاتها.

مقالات إعلانية