in

نساء يتحدثن عن تعرضهن للتحرش الجنسي أثناء أدائهن لمناسك الحج

مناسك الحج

كثيراً ما نسمع عن إناث تم الاعتداء عليهن جنسياً أو التحرش بهن في عالمنا العربي، ولكن النسبة العظمى منهن تفضل السكوت عن هذا الأمر مخافة اتهامها بأن لباسها هو السبب أو أنها هي التي أغوت الشاب وأجبرته على التحرش بها وكأننا في العصور الوسطى.

دائماً ما يُشار إلى الوازع الديني واللبس المحتشم والالتزام بتعاليم الدين للقضاء على آفة التحرش الجنسي بالنساء والاعتداء عليهن، بل واعتبار تلك الأمور هي الرادع والمُخَلِص الحقيقي، لكن موضوع مقالتنا اليوم يتناول نسوة تم التحرش بهن ولكن ليس في الشارع ولا في السوبرماركت؛ بل في أقدس المناطق الإسلامية على سطح الأرض في الحرم المكي في السعودية، وتحديداً قرب الكعبة بعدة أمتار.

بدأ سيل تغريدات ومنشورات النساء اللواتي عانين من هذا الأمر بالتدفق على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة معبرين عن بشاعة ما جرى لهن، وذلك بعد أن نشرت الباكستانية (سابيكا خان) Sabica Khan على فيسبوك حادثة تعرضها لاعتداء جنسي بجانب الكعبة التي تقع في قلب ساحة أكثر الجوامع قداسة عند المسلمين، الجامع الكبير في مكة في المملكة العربية السعودية.

مناسك الحج

قالت السيدة خان بأنها قد تعرضت للعديد من اللمسات المخلة بالآداب أثناء قيامها بالطوف -القصد بالطواف هو قيام الحاج بدورات حول الكعبة- والطواف هو منسك فرض من مناسك الحج، قالت خان بأن هذه التجربة قد سببت لها انهياراً نفسياً وشعوراً بالاكتئاب، فتقول خان:

”لقد ظننت أن أول لمسة كانت عبارة عن حادث بريء من غير قصد فتجاهلت هذا الأمر تماماً، ولكنني شعرت بلمسة ثانية مجدداً وبعدها حاول أحدهم إمساك مؤخرتي وقرصها“.

حاولت خان أن توقف الرجل ولكنها لم تتمكن من الحركة بسبب الحشود الغفيرة التي كانت تطوف حول الكعبة مثلها، قالت:

”لقد تسمرت في مكاني حرفياً، لم أستطع الهرب لذلك وقفت مثل الحجر وشعرت بأن حرمتي قد انتُهكت، وللحظة تلعثم لساني عن الكلام وقفت محتارة أأصرخ أم أسكت، إنه لأمر محزن أن تشعر بعدم الأمان وأنت في أكثر الأماكن الإسلامية قداسة، لم يتم التحرش بي هناك مرة واحدة ولا مرتين لا بل ثلاث مرات“.

تمت مشاركة منشور السيدة خان على الفيسبوك 2000 مرة وألهم هذا المنشور العديد من النساء الأخريات وأكسبهن الجرأة ليقدمن على فعل نفس الشيء وفضح هذه التصرفات المخجلة التي كنّ يتعرضن لها، بعضهم نشر قصته تحت هاشتاغ MeToo# وهو الهاشتاغ الذي استخدمته ملايين النساء حول العالم من أجل التكلم عن التحرش الجنسي الذي تعرضن له بشكل عام، كما أنه قد تم استخدامه من أجل توجيه تهم التحرش لكبير رجال أعمال هوليوود (هارفي واينستين) Harvey Weinstein.

أما عزيزة ذات الـ37 ربيعاً والتي لم تفصح عن اسمها الحقيقي صرحت لمجلة التايمز بأن هذه التصرفات ليست أموراً جديدة، فلطالما تعرضت النساء اللواتي مارسن طقوس الحج لمثل هذه التحرشات وتحملوها والتزموا السكوت لدرجة أنهم قد اعتادوا عليها، حيث قالت:

”لقد حدث هذا الأمر معي ومع عائلتي عدة مرات، حيث تم قرصنا ومحاولة لمسنا بأعضاء ذكرية من فوق الملابس أثناء محاولتنا الطواف حول الكعبة، أول مرة لي كانت في التاسعة من عمري ولكنني كُنت صغيرة ولم أفهم ما معنى هذا الأمر، ولكن أختي ذات الـ14 ربيعاً أخبرت أمي وعندها أدركت أمي أننا قد تعرضنا للتحرش الجنسي في قلب الحرم المكي المقدس“.

أضافت عزيزة -والتي هي امرأة باكستانية بالمناسبة- بأنها أصبحت هي وأقرباؤها من الإناث يتجنبن الأماكن المزدحمة حول الكعبة، قالت:

”صرنا نحاول ممارسة طقوس الطواف والسير حول الكعبة بسرعة، كما بدأنا بتوقيت مواعيدها في الأوقات التي لا يجتاحها ازدحام الحجاج أو المعتمرين“.

عادة ما تقل نسبة عدد النساء اللواتي يذهبن لمكة لأداء مناسك الحج أو العمرة عن نسبة الرجال بقليل، ففي رحلة الحج التي حصلت في آب من عام 2017 كانت نسبة النساء إلى الرجال 43٪، وبالعدد كُنّ أكثر من مليون امرأة، نسبة جيدة جداً في الحقيقة.

مناسك الحج

قالت النساء لصحيفة التايمز أن ضباط الشرطة كانوا متمركزين في نقاط محددة في المسجد الحرام وعلى مداخله ومخارجه الرئيسية وحوالي الكعبة، ولكن وعلى الرغم من هذا فإنهم من المستحيل أن يتمكنوا من مراقبة كل هذه الحشود الغفيرة من الحجاج أو المعتمرين.

دور الأمن والحكومة السعودية

أشارت بعض النساء أنهن يخجلن أو يخفن من إبلاغ الشرطة السعودية عن هذه الحوادث لأنه وفي مثل هذه الأمور كثيراً ما تلام المرأة على التحرش والعنف الذي يمارس عليها، طبعاً لم تعلق السلطات السعودية على هذه الأمور نهائياً لحد الآن.

فاطمة محمد، وهي إحدى ضحايا التحرش الجنسي في الحرم أيضاً قالت في منشور لها على فيسبوك أن المعتدين كثيراً ما يعتمدون على عامل خوف النساء من عملية إبلاع السلطات عن هذه الأمور مخافة ألا يقع عليهن اللوم، كما يعتمد المتحرشون على مبدأ المفاجأة والصدمة اللذان يجعلان المرأة المتحرش بها تقف عاجزةً أمام المتحرش المتخفي بين جموع الحجاج، وهذه الأمور هي ما تدفع المتحرشين على الاستمرار بالقيام بحركات التحرش والاعتداء الخرقاء الخاصة بهم.

تدعو عزيزة الحكومة السعودية إلى اتخاذ إجراءات وتدابير جديدة وجدية لحماية المرأة الحاجّة بشكل خاص والنساء بشكل عام من هذه الأمور القذرة، وقالت أنها تأمل في حصول العديد من الإصلاحات في نظام المملكة وخصوصاً بعد ما بدأ بفعله ولي العهد محمد بن سلمان من إصلاحات ليبرالية جيدة إلى حدٍ ما، كما قد خففت المملكة نسبياً لبعض القيود التي كانت تمارس على المرأة خلال العام الماضي، فمثلاً أصبح بإمكانها قيادة السيارة الآن.

قالت عزيزة:

”في حال كون هذه الإصلاحات حقيقة وفي حال وجود النية في تصحيح العديد من الأمور الخاطئة في المملكة فإنه لا يسعنا سوى أن نأمل بأن هذا الأمر سوف يتم التطرق له بجدية وإيجاد حل نهائي وحاسم له“.

في النهاية لا يسعنا إلا أن نسألك عزيزي القارئ عن رأيك حول الموضوع، هل فعلاً يعتبر الدين رادعاً أخلاقياً في ظل ما قرأته من تحرش تم أثناء أداء مناسك الحج الدينية؟

مقالات إعلانية