in

دخلك بتعرف اللاإكتراثيين؟

دخلك بتعرف اللاإكتراثيين؟

بالرغم من التقدّم الذي وصلت إليه البشرية في زمننا الحاضر، إلا أننا مازلنا إلى يومنا هذا نعجز عن الإجابة عن أسئلة وجوديّة عديدة، مثل ”من أنا؟“، و”ما الذي أفعله هنا؟“، و”كيف وصلت وإلى أين سوف أنتهي؟“

تُوّفر الأديان المختلفة إجاباتٍ مختلفة على هذه الأسئلة، فيقتنع البعض بهذه الإجابات وينفيها البعض الآخر تماماً.. لكن ماذا عمّن لا يهمه الأمر أساساً؟

مفاهيم عامة:

هناك العديد من المذاهب التي تدعو للاتجاه نحو الإيمان بوجود إله أو آلهة، وهناك تلك التي تدعو للابتعاد عن الإيمان بقوى عليا إطلاقاً، وأخرى تدعو للابتعاد عن الدين فحسب. قد نجد تلك التي تدعو لاستخدام العقل وغيرها التي تدعو للاتكال على الحدس، نذكر من بعض تلك المذاهب:

  • الألوهيّة [Theism]: الإيمان بوجود إله واحد أو أكثر.
  • الإلحاد [Atheism]: رفض وجود قوى خارقة للطبيعة، كالآلهة.
  • اللاأدريّة أو الأغنوسيّة [Agnosticism]: نفي وجود يقين ديني أو إلحادي.
  • الربوبيّة [Deism]: الإيمان بوجود خالق عظيم, وأنه للوصول إلى هذا الايمان لا يحتاج الإنسان للأديان بل تكفي مراقبة الطبيعة واستخدام العقل.
  • الواحديّة [Pantheism]: الاعتقاد بأن الكون والإله شيء واحد لا ينفصل. –الواحديّة لا تعني التوحيد، فالتوحيد يدعو للإيمان بإله واحد منفصل عن الطبيعة.
  • الغنوصيّة [Ignosticism]: مزج الفلسفة بالدين، وتستند إلى المعرفة الحدسيّة والعاطفية للوصول إلى معرفة الله –وهي نزعة فكريّة صوفيّة.
  • اللاإكتراثيّة [Apatheism]: التقليل من أهمية الوصول إلى حقيقة وجود إله أو عدم وجوده، وهو ما سنتناوله بالشرح في هذا المقال.

اللاإكتراثيّة:

ينفي الملحدون وجود أية آلهة، ويتجه المؤمنون نحو الإيمان المطلق، بينما يميل اللاأدريون للإيمان بعدم قدرتنا على تأكيد وجود آلهة من عدمه، فيأتي اللاإكتراثيون ليفقدوا اهتمامهم بالأمر من أصله.

اللاإكترثيون ليسوا بالضرورة لادينيين، لكنهم أشخاص لا تهمهم معرفة وجود إله أو حياة أخرى أو كون الموت هو نهاية الطريق. وهكذا فإن اللاإكتراثيّة لا تتمحور حول ما الذي تؤمن به، بل كيفيّة إيمانك به، وفي حين يميل المؤمنون بإله معيّن –وكذلك أصحاب غالبيّة المذاهب الأخرى– إلى إثبات وجهة نظرهم وإقناع الآخرين بها، يبتعد اللاإكتراثيون عن هذه النقاشات ولا يبالون بإثبات معتقداتهم للآخرين، فحياتهم لا تدور حول الآلهة والدين والقيام بالشعائر، لأنهم –وإن كانوا مؤمنين– لا يفكرون بالأمر كثيراً.

هناك فلسفة أخرى تشرح مبدأ اللاإكتراثيّة، وهي كالتالي: بما أن الآلهة غير مهتمة وغير مهمة في حياة البشر –كونها لا تتدخل فعليّاً في القضايا البشريّة– إذاً ليس هناك من داعٍ لتكريس الوقت والجهد لها.

كيف بدأ الفكر اللاإكتراثي:

(جوناثان روتش)، كاتب مقال Let It Be والذي يتحدّث فيه عن ماهية اللاإكتراثيّة وكونها عبارة عن موقف وليست اعتناقاً لمعتقدٍ ما.
(جوناثان روتش)، كاتب مقال Let It Be والذي يتحدّث فيه عن ماهية اللاإكتراثيّة وكونها عبارة عن موقف وليست اعتناقاً لمعتقدٍ ما.

يُعتقد أنّ اللاإكتراثيّة وجدت منذ القدم، لكن لم يستطع أحد حتى الآن تحديد منبع هذا الفكر، وقد تم استخدام مصطلح Apatheist –الذي يعني الشخص اللاإكتراثي– لأول مرة في مقال لـ(جوناثان روتش) عام 2003، حيث دعا نفسه شخصاً ”لاإكتراثيّاً“ حين سُئل عن دينه.

اللاإكتراثيون في المجتمع:

إن اللاإكتراثيين لا يتوقفون عند حد عدم الاهتمام بالعقائد شخصيّاً، بل لا تهمهم معتقدات الآخرين أيضاً، وهنا يأمل واحدنا بأن لهذا الأمر فائدة ستنعكس على المجتمع، لأن عدم اكتراث شخص ما بمذهب شخص آخر سيجعل منه إنساناً أكثر انفتاحاً وتقبُلاً، إذ يُسأل اللاإكتراثي إن كان يهمه أن يكون على حق أم لا بشأن معتقده ويجيب بـ”لا“، وهذا ما يدفع البعض للاعتقاد بأنه بزيادة عدد اللاإكتراثين ستقل الصراعات المذهبيّة.

ما سبب انتشار اللاإكتراثيّة:

يُلاحظ ابتعاد سكان الدوّل المتقدمة عن الدين بشكل واضح ويعود ذلك لعدد من الأسباب، منها:

  • يتعبر الدين ملجأً للخائفين والضعفاء. ولذلك نجد أن البشر في المجتمعات الآمنة والمستقرة يتجهون للابتعاد عن الدين لقلة حاجتهم لقوى عليا تساعدهم وترعاهم، كون كل ما يمكن أن يطلبوه من الآلهة متوّفر أصلاً لديهم.
  • يوفر الدين راحة نفسيّة للمؤمنين. إنّ الإيمان بأن كل ما يحدث هو بسبب ولسبب ما يدفع بالإنسان للاطمئنان –نوعاً ما– بأن لا دخل له بما أصابه، وأن ليس بإمكانه فعل شيء تجاه الأمر، ما يجعله يُخلي نفسه من المسؤوليّة دون أن يؤنبه ضميره، فهكذا يكون الدين قد عمل كعلاج نفسي، بينما تنتشر في الدول المتقدمّة عيادات الأطباء النفسيين الذين يعملون على مساعدة الناس لفهم الأمور وتخطي المصاعب، وهكذا يَشغل هؤلاء الأطباء وظيفة الإيمان في توفير الاستقرار النفسي.
  • يحفز الدين على الزواج والإنجاب. وهو أمر غير أساسي في المجتمعات المتطورة وأساسي في الدول النامية، وخصوصاً الدول التي تكثُر فيها الحروب والأمراض والتي ترتفع فيها نسب الوفيات.

وهكذا نرى أنه كلّما ازداد التقدّم العلمي والاستقرار المادي وانتشر الأمان كلّما مال البشر للابتعاد عن الدين أكثر، ولكن ما يلاحظ هو استمرار العديد من البشر في الذهاب إلى دور العبادة، ففي استفتاء ضم 54000 شخصاً بالغاً في أمريكا لمعرفة كيفية تعريف الناس لهويتهم الدينيّة لوحظ أن نسبة من يعتبرون أنفسهم ملحدين قد ارتفعت من أقل من 2 مليون شخص عام 2001 إلى 3.8 مليون شخص عام 2008، وعندما لم يشمل الاستفتاء كلمة ”ملحد“ وُجد أن 18٪ من الأمريكيين –أي ما يقارب 40 مليون نسمة– لم يصرحوا بإيمانهم.

وكذلك وُجد أن العديد من الأشخاص يذهبون إلى الكنائس لكونها مراكز اجتماعيّة –فالبشر بطبيعة الحال كائنات اجتماعية تسعى دوماً لأن تكون جزءاً من مجموعة– ولم يكن لديهم أي دافعٍ ديني أو رغبة في إقامة شعائر معينة.

يبتعد المزيد من البشر عن العقائد والديانات كل يوم، والعديد منهم لا يفكر بالأمر أصلاً ناهيك عن نقاشه، أو محاولة إقناع أشخاص آخرين بوجهة نظرهم، حتى أنّ الكثير من الأشخاص المؤمنين يبتعدون عن النقاشات الدينيّة وعن جعل هدف حياتهم القيام بالشعائر للوصول إلى إرضاء الآلهة، هؤلاء الأشخاص هم من ندعوهم بـ”اللاإكتراثيين“.

اللاإكتراثيّة فلسفيّاً:

كما ذُكر سابقاً، فاللاإكتراثي لا يبالي بمعتقداته أو معتقدات الآخرين، لكن يبقى السؤال، إن كان هناك شخص يؤمن بمعتقد آخر، وكان هذا المعتقد يؤثر على الشخص اللاإكتراثي سلباً، فهل سيبقى اللاإكتراثي محايداً دون أن يتدخل في الموضوع فيعاني من هذا التأثير السلبي؟ أم سيتصرف تجاه ذلك الشخص، فيكون بذلك قد أبدى ردّ فعلٍ جاعلاً من نفسه ”إكتراثيّاً“؟

مقالات إعلانية