in

هل قام التلفزيون السعودي بتغطية شعر أنغيلا ميركل؟

قبل بضعة ايام قامت أنجيلا ميركل المستشارة العليا لألمانيا بزيارة للسعودية هي الأولى منذ حوالي 7 سنوات، ووسط الجدل الكبير الذي حملته الزيارة، خصوصاً مع كونها تأتي بعد إدراج السعودية ضمن لجنة حقوق المرأة ضمن الأمم المتحدة، كما ان الأمر كان غريباً بكون ميركل قد دخلت السعودية سافرة الرأس، وهو ما يمنع تماماً على مواطنات البلد وغالباً ما يجبر الزوار حتى على تغطية رؤوسهم تحت حجة احترام اختلاف الثقافات.

ظهور ميركل سافرة الرأس في الأراضي السعودية والاستغراب الذي أثاره جعله مادة دسمة للسخرية، فالقوانين السعودية التي تطبق على العامة وعلى الوافدين يبدو أنها ترتبط بالسلطة لا بالشريعة أو المجتمع بحد ذاته، فالسلطة الكافية تجعلك حالة استثنائية وتسمح لك بتجاهل القوانين الرجعية هذه، هنا نشرت صفحة ”خسة“ التابعة لموقعنا Dkhlak.com صورة لميركل مع شعر ”مغبش Pixelated“ بسخرية من كون وكالات الأنباء وقنوات التلفزيون السعودية الرسمية لا تنشر صور النساء عادة.

القناة السعودية تغطي شعر ميركل
الصورة الساخرة من خسة وصورة أصافا أحد معجبي الصفحة في التعليقات

الصورة سرعان ما انتشرت في كل مكان وحققت شهرة كبيرة في أوساط مواقع التواصل الاجتماعي، مع أكثر من 11 ألف تسجيل إعجاب على الصورة الأصلية و5000 مشاركة لها، كما أن الصورة وصلت إلى منصات مثل Imgur وموقع 4Chan الشهير كذلك وحتى مواقع روسية وتركية وألمانية متعددة، وسط اعتقاد عام خاطئ بأن الصورة حقيقية على الرغم من كون شعار ”خسة“ أصلاً يحتوي عبارة ”أخبار ساخرة“، وأن الصورة أصلاً نشرت تحت عبارة ”just for fun“.

من أين بدأ الخطأ بالنشر أصلاً؟

على الرغم من تأكيد الصفحة ووضوح كونها ساخرة تماماً، فقد قامت ناشطة لبنانية باسم ”سارة عبد الله“ بنشر الصورة عبر حسابها على Twitter مدعية بأنها حقيقية وليست سخرية، ومتجاهلة شعار الصفحة الذي يوضح العكس، نشر ”عبد الله“ للصورة تحت العنوان المضلل حظي بشهرة كبيرة فاقت شهرة النشر الأصلي حتى، فمع أكثر من 32,000 إعادة تغريد وحوالي 27,000 إعجاب تحولت الصورة فوراً لخبر عالمي تتناقله صفحات التواصل الاجتماعية على Facebook وTwitter وReddit والمواقع المتعددة.

التلفزيون السعودي يغطي شعر ميركل
صور من وسائل النواصل الاجتماعي المتنوعة.

العنوان المضلل والمؤكد للخبر جعل الموضوع خبراً منتشراً في مواقع الأخبار التركية والروسية والألمانية، فالعديد من المواطنين الألمانيين وحتى السياسية الألمانية Lale Akgün ذات الأصول التركية، ومع كون الصورة حظيت بهذا الاهتمام الكبير فقد قامت العديد من مواقع الأخبار مثل Buzzfeed وindy100 وi News وsnopes وGazeteVatan وحتى Mashable التابع لوكالة France24 الأخبارية بالتأكد من أن الخبر مزور أصلاً بعد التواصل مع إدارة صفحة خسة.

على الرغم من أن الخبر تم نفيه من قبل العديد من المواقع، وحتى مع اعتراف ”سارة عبد الله“ نفسها بكونه كذلك، فعدم حذفها للصورة الأصلية تسبب بإعادة نشرها أكثر من 12000 مرة إضافية منذ نفت Buzzfeed الخبر سابقاً، فحتى الآن تمت مشاركة الخبر المزور بدلاً من الإشارة إلى كونه ساخراً أكثر من 6 أضعاف مشاركات الخبر الأصلي.

لماذا انتشرت الصورة بهذه السرعة؟

على الرغم من أن السبب الأساسي لانتشار النسخة المزورة هو مشاركة الناشطة اللبنانية لها لجمهور يتعدى 70,000 متابع، فلا يمكن تجاهل أن انتشار الخبر أصلاً يعود للميل لتصديق أي كان ما نراه دون النظر إلى ما ينفيه من ناحية (ولو كانت مكتوبة بوضوح عليه كما هي الحال هنا)، وكون الخط الفاصل بين السخرية والحقيقة صغيراً جداً في الكثير من الحالات بحيث يصبح تمييزه صعباً.

لطالما انتشرت فكرة أن السخرية دون دلالة على كونها سخرية (كتغير نبرة الصوت أو وضع علامات الترقيم) من الممكن اعتبارها تصريحاً جدياً، ومع أن هذه الفكرة لا تصح في جميع الحالات حيث تكون السخرية واضحة، فالحالة هنا ربما تنطبق عليها الحالة. فمع أن تمويه شعر ميركل هو في الحقيقة مجرد خطوة ساخرة، فبالنسبة لبلد تعاني فيه الحريات من قمع فريد من نوعه، وتحرم فيه النساء من جميع حقوقهن تقريباً فالتصرف قريب كفاية من الواقع ليمكن اعتباره حقيقياً بالنظر إليه دون معرفة كونه ساخراً.

حالة السعودية أبعد ما تكون عن الفريدة من نوعها هنا، بالانتقال إلى مصر مثلاً، فبعد الآلة التي تشفي الناس من الفيروسات وتنتج ”الكفتة“ وتلك التي تتيح التواصل مع الحيوانات، فأي سخرية محتملة تبدو أقل غرابة من الواقع بحد ذاته وقابلة للتصديق حتى. الولايات المتحدة باتت تمتلك حالة مشابهة اليوم مع رئيسها الجديد ترامب، فالرئيس الأمريكي الذي بدا هو وحملته الانتخابية كمزحة كبيرة حتى اللحظات الأخيرة قبل فوزه لم يترك شيئاً ليبدو ساخراً، فكل شيء ممكن ولا شيء يمكن توقعه حقاً مع الكم الهائل من التقلبات والتناقضات والمواقف المتطرفة التي يقدمها يوماً بعد يوم.

في النهاية، وحتى مع تجاهل المغردة التي قامت بنشر الخبر الكاذب، فربما كان الخبر لينتشر بشكله هذا أو بأشكال عديدة أخرى، فمع سجل حقوق المرأة السعودي الحافل، ل يكون غريباً لو أظهر التلفزيون السعودي ميركل ترتدي جلباباً أو غطى كامل صورتها بلون أسود ”لمنع الفتنة“ ربما، أو لاحترام تقاليد انقرضت منذ العصر الوسطى.

مقالات إعلانية