in

كثافة الإنجاب العربية النشطة والعجائبية تتناسب مع قدر تخلفنا وجهلنا وفقرنا

غسيل على النوافذ

قطعا سبق أن أدهشك ذلك التناسب بين التخلف والتكاثر العجائبي في البلدان الأكثر فقرا وعوزا في العالم، بينما ستجد معدلات النمو السكاني في البلدان الصناعية المتقدمة أقل مما قد تتخيل. وبمعنى آخر فإن الشعوب التي ترزح تحت براثن ثالوث التخلف (الجهل، الفقر، المرض) تتحول إلى بيئة يتكاثر فيها السكان عجائبيا، حتى داخل المجتمع الواحد ستجد الأسر المتعلمة من الطبقة الوسطى ترشّد عملية الانجاب بشيء من الاتقان أحيانا، وبينما الطبقات الأكثر فقرا والأقل تعليما من ذات البلدان تتفنن في التكاثر العشوائي.

فحسب قائمة البنك الدولي فأن على رأس القائمة في التزايد السكاني هي سلطنة عمان وقطر وجنوب السودان على الترتيب 9.13 – 7.05 – 4.03، وهي دول يعتمد اقتصادها برمته على النفط، وبينما وحسب قائمة الأمم المتحدة تحتفظ الدول السابقة قائمة بصدارة ما ولكن بتفوق ملحظ تحتله فلسطين والاردن والصومال، ولا يخفى على عارف المساهمة الاقتصادية المتواضعة لمواطني الدول المذكورة ولا سيما أن فلسطين ترزح تحت الاحتلال إلى اليوم، وعمق التخلف الذي تعيشه دول الخليج.

بينما أهم اقتصادات العالم المركزية في مثال فرنسا: 0.49، الصين: 0.48، المملكة المتحدة: 0.48، سويسرا: 0.38 من خلال مقارنة الارقام سترى الفوارق المخجلة حقا، يخيل لديك أن الأزواج العرب لا وقت لديهم لغير الجنس.

السبب التطوري

لبؤة مع صغارها
لبؤة مع صغارها

آمنت بقوانين الجاذبية أم لا فإن سقوطك من على ارتفاع عشرين طابقا سيسحقك حتما، أمنت بالرياضيات فإن البقال لن يرضى سوى بحاصل جمع ديونك.

وكذلك لا يخرج الانسان عن كونه كائنا حيا تجري عليه كل قوانينها بتفاصيلها، ذلك أن الشعوب المتخلفة والمتقدمة على حد سواء، تعتمد على آلية مهمة من آليات التطور لدى الكائنات الحية، وهي أن الافراد متمايزة وكل ما ازداد العدد ازدادت الميزات بطبيعة الحال، فكثرة الانجاب كما تتيح تمرير جينات الوالدين وضمان بقائها؛ فإنها أيضا تتيح الفرصة لظهور ميزات أفضل قادرة على مصارعة الحياة القاسية بميزات مقاومة بدنية وعقلية وعاطفية، تمكنهم من تبوء وظائف أفضل.

ولعلك لو سألت أي عائلة مكثرة عن سبب كل هذا العبث؛ ستجد بين الاجابات شيئا يشبه ”أننا ننظر ولدًا طبيبا“ بمعنى أن يحمل المؤهلات الكافية لجعله قادر على الانتاج وزيادة الدخل، وبالتالي قادر على البقاء. بينما ستتكفل قوانين الطبيعة بالتخلص من الأضعف شيئا فشيئا، بدأً بالأمراض والأوبئة التي صفّت ما لا يقل عن ثلث سكان أوربا بل والعالم في القرن الثاني عشر وما يقارب الـ40 من سكان مصر بالوباء الأسود آنذاك، ومرورا بالقوانين الاجتماعية والصراعات على الموارد المحدودة التي تحصد الفائض البشري على الموارد بشكل مستمر، من خلال الحروب الدولية والاهلية.

اطفال

وكما تنبئ صموئيل هنتنجتون في صراع الحضارات المنشور في سنة 1996 إستنادا إلى معطيات تصنف على أنهم أمة فتية، أي الاغلبية العمرية ما دون الخامسة عشرة فقد كان من الواضح لهنتنجتون أن السنوات القليلة القادمة ستجعل منها أمة شباب في وسط اقتصادي منهك فلا مفر من دخول العالم العربي في صراعات عنيفة، وهذا ما حصل بالفعل. حيث ناهزت الخسائر البشرية إبان اندلاع الاحتجاجات الشعبية المليوني ضحية، ولا تزال الحرب مستمرة. وبمعنى آخر فأن المولود الجديد كان واقعا وبقي رزقه المرفق كهدية تشجيعية طي الوهم وذمة المدعي، بينما تكفلت الحروب بالعدد الفائض عن الموارد.

ومن الطبيعي أن التكاثر بغرض انجاب ميزات وراثية أفضل لا يتوقف عند هذا الحد بل يترافق مع مظاهر أخرى كالزواج المبكر، لضمان أكبر فترة ممكنة للإنجاب من البلوغ حتى سن اليأس، بحيث تستغل الفترة برمتها في ممارسة الجنس بهدف التكاثر، بل يبدو أن الزواج المبكر ظاهرة عربية متجذرة ولا سيما في الخليج واليمن ومصر، والتي تصنف تلك الممارسات المشينة، أخلاقيا كان؛ أو في القوانين الدولية على أنها اغتصاب أطفال. بالإضافة إلى تعدد الزوجات الذي يساهم بمزيد من التنوعات والطفرات الوراثية بغرض تحسن النسل.

عوامل مساعدة

أ. العامل الديني: للدين تأثير في حركة الانجاب الجنونية، ولكنه ليس سببا؛ بل لا يعدوا عن كونه مجرد مبرر ومانع على عقل المتدين عن إعادة التفكير في تحديد النسل.

ب. العامل النفسي: الشعوب المضطهدة عموما تميل لتحقيق ذواتها من خلال أساليب غالبا تبدو لا منطقية، فذلك الرجل الذي لم يحظى وبلقب يسبق اسمه كطبيب أو أستاذ …الخ فسيعوض ذلك النقص بالقاب أخرى كـ(أبو حيدر، وأبو عمر التونسي، وأبو علي الـ….) فتغدوا القدرة على انجاب الذكور انجازا على أقل تقدير، بينما تشكل المازوشية المستشرية لدى النساء المشرقيات نقطة فارقة في الرغبة في لذة الألم وهل من آلام أشد من آلام الحمل والولادة. طبعا لا يخرج العامل النفسي عن الفلك التطوري الرئيس لذا صنف كعامل لا كسبب. (للتوسع في ظواهر اخرى لدى الانسان المضطهد: مصطفى حجازي، سيكولوجية الانسان المقهور)

هل هذا العبث الجنسي قدر محتوم؟!

وفي سياق الامثلة السابقة، فإنك لو سقطت من الطابق العشرين مصطحبا مظلة فستكون تجربة مثيرة للغاية، وستفكر بتكرارها حتما. كما أنك لو رشدت استهلاكك، وفيما لو أظهر البائع شيئا من الطيبة سيتجاوز بائعنا العمليات الحسابية برمتها.

بمعنى أن الانسان هو الكائن الوحيد القادر على فهم قوانين الطبيعة بل والتحكم بها، وبالتالي فبدلا من استيلاد المزيد من البشر على أمل خروج ميزات مقاومة للواقع المرير؛ نستطيع تغيير الواقع على نحو أفضل، وبدلا من التخلص من الحمولة البشرية الزائدة بالحروب والكوارث المصنعة فدعونا لا نأتي بتلك الزيادة من الأصل. وقبل أن تمتلك الجرأة اللاأخلاقية على وضع كائن بشري ضعيف في فوهات مطاحن الأمراض والأوبئة والحروب، تجرأ على المرض نفسه فهْمًا وعلاجا، كما أنه من الممكن مناهضة الحروب بدلا عن اشعالها. وعوضا عن انتسال طفل جديد وانتظار رزقه المزعوم، دعونا نوفر فائضا واقعيا من الغذاء النظيف ومن ثم ننظر الطفل المزعوم.

فالفارق الوحيد بين الانسان الحديث القادر على البقاء والانسان البدائي؛ أن الأول قادر على التحكم بالطبيعة بينما الاخير ستقوده الرياح حيث تشاء.

مقالات إعلانية