in

هل تبرر ”الإنجازات“ الطغيان؟

منذ فترة ليست بالبعيدة مات الرئيس الكوبي السابق والطاغية الشهير ”فيديل كاسترو“ بعد عدة سنوات من المرض، وعقود طويلة من حكم جزيرة كوبا. وفاة كاسترو هذه تسببت بالعديد من ردود الفعل المتناقضة بين من يعدونه واحداً من الأشخاص الأسوأ في التاريخ (نتيجة حكمه الدكتاتوري الذي استمر لقرابة 50 عامٍ من قمع الحريات) وآخرين ينعونه بكونه قائداً عظيماً ومناضلاً فذاً، مستشهدين بإنجازاته في كوبا في مجالات مثل التعليم المجاني والرعاية الصحية الشاملة وغيرها.

ما حدث مع وفاة كاسترو، لم يكن فريداً من نوعه، فهو يتكرر مع موت كل دكتاتور، فمع قتل القذافي أو إعدام صدام حسين تكررت نفس الخلافات بين من يحتفل بموت طاغية وآخر ينعى من يعتبره بطلاً بفضل ”إنجازاته العظيمة“.

ما هو الطغيان؟

وفقاً لقاموس أوكسفورد، فالطغيان هو حالة من الحكم القاسي والقمعي. هذه الحالة ليست حصرية للحكم الفردي بطبيعة الحال، فحكومات الحزب الواحد (كما في الصين حالياً وفي الاتحاد السوفييتي وألمانيا الشرقية سابقاً) والأنظمة الملكية (كما في ملكيات الخليج، لكن الحكم الملكي الدستوري كما في المملكة المتحدة وعدة دول أخرى لا يندرج معها نظراً لعدم امتلاك الملوك أي سلطة فعلية هناك) أو الدينية تعد حكومات طاغية كذلك. فالطغيان يتعلق بالتصرفات الممارسة على الشعب لا بنوع الحكومة بحد ذاتها.

ما مهام الحكومة؟

وفقاً لنظريات العقود الاجتماعية المتتابعة، فالحكومة تمتعت بامتيازات متعددة مع واجبات مختلفة. بداية من الصلاحيات المطلقة للحكومة وعدم الالتزام بأي واجبات في عصور الملكيات القديمة عندما كان الملوك يدعون ان سلطتهم ذات مصدر إلهي أو مقدس.

هذه النظريات سقطت تباعاً مع انتشار الإدراك الشعبي لكون الحكومات لا تأتي بتشريع إلهي بل بتنظيم بشري فقط. هذا الأمر أدى إلى سواد نظريات تتناول العقد الاجتماعي كعلاقة تربط الحكومة بالشعب، حيث تمتلك الحكومة صلاحيات محدودة ويتم اختيارها من قبل الشعب، الذي يتخلى عن جزء من حرياته مقابل حقوق معينة تقدمها الحكومة التي تعتبر موظفاً يعمل لدى المواطنين (حيث يأتي التمويل الحكومي أصلاً من الضرائب التي يدفعها المواطنون).

عدا عن كون الحكومات مسؤولة عن تنظيم الأمور عادة، فالحكومات التي تميل لليسارية نسبياً تتضمن العديد من المجالات الإضافية مثل برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية الشاملة والتعليم المجاني، وغيرها من البرامج الحكومية الممولة من الضرائب عادة.

هل يستحق الطغاة التبرير لهم؟

عادة ما يستخدم مؤيدو الطغاة انجازاتهم في مجالات محددة لتبرير جرائمهم في قطاعات أخرى، فالاعتقال التعسفي يبرر بمستوى الأمان العالي، وقمع الإعلام يبرر بنظام تعليم حكومي جيد وهلم جراً.

المشكلة هنا أن هذه الإنجازات التي تستخدم عادة لتبرير الطغيان ليست ”إنجازات“ بالمعنى الكامل، فالقادة الذين قاموا بها لم يكونوا متفانين زيادة لإنجازها بل هم فقط قاموا بعملهم (وفي الكثير من الأحيان يكونون مقصرين فيه حتى ويعدونها إنجازات).

اليوم تمتلك دول مثل ألمانيا أو اليابان بنى تحتية قوية للغاية مع برامج حكومية متكاملة من ضمان اجتماعي.. حتى تعليم مجاني وتأمين صحي وغيرها. هذان البلدان يتقدمان بأشواط على دول الطغيان من الناحية التنموية على الرغم من أنهما خرجا خاسرين من الحرب العالمية الثانية وأعادا البناء من الصفر تماماً.

اليوم لا نسمع بأحد يهتف باسم رئيس وزراء ألماني سابق لأنه بدأ الرعاية الصحية، ولا أحداً يبني تمثالاً لقائد ياباني أسس الضمان الاجتماعي قبل عقود. فهذه المهام تبقى مجرد جزء من واجبات الحكومة وليس لها فيها فضل أو منة. فلا أحد يبرر لطبيب مثلاً جريمة بحجة إنقاذه للأرواح بأداء عمله، فهو يمارس عمله لا أكثر ولا يستحق أي تبرير لتصرفاته المسيئة تحت حجة إنجازاته العظيمة.

مقالات إعلانية