in

فضيحة خيخون: أسوأ مباراة في تاريخ كأس العالم

عبر تاريخ البطولة الأهم ربما في عالم كرة القدم، هناك العديد والعديد من حالات الجدل حول المباريات، فالكثير من الإشاعات والأحاديث كانت ولا تزال تتناول نزاهة الحكام من جهة، والحديث عن مؤامرات أو تعاون بين الفرق لتثبيت النتائج، لكن على الرغم من أن البطولة لم تشهد أية اعترافات رسمية بهذا النوع من النشاطات في تاريخها، فهناك محطات محورية في تاريخ البطولة لعل أشهرها حصل في مونديال عام 1982 المقام في إسبانيا.

المباراة التي سنتحدث عنها هنا كانت آخر مباراة في دور المجموعات للمونديال، وجرت في مدينة خيخون الإسبانية (كما يوحي الاسم بالطبع) بين منتخبي ألمانيا الغربية (قبل توحيد نصفي البلاد) وجارتها القريبة النمسا، حيث انتهت المباراة بنتيجة 1 – 0 لصالح الألمان، وسمحت لهم بالتأهل إلى جوار النمسا إلى الدور الثاني من البطولة، فيما خرجت كل من الجزائر وتشيلي من دور المجموعات، ومع أن المباراة كانت بين فريقين أوروبيين، فالجزء المحوري هنا هو خروج الجزائر.

وصول ألمانيا إلى كأس العالم

في كأس العالم لعام 1982 كان المنتخب الألماني هو المرشح الأول للفوز باللقب، حيث أن الألمان كانوا يمرون بعصر ذهبي من حيث امتلاكهم أفضل اللاعبين حينها، وكونهم المرشح الأول لم يكن مستغرباً من قبلهم، حيث أن إدارة المنتخب كانت واثقة تماماً من انها ستحصل على اللقب وبسهولة كبيرة، حتى أن المنتخب سافر مع 19 لاعباً فقط، وذلك بدلاً من الحد الأقصى الذي هو 22 لاعباً، أي أنهم تركوا 3 مقاعد فارغة لثقتهم بإمكانياتهم.

في الدور الأول وقعت المانيا مع كل من النمسا والجزائر وتشيلي، ومع كون هذه المنتخبات معروفة بأنها أضعف بمراحل من المنتخب الألماني عادة، فقد كانت ثقة الألمان كبيرة جداً بالتأهل، بسهولة خاصة مع كون المباراة الأولى كانت مع الجزائر. في الواقع بلغ مستوى الثقة بالنفس لدى الألمان كون مدير المنتخب صرح بأنه سيعود بأول قطار إلى ألمانيا في حال عجز منتخبه عن الفوز على الجزائر.

الحال لدى اللاعبين الألمان لم يكن مختلفاً حقاً، حيث صرح أحدهم بأنه سيهدي هدفه السابع لزوجته، والثامن للكلب الذي يربيه، بينما صرح آخر بأنهم سيهزمون الجزائر حتى ولو كانوا يدخنون السيجار أثناء المباراة. لكن ما حصل كان مختلفاً للغاية، فبدلاً من النتيجة الفضائية المحطمة للأرقام القياسية، حققت الجزائر أول وربما أهم نصر لا في تاريخ مشاركاتها بالبطولة، وتغلبت على الألمان المغرورين بنتيجة 2-1 التي كانت تعد مذلة من فريق يتأهل للمرة الأولى في تاريخه.

دور المجموعات قبل المباراة الأخيرة

بينما فازت الجزائر على ألمانيا بنتيجة 2-1، كانت النمسا قد انتصرت على تشيلي بنتيجة 1-0، لاحقاً في الجولة الثانية تمكنت ألمانيا من الفوز على تشيلي بنتيجة 4-1 فيما خسرت الجزائر أمام النمسا بنتيجة 2-0. هنا من المهم تذكر أن المرحلة الأخيرة من دور المجموعات لم تكن تلعب بنفس التوقيت كما هو الأمر حالياً، بل تلعب كما الجولات الأخرى، وفي أول مباراة من المرحلة انتصرت الجزائر على تشيلي بنتيجة 3-2 وبقي الأمر معلقاً بانتظار مباراة النمسا وألمانيا الغربية.

من المهم تذكر أن حساب النقاط حينها كان مختلفاً عن اليوم، فالفوز كان بنقطتين بدلاً من ثلاثة، بينما التعادل كان نقطة وحيدة كما الآن، ومع انتظار المباراة الأخيرة في المجموعة كانت الاحتمالات مائلة جداً لصالح الجزائر في الواقع، فالتعادل أو فوز النمسا يعني تأهل الجزائر، وفوز ألمانيا الغربية بفارق 3 أهداف أو أكثر كان يعني احتمال تأهل الجزائر كذلك، حيث أن النتيجة التي تعني خروج الجزائر هي نصر ألمانيا بفارق هدف واحد أو هدفين حصراً.

المباراة المشؤومة

عند دخول كل من فريقي النمسا وألمانيا الغربية إلى الملعب، كانت جميع التوقعات تتمحور حول مباراة حماسية جداً وقوية، فكأس العالم السابق كان قد حمل أول نصر للنمسا على ألمانيا منذ عقود، ومع كون المباراة تحدد مصير ألمانيا في المونديال فقد كان التوتر سيد الموقف لدى الجماهير، لكن بشكل غريب ليس على أرض الملعب.

كانت الدقائق العشرة الأولى حماسية للغاية، وحملت هجوماً شرساً ومستمراً من جانب الألمان، وسرعان ما ترجم الأمر إلى هدف في الدقيقة 11 من عمر المباراة، لكن بعد كل هذا الحماس والأداء الهجومي تحولت المباراة بسرعة إلى شكل شبه كرتوني في الواقع، فكل من الفريقين كانا يمرران الكرة فقط دون أي محاولة لفعل أي شيء في الواقع، بل فقط مجموعة من اللاعبين الواقفين في أماكنهم ويتبادلون الكرة بين أرجلهم.

مع نهاية الشوط الأول خرج الفريقان من الملعب ولاعبوهما يمسكون أيدي بعضهم البعض ويتحدثون ويضحكون سوية، وبالمقابل كانت المدرجات غاضبة للغاية، فعدا عن كون جمهور الجزائر كان يلوح بالمال كإشارة لكون المباراة مباعة دون شك، فجمهور كل من ألمانيا والنمسا لم يكن راضياً كذلك. على أي حال فالجزء الأسوأ من المباراة ربما كان الشوط الثاني، والذي جعل الشوط الأول يبدو حماسياً للغاية مقابله، حيث أن الشوط بأكمله شهد 3 تسديدات فقط، كلها من خارج المنطقة، وكلها بعيدة جداً عن المرمى.

مع الشوط الثاني كانت الجماهير قد بلغت ذروة غضبها في الواقع، ومع تمريرات مستمرة (مع نسبة تمريرات صحيحة أكبر من 90٪) قتلت الشوط تماماً بدأت الصيحات والهتافات بالخروج من المدرجات، في البداية من مشجعي الجزائر، لكن لاحقاً من مشجعي المنتخبين اللاعبين حتى. تضمنت الهتافات ”اخرجوا“ و”الجزائر“ بالدرجة الأولى، ومن ثم سرعان ما توحدت المدرجات على هتافة واحدة: ”فليقبّلوا بعضهم“.

الغضب من لعب الفريقين لم يكن حصرياً على المدرجات، فحتى المعلقون على المباراة كانوا محبطين للغاية، مع قول المعلق الألماني بأن ”ما يحدث على أرض الملعب مخجل ولا يمت لكرة القدم بصلة“، بينما طلب المعلق النمساوي من الجمهور إطفاء أجهزة التلفزيون، وترك الشطر الأخير من المباراة دون تعليق حتى، لكن لا شيء غير النتيجة، وانتصرت ألمانيا بنتيجة 1-0 لتخرج الجزائر من البطولة.

التحقيقات والنتائج التالية للمباراة

بعد المباراة حاولت جماهير الجزائر تسلق السياج الذي يفصل المدرجات عن أرضية الملعب، وخرج اللاعبون مسرعين هرباً من جمهور غاضب للغاية من طريقة لعبهم، ومع وضوح وجود تعاون بين الفريقين لتثبيت نتيجة المباراة، سرعان ما عقدت FIFA اجتماعاً لمناقشة القضية، وبعد 3 ساعات ونصف من النقاش خرجت نتيجة الاجتماع بكون الأمر لا يمتلك أي دليل حقاً، لكن الانتقادات توالت بالأخص مع كون نائب رئيس الفيفا حينها، هو رئيس اتحاد كرة القدم الألمانية بنفس الوقت: Hermann Neuberger.

لاحقاً تحدثت الصحافة عن كون مدرب المنتخب الألماني قد أرسل رسالة اعتذار إلى المنتخب الجزائري، ومع أن FIFA استمرت بإنكار وجود أي خطأ أو تلاعب بنتيجة مباراة النمسا وألمانيا الغربية، فقد اتخذت واحدة من أهم الخطوات التي اهمت بتطوير اللعبة حقاً، حيث باتت مباريات الجولة الأخيرة من دور المجموعات في جميع البطولات الكبرى تلعب دائماً بالتزامن مع بعضها البعض، وبذلك يتم منع أي نوع من تثبيت النتائج أو اللعب على أساس نتيجة المباراة الأخرى.

بالطبع لا يمكن إنكار كون هذه الحالة واحدة من العديد والعديد من النقاط السوداء في تاريخ اللعبة المحبوبة، ومع أن FIFA لا تزال معروفة بكونها واحدة من أكثر المنظمات الفاسدة والمثيرة للريبة في العالم حالياً، من الممكن القول أن النتيجة النهائية كانت إيجابية بإدخال القواعد الجديدة حيز العمل، وبالنتيجة تحسين البطولة الأكثر شعبية للرياضة الأكثر انتشاراً في العالم.

مقالات إعلانية